مؤسسة أحفاد عشتار وفيلم آرارات…رسائل الحب هل يقدر الفن على إيصالها؟!
عامر فؤاد عامر
تُعدّ مراجعنا العربيّة قليلةً جداً؛ حول المذبحة الأرمنيّة، التي جرت ما بين عامي 1912 – 1915، على الرغم من أن سورية هي الأرض التي استقرت فيها العائلات الأرمنيّة المهجّرة قسراً من موطنها الأمّ، الدولة الأرمنيّة في ذلك الوقت، إذ إنها الأرض الحاضنة لهم، والشاهدة المباشرة لمعظم الأحداث التي وقعت في تلك الفترة، والحافظة لذاكرة حملها شقاء وخوف وقلق الأحياء القادمين من الشعب الأرمني إلى الأرض السوريّة. وبعد مرور مئة عام على ذكرى هذه الإبادة المريعة، والتي مهما جاهدت الدولة التركيّة على تجاهلها، فستبقى محفورة في ذاكرة ووجدان البشريّة، وينهض وعياً جديداً يذكرنا فيما قامت به الهمجيّة العثمانيّة في المجزرة الأرمنيّة هذه، وإبادة مليون ونصف مليون أرمني، في ذلك الوقت، مع تلقيهم أقسى أنواع التعذيب، والظلم، والتعامل اللاإنساني، فنجد اليوم دخول أكثر من كتاب مترجم للغة العربيّة إلى مكتبتنا يوصّف هذه المذبحة، بشهادات مراقبين، وعيون وثّقت ما جرى، بل أيضاً وثّقت ما سعت إليه الدولة العثمانيّة من طمس معالم هذه الجريمة التي لا شبه لها على مدى التاريخ، وقد ساهمت في توضيح هذه الرؤية مؤسسة «أحفاد عشتار» من خلال عرضها للفيلم السينمائي «آرارات» في صالة «الكندي» بدمشق يوم الخميس الموافق لـ3 أيار 2015، وذلك ضمن نشاطات ناديها السينمائي، وبالتعاون مع المؤسسة العامة للسينما، ويعدّ الفيلم النسخة الوحيدة، المترجمةً للعربيّة، التي تتحدث عن موضوع الإبادة الأرمنيّة تلك. وقد سعت «أحفاد عشتار» مشكورةً للحصول على النسخة، والمساهمة في نشر الوعي حول هذه الحادثة المروّعة.
الفيلم من إنتاج عام 2002 ظهر بجهود مشتركة فرنسيّة وكنديّة، وهو من كتابة وإخراجAtom Eogyan
ومن بطولةCharles Aznavour – Christopher Plummer David Alpay – Arsinée Khanjian. ويتحدث عن فكرة تصويرفيلم ضمن الفيلم عن أحداث الإبادة الأرمنيّة، وملاحقة الأرمن، وقتلهم، وتوضيح فكرة الحقد بين الشعوب، بطرح سؤال: لماذا هذا الكره وما المبرر في ذلك؟ – كما ينطق الجملة أحد أبطال الفيلم بصراحة – وأيضاً الفيلم يحمل خطّاً دراميّاً مشوّقاً لعلاقة الأمّ بابنها، والتوق في اللقاء بينهما، وتمثيل العلاقة نفسها في زمن الإبادة الأرمنيّة من خلال شخصيّة حقيقيّة هي شخصيّة الرسام الأرمني المعروف (آرشيل غوركي)، الذي فقد أمّه في تلك المجزرة، وعاش حياته، كفنّان في مدينة «نيويورك» الأميركيّة التي هاجر إليها بعد وقوع تلك الإبادة. ويوثق الفيلم أحداثاً حقيقيّة، من خلال تواريخ، وصور حقيقيّة، تمّ جمعها، ودعم الفيلم فيها، لتظهر الأحداث أكثر قرباً من عين، وفكر، وقلب المتلقي.
قبل العرض كان هناك ترحيب من قبل القائمين على مؤسسة «أحفاد عشتار»، وكلمة للسفير الأرمني «آرشاك بولديان» الذي عرّف وذكّر فيها بالمذبحة الأرمنيّة، وما تلاها من مذابح لحقت بطوائف كثيرة وصولاً لشهداء السادس من أيار، كما لام آرشاك بولديان المجتمع الدولي وبطأه في محاكمة هذه المجزرة، إضافة لشكره للإعلام السوري الذي اهتم وتابع النشاطات المتعلقة بهذه الحادثة.
بعد ذلك جاءت كلمة نائبة مؤسسة أحفاد عشتار (ديمة عقاد) التي رحبت بالحضور، وبينت أهمية التعرف على أحداث هذه الإبادة سواء من خلال فيلم آرارات أو من خلال المتابعة الإعلاميّة، وبعد ذلك تمّ عرض فيلم وثائقي قصير يتحدث عن المجزرة الأرمنيّة، قبل متابعة الحضور للفيلم الرئيس «آرارات».
تلا عرض الفيلم، مناقشة أدارها كلّ من المخرج «باسل الخطيب» والدكتورة «نورا آريسيان»، اللذان وضّحا نقاطاً مهمّة عن الفيلم، فالمخرج «الخطيب» قال: «يجد صانع الفيلم نفسه بوجهٍ عام، في اللحظات التاريخيّة الحاسمة كـ(المذبحة الأرمنيّة) أمام معضلة وهي: أنه كيف سيوصل رسالته في وقت يكون فيه العالم أجمع لا وقت لديه ولا رغبة في أن يسمع عن ذلك الهمّ كما هو الحال في (المذبحة الأرمنيّة، والقضية الفلسطينيّة، وما تواجه سورية اليوم) بالتالي تكون جملة الحلول ضيقة جداً أمام المخرج، لكن في فيلم «آرارات» أخذ المخرج وسيلته في الدخول بقصة تصوير فيلم داخل الفيلم، بالتالي هذا ما أبعد الفيلم عن رسالته الأساسية التي أرادها، لكن هذا لا يعني أن الفيلم يحمل جهوداً لا بدّ من تقديرها، وشكر كادر العمل فيه، ومخرجه، فهناك تعب كبير في إنجازه».
بدورها د. «نورا آريسيان» تحدّثت عن الفيلم، وذكرى حضورها للعرض الأول له في (لوس أنجلوس) فتحدّثت: «عام 2002 كنت موجودة في «لوس أنجلوس» في قاعة السينما هناك، لحضور العرض الأول لفيلم «آرارات»، وكان هناك أعداد كبيرة من الأرمن، وقد كان نصيبي في الحضور مع شريحة المسنين يومها، فكان الجو مملوءاً بالحزن والدموع، فكلّ شخص منهم تذكر قصته مباشرة أمام أحداث الفيلم». أمّا تعليقاً على فيلم «آرارات» فأضافت آريسيان: «يرتكز الفيلم على الذاكرة الجماعيّة، فهناك ذاكرة الأمّ وذاكرة الرسام، والذاكرة التي حملها الشعب الأرمني بالمجمل، واليوم بعد مرور 100 عام على الإبادة الأرمنيّة، تعيش هذه القضية انتصاراً كبيراً بعد الجهود المبذولة في نشر الوعي، وكسب الإدانات الدوليّة، ومنها بيان رئيس مجلس الشعب السوري، وكلمته في مدينة «يريفان» التي ألقاها خلال حضوره المنتدى السياسي الاجتماعي، الذي عُقد بمناسبة الذكرى المئويّة للإبادة الأرمنيّة. ومفاصل الفيلم وجزئيّاته تتحدث عن الشعب الأرمني، فالعنوان «آرارات» وهو جبل موجود في تركيا الحاليّة، لكنه كان ضمن الأراضي الأرمينيّة الغربيّة، وهو رمز أرمينيا، أمّا أسماء الشخصيّات الرئيسة فهي
«رافي» وهو اسم لأكبر كتاب الأرمن، واسم «آني» الأمّ في الفيلم والمستشارة التاريخيّة، هو اسم إحدى عواصم أرمينيا التاريخيّة، أمّا «فان» فهي اسم لإحدى أهم المعارك التي دافع فيها الأرمن عن أنفسهم، كما أن الرسام «آرشيل غوركي» هو رسام أرمني، إذا جمع الفيلم رموزاً وحوادث تاريخيّة أرمنيّة مهمّة».