مهلاً لا تحرك هذه الأشياء.. ابتعد عن أغراضي الخاصة … محبو الجمع يعمدون إلى البحث عن أصناف محددة من الأشياء والقيام بترتيبها وتصنيفها وعرضها
| غالية اسعيد
انتبه أن تلمس هذه الحاجات إنها مهمة جداً… ولكنها مجرد حاجات قديمة لا تعني شيئاً…. رد غاضب: من قال إنها فوضى هذه أشيائي وهي مهمة جداً… أنا متأكد أني سوف أحتاجها يوماً ما…
حديث ليس بغريب قد يتكرر مع مجموعة من الأشخاص محيطين بنا أو ضمن دائرتنا العامة…
مؤكد أن هناك سؤالاً شقياً قد تسلل إلى دماغك…
ترى ما حاجته إلى تلك الأشياء البالية؟
لماذا يحتفظ بها؟ ماذا تعني له؟ هل فقد عقله المسكين؟ ما فائدة هذه الكراكيب؟
إنها الخردة يا صديقي فقط لا شيء… ماذا؟ خردة، فوضى، أشياء غير مهمة، كيف تتحدثين هكذا عن ممتلكاتي الغالية والشخصية لا أسمح لك بهذا…
جواب قد تسمعه بتوبيخ شديد اللهجة من أصحاب هذا الاضطراب النفسي…
«الاكتناز القهري» مصطلح قد يكون غير مكرر ضمن كلماتنا اليومية ولكنه موجود… رافقني عزيزي القارئ لنتعرف إليه عن كثب.
عُرف هذا السلوك ضمن أحد الاضطرابات النفسية باسم الاكتناز القهري أو التكديس التعسفي وهو «الإفراط في تجميع الأشياء والأغراض والصعوبة البالغة والشديدة في التخلص منها اعتقاداً من صاحبها أنها سوف تلزم ذات يوم أو أنها أشياء مهمة جداً له، ما قد يخلق لهؤلاء الأشخاص ظروفاً معيشية صعبة نتيجة لتراكم تلك الأشياء ومزيج الفوضى العارمة التي قد تحتل المكان.
هناك نسبة كبيرة لا يستهان بها من أصحاب هذا الاضطراب النفسي تتراوح بين المتوسطة والحادة منها ما يكون متناغماً مع حالة الشخص المرافق لهذا الاضطراب ومنها ما يؤثر بشكل مباشر ومرضي في الشخص ما يستدعي تدخلاً للمستشار النفسي وطلب المساعدة.
إذاً هل أفهم مما قرأت أن جمع وتكديس الأشياء يعتبر اضطراباً نفسياً؟
حسناً! ليس كل جمع للمقتنيات والاحتفاظ بها يعتبر اضطراباً، من منا لا يحب الاحتفاظ بأشياء قديمة كذكرى من أحدهم مثلاً.
حديثنا عزيزي القارئ يدور حول ما خرج عن حدود سلطة العقل واتجه إلى أن يصبح اضطراباً يؤثر في الحياة العلمية والعملية ويعوق النجاح بها.
دعني أوضح لك أكثر وأوضح أعراض هذا الاضطراب.
إليك أهمها، العجز عن التخلي عن الأشياء بغض النظر عن قيمتها ومدى دواعي استخدامها من الشخص أو أحد أفراد عائلته، ثم يأتيك التعلق المُفرط بالممتلكات لدرجة عدم السماح للآخرين باستخدامها أو استعارتها لبعض الوقت، أو عدم تَقبّل الشخص فكرة مغادرة المنزل أي شيء من الأشياء الموجودة فيه ولا تتناسى انتشار الفوضى في كل أرجاء منزل المصاب بالاضطراب، ما يجعل بعض الأماكن فيه غير صالحة لإنجاز بعض المهام، كطهي الطعام، أو الاستحمام مثلاً.
إذاً ما رأيك بأحدهم يحتفظ بأكوام من الصحف والمجلات ورسائل بشكل مفرط وغير اعتيادي أو جمع المناديل الورقية الموجودة في المطعم أو الشعر المتساقط أو العملة البالية؟
ألا تشعر أن الأمر بدأ يضطرب وبدا التدخل السريع للحل أمراً مهماً؟
ناهيك طبعاً عن الشعور الدائم بالإحراج أمام الآخرين وانعدام التفاعل الاجتماعي مع أفراد المجتمع.
إذاً ما الأسباب التي قد تشكل هذا الاضطراب؟
إليك ما قد بينته بعض الدراسات النفسية، أنه عادةً ما يقوم الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب بالاحتفاظ وتكديس الأشياء عديمة الفائدة للأسباب التالية:
يعتقد هؤلاء أنهم سيحتاجون إلى استعمال تلك الأشياء في المستقبل، هم يمنحون أشياءهم أهمية عاطفية كبيرة، حيث تُذكرهم تلك المواد بأوقات سعيدة مرّوا بها أو حيوانات أليفة قاموا بتربيتها في الماضي وكانت محببة لهم.
يمكن تمييز مرض اضطراب التكديس عن هواية جمع الطوابع مثلاً أو جمع طراز معين من السيارات، فمحبو الجمع يعمدون إلى البحث عن أصناف محددة من الأشياء والقيام بترتيبها وتصنيفها ومن ثم عرضها بشكل مُنسّق، وعلى الرغم من زيادة حجم الأشياء التي تم تجميعها مسبقاً، فإن ذلك لا يُسبب أي نوع من الفوضى في المكان، ولا يؤدي إلى شعور الشخص بالضيق، الذي يُعتبر أحد أعراض اضطراب الاكتناز.
تشير بهذا عدة دراسات نفسية، إلى أن هذا الاضطراب ينطوي على أكثر من مجرد جمع الأشياء وتكديسها وخلق بيئة ملائمة للفوضى كي تترعرع وتنمو، ناهيك عن الرض النفسي في الجسم وما من الممكن أن تخلقه هذه الكراكيب غير الصالحة لأي شيء إلا في نظر مقتنيها من قلق وتوتر وانسحاب التركيز في أجواء المكان إن كان هناك من يرافق صاحب الاضطراب في السكن.
وكشفت بعض هذه الدراسات عن معلومات عن هذا الاضطراب من بينها أنه يؤثر فيما يقرب من 700 ألف إلى 1.4 مليون شخص في الولايات المتحدة الأميركية، وأن الاكتناز الإجباري غالباً ما يبدأ خلال مرحلة الطفولة أو سنوات المراهقة، ولكنه لا يصبح شديداً إلا حين يصبح المرء راشداً، وأن العديد من المصابين هم من محبي الكمال، يخشون اتخاذ قرار خاطئ حول ما يجب الاحتفاظ به وما يجب التخلص منه، لذا يحتفظون بكل شيء.
هل هناك ما يمكن فعله لتجاوز هذه المشكلة؟
ما يعرضه موقع «everydayhealth» على أنه نصائح سلوكية للتغلب على الاكتناز القهري يعني أنه بالإمكان ذلك، وهو يدعو على سبيل المثال إلى اتخاذ قرار فوري في شأن البريد والصحف، بحيث يتم رميها في اليوم نفسه الذي وصلت فيه، وكذلك الأمر بالنسبة إلى التخلص من الأشياء التي لا يريدها المرء وعدم تأجيل البت في شأنها إلى وقت لاحق.
وينصح بـ«التفكير مرتين حول ما يتم السماح به في المنزل»، من خلال الانتظار لبضعة أيام قبل شراء منتج جديد، لافتاً إلى أنه في حال ابتياعه لا بد من التخلص من القديم إفساحاً في المجال للجديد، وفيما يتعلق بالاحتفاظ بما لم يتم استخدامه خلال سنة، سواء أكان ثياباً قديمة أم أشياء مكسورة أو مشاريع حرفية لن تنتهي أبدًا.
كما يشير «everydayhealth» إلى وجوب التذكر دوماً أنه بالإمكان استبدال أي قطعة بأخرى إذا لزم الأمر، في إشارة واضحة إلى وجوب رميها! ويختم بأنه إذا ما شعر المرء أنه من المستحيل تنفيذ هذه النصائح (وأخرى)، ولا يمكنه التعامل مع المشكلة بنفسه، ما عليه سوى البحث عن مساعدة مختصة من المستشار النفسي.
ليس أخيراً، لكل منا ذكريات وأشياء جميلة جداً يحتفظ بها في طيات الذاكرة قبل المكان لأنها تربطنا مع ما نحب وجوده أو نتمناه، ولكن ليس لهذا السبب مبرر لكي يتحول الموضوع من لا وعي وإدراك إلى حالة من الضياع النفسي وعدم الاتزان وضياع السلام الداخلي.