بعد أن اتجهت بهم الأشرعة إلى كل اتجاه، ولاسيما اتجاها واشنطن وأنقرة، يبدو أن الكرد استشعروا خفتهم في هاتين العاصمتين، فربما يديرون دفة مراكبهم إلى شواطئ بردى، وصوب قاسيونها.
الحق أن هذه هي الجهة الوحيدة الصحيحة، أن يولي الكرد وجوهم شطر دمشق ذلك أنها عاصمة الدولة التي يعيشون فيها ويقتاتون من خيراتها، وهي الحضن الدافئ والنبع الحنون، وهي التي تمدهم بالخيرات، وتمنحهم حقيقة وجودهم كأحد مكونات الدولة السورية.
ثمة حقائق لابد من معرفتها والاعتراف بها من الكرد، وعدم القفز من فوقها حتى تؤتي مساعيهم المرتقبة في دمشق أكلها في هذا الوقت، وفي كل وقت.
أولى هذه الحقائق، أنك إذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع، فأوهام الفيدرالية التي تعيش في مخيلة الكرد وتصوراتهم، تبقى مجرد أضغاث أحلام ليس لها تأويل، وليس لها تفسير وليس لها قبول عند دمشق، لأنها إضعاف لقوة الدولة وتشتيت لمواردها وإمكاناتها ودق أسافين الفرقة في صفوف أبنائها.
الحقيقة الثانية أن «فيدرالية أكراد سورية» هي خطوة باتجاه محاولة إقامة دويلة كردية تضم أكراد سورية والعراق وتركيا وإيران، لذلك على الكرد أن يعوا إذا كانوا حريصين على استقرار المنطقة، أن تقسيمها وقيام هذه الدويلة هو أمر في غاية الخطر على أمن المنطقة ويشابه قيام الكيان الإسرائيلي، وهو غير ممكن وغير مسموح فيه إقليمياً لا حالياً ولا مستقبلاً، وهو في الحقيقة لا يخدم سوى الكيان الإسرائيلي ومن لف لفه ومن سار في ركبه.
الحقيقة الثالثة أن دمشق ومنذ الاستقلال، لم تعرف التفريق بين سوري عربي، وسوري كردي، لذلك تبوأ الأكراد فيها مناصب قيادية رفيعة أوصلتهم إلى رئاسة الوزراء، وهذا ما حصل أيام عيّن في هذا الموقع محمود الأيوبي، أما إذا أرادوا المحاصصة في المواقع والمناصب وهنا نصل إلى الحقيقة الرابعة فمن حقهم أن يكون لهم تمثيل نسبي في البرلمان كما هو كائن الآن، وها هم قد تم قبولهم في لجنة صياغة الدستور، ومن حقهم أيضاً أن يكون لهم تمثيل وزاري يوازي ثقلهم وعديدهم، وما يقال عن هذا يقال عن بقية المناصب القيادية كالمحافظين وما إلى ذلك.
هذا إذا كانت مطالبهم تنحو هذا النحو، وتسير في هذا الاتجاه علماً أن «مجلس سورية الديمقراطية – مسد» كشف وجود موقف إيجابي لدى الحكومة السورية حول ما يسمى «الإدارة الذاتية» الكردية وذلك بحسب موقع العهد اللبناني في العاشر من الجاري، وهذا باعتقادنا إن صح فهو أقصى ما يمكن لدمشق أن تقدمه للأكراد.
الحقيقة الخامسة أن صلاح الدين الأيوبي ذا الأصول الكردية قاد الجيش العربي الذي طرد الفرنجة من المنطقة العربية ومن فلسطين وكان الرئيس الراحل حافظ الأسد يضم مكتبه صورة رمزية لمعركة القادسية ولذلك القائد البطل، وهو ما أثار حنق الكثير من المسؤولين والصحفيين الأميركيين والغربيين أن الرئيس حافظ الأسد يرنو ويتطلع إلى أن يخلف صلاح الدين في دوره المشرف الذي أداه من دون أن تراوده أفكاره الفرقة، والتشتت، بل الوحدة ولمّ الشمل.
هذا هو نهج دمشق على الدوام، وهذا هو شكل تفكيرها، فمن يرد أن يتراضى معها ويتصالح فعليه أن يفكر في الأسلوب والطريقة نفسها التي تفكر فيها، ونهجها دائماً يقوم على الجمع والوحدة وعدم التجزئة والتفرقة أو التفريق بين هذا وذاك من المواطنين السوريين كرداً كانوا أم عرباً، أو غير ذلك، فالكل أبناء هذا البلد ومتساوون في الحقوق والواجبات.