قضايا وآراء

نوافذ سياسية ضيقة

| مازن بلال

الطريق نحو الدستور السوري تلخصه حالات التناقض في تشكيل اللجنة الدستورية، فالخلافات ليست في رسم «توافق داخلي» عبر دستور يناسب السوريين؛ إنما ضمان حالة لا تتعارض مع النظام الإقليمي وطبيعة توزع القوى الدولية في شرق المتوسط، فالسوريون يواجهون حالة تلاؤم غريبة وهذا الأمر ينطبق على كامل الطيف السياسي، كما أنه يسير على مساحة المجتمع الذي يعاني من نتائج الحرب، واستمرار الخلافات حول اللجنة الدستورية يعبر في النهاية عن إشكال التوزع الدولي في المحيط الدولي عموماً.
عملياً فإن تصور التشكيل السياسي القادم مستحيل في ظل ما يظهر اليوم من مواقف، فهذه التصورات هي بحث عن توازنات افتراضية لأبعد الحدود لأنها تسقط الواقع الداخلي السوري، ولا تدخل في عمق التعقيد الذي يحدث نتيجة التعامل مع آثار الحرب، فالمعاناة الاقتصادية للسوريين وتأثير العقوبات الأوروبية والأميركية هي العامل الأهم اليوم في تشكيل العلاقات السورية، فالولايات المتحدة والعديد من دول أوروبا يراهنون على هذه العقوبات للتأثير في المواقف السياسية، ويحاولون تشكيل معادلة تدفع روسيا للتعامل مع حل الأزمة السورية عبر بوابات فك الحصار، ولكن الداخل السوري ربما يتفاعل بشكل مختلف لا يتناسب مع المشهد السياسي العام.
إن أي تحول تشهده العلاقات السورية السورية في الداخل هو نوع من البحث عن حلول لمسائل الحصار، وهذا الأمر يؤدي في كثير من الأحيان لبلورة رؤى سياسية وكتل وقوى غير محسوبة بدقة بالنسبة للجانبين الروسي والأميركي، فالبحث في اللجنة الدستورية يجري عبر القوى السورية المستقرة من أحزاب ونشطاء، بينما يتم تجاهل الكتل الاجتماعية والسياسية المهمشة التي ازدادت نتيجة الحرب، وتغير طبيعة العلاقة التي تحكمها سواء فيما بينها أو مع الحل السياسي الذي يتم إنتاجه.
المشهد السياسي العام لا يقدم أي جديد، في الوقت الذي تبحث فيه واشنطن والعديد من العواصم الأوروبية عن فرض أمر واقع من خلال العقوبات الاقتصادية أو فرض تشكيلات سياسية عائمة سواء في الخارج أم الداخل، فإن الكتل الاجتماعية الأكبر في الداخل والخارج السوري يمكن أن تصبح العامل الوحيد المرجح في مسارات الحل السياسي، وهذا الأمر ليس رهاناً سياسياً إنما احتمال على مستوى الحلول يحاول الجميع محاصرته.
ما يملكه السوريون اليوم هو إمكانات لعلاقات مختلفة تغير من الصور السياسية النمطية، فالصعوبات الاقتصادية لا بد أن تغير على الأقل من تصورات النخب، وأن تؤدي إلى تشابك مختلف على المستوى السياسي الاقتصادي، ومؤشرات هذا الموضوع لا تبدو واضحة لكننا نستطيع تلمسها في مسألتين أساسيتين:
– الأولى في تجنب السوريين عموماً العودة إلى المواقف الأولى للأزمة، فهم يحاولون تركيب معادلة محصورة بين الشرط الدولي وظروفهم الخاصة، وهذه البيئة غالباً ما تؤدي إلى تغيير في العلاقات الداخلية عموماً.
– الثاني ذهاب القوى السياسية عموماً نحو هامش ضيق، فالأحزاب والكتل السياسية لم تعد في عمق الحالة العامة، وهذا الأمر يتيح للتعامل مع حلول مختلفة ربما تنتج كتلاً وقوى جديدة أكثر رسوخاً في المشهد السياسي الحالي.
الدستور الذي يتم الرهان عليه كمدخل لعودة التفاوض يعيد الصيغ المكررة لتمثيل سياسي لا يمكن الرهان عليه، بينما يمكن للقوى المنتجة السورية أن تعيد رسم العلاقات الداخلية حتى في أقسى الظروف، فهي ليست أحزاباً بل مساحات اجتماعية اقتصادية تعيد تأسيس التصورات السورية عموماً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن