من دفتر الوطن

أعياد

| زياد حيدر

يأتي الرابع عشر من شباط من دون مفاجآت. يأتي في كل عام، وقبل أن يحل تذكرنا المحال التجارية، والإعلانات المتنافسة، وإضاءة الشارع، وتوسلات الأولاد لمصروف إضافي، وإيماءات الزوجة، ودلال العشيقة المتذمرة، وشكوى الصديقة الوحيدة، بأنه قادم.
وهذا بالنسبة لدائمي القلق من شاكلتي، يواجهني بمشاعر امتحان البكالوريا ذاتها منذ ما يزيد على عشرين عاماً.
فمنذ وعيت لبلوغي، لاحقني عيد العشاق، مروراً بكل الحالات التي مر بها كل من سنحت له فرص مشابهة، من شراء الورد الأحمر بكل ما كنت أملكه من مصروف شهري، لحمل دب صوفي بوزني قاطعا معه مئات الأمتار لمكان اللقاء المنتظر، لتجميع الأغاني في الأقراص الليزرية، مروراً بالأعياد الأكثر نضجاً التي كانت تنتهي في اليوم التالي.
لكنه في النهاية ظل امتحاناً، علي كما على كل من أعرفه تجاوزه، ولو بالعلامة الدنيا، علما أنه ليس من نجاح بتفوق، إلا بدرجة التحدي المترتبة على العيد القادم.
لم أقتنع يوماً بهذا العيد. لم أحبه، ولا استمتعت به منذ أيام الجامعة ولا بعدها. لماذا؟ ظللت متفهما ومؤمنا بأن الرموز الإنسانية المتمثلة بالأمهات والآباء، والمعاقين، والمرأة والأب.. إلخ، وما إلى ذلك من نماذج، هي ما تستحق الاحتفال بها وإعطاءها مساحات من الوقت والراحة والتأمل في معانيها وخلفياتها، ويمكن بالطبع تفهم حاجة الأغلبية العظمى من الناس للتذكر والاحتفاء بعيد ميلادها الشخصي وعيد الزواج، وما إلى ذلك من مناسبات.
وأيضاً يمكن فهم جنوح بعض الثقافات لما هو أبعد من هذا مثل الاحتفال بعيد للموتى، لدى الثقافات اللاتينية، وذلك تخليدا لذكراهم، ولتخفيف حدة النظرة للموت باعتباره عبوراً لعالم آخر كامل الأبعاد وحيوي ضمن شروطه الخاصة.
أما الاحتفاء بشعور من المشاعر الإنسانية، فثمة صعوبة في هضم الفكرة تماما، ولاسيما النظر لإسقاطاتها التجارية، وهي الأساس في هذه المناسبة.
فإن كان عيد للحب حقيقة، فهو يأتي ناقصاً، وسطحياً وتجارياً، ولا يستحق كل هذه الجلبة.
الحب شعور سام، ولكن ثمة مشاعر أسمى.
صفة المحب هي صفة دافئة ولكن ثمة صفات أكثر أهمية. منها التسامح الذي يشمل من تحب ومن تكره. وهناك الصدق الذي يشكل ذروة السلم الأخلاقي، وثقافتنا الشرقية تفتقده، بل تخشاه وتخجل منه. وهنالك نقيضه وهو الكذب، الذي احتفلت به مسرحيات الرحابنة ومحمد الماغوط، لأنه ركيزة البقاء لمجتمعات كثيرة تفضل عدم مواجهة نفسها. العيد مستورد طبعاً، وفرحتنا به مستوردة، كغيرها من الأمور السلبية في أغلبها.
وفي وقت تمر بعض الأعياد كما لو أن حمى حلت بالشارع، تمر أخرى فلا يتذكرها أحد، ولا يرغب في معرفة شيء عنها. أيهما أقرب للحب، أن نحتفل به بصالة صاخبة مستمعين لمطرب عصري، أم تحويل نصف كلفة ذلك لمشفى الأطفال المصابين بأمراض مستعصية؟ أيهما أقرب للحب، أن تقف بجانب زوجتك في المطبخ وهي تجاهد في إتمام مهامها اليومية، أم أن تقدم لها تلك الطاقة الثمينة من الورد الجوري مرة سنوياً؟
يمر الحب بين الشخصين بمراحل كثيرة. ويصبح رتيباً متكلساً، لكنه يشع بين أوقات وأخرى، بطرق يفك رموزها الزوجان وحدهما. هي رمزية شخصية بحتة، لا تحتاج قديسا مات منذ ألف عام، وشاعراً ابتدع منذ مئتي عام، وتاجراً يستثمر ويستغل اليوم. الحب بسيط بين محبين تكفيه همسة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن