من دفتر الوطن

أفكار تستحق الانتشار

| حسن م. يوسف

كثيرون يظنون أن (تيد) هو شخص لكنه في الحقيقة اختصار للحروف الثلاثة الأولى من اسم مؤتمر إعلامي «Technology، Entertainment، Design» (التكنولوجيا، الترفيه، التصميم) أطلقه في عام 1990 ريتشارد ساول ورمان. تحت شعار «أفكار تستحق الانتشار». في بداية انطلاقته كان المؤتمر يعقد في أميركا ويركز على التكنولوجيا والتصميم، لكنه حالياً يعقد في مركز فانكوفر للمؤتمرات بكندا وفي مختلف أنحاء العالم. يمنح كل متحدث في مؤتمر (تيد) مدة أقصاها 18 دقيقة لتقديم أفكاره بأكثر الطرق إبداعاً وإثارة للاهتمام، ويتم بث المحاضرات مباشرة على الإنترنت. والحقيقة أنني أتابع محاضرات هذا المؤتمر منذ سنوات، وعندما يكون وقتي ضيقاً، كحاله في معظم الأحيان، أحتفظ بالفيديو على أمل الاطلاع عليه لاحقاً. وقد شعرت بندم شديد، قبل أيام، لتأجيلي الاطلاع على مداخلة قدمها، قبل خمسة أعوام، شاب بريطاني من مواليد عام 1973 يقيم في أميركا ويعمل محاضراً في مجال التحفيز يدعى سيمون أوليفر سينك. وقد بحثت عن سينك هذا وعثرت على عدة كتب له آخرها: «القادة يأكلون أخيراً».
يبدأ سيمون سينك حديثه بقصة نقيب سابق في الجيش الأميركي تعرضت جماعته لكمين في أفغانستان، فطلب الدعم الجوي. وقد سجلت كاميرا مثبتة على خوذة أحد رجال الإسعاف، بشكل عفوي، -وأنا لا أثق بعفوية الأميركيين- حركة ذلك النقيب وهو يقوم بنقل رقيب مصاب بجروح بليغة إلى مروحية لإجلائه من أرض المعركة. وقبل أن يستدير النقيب لإنقاذ المزيد من المصابين ينحني على الرقيب ويقبله. يرى سينك أن تصرف ذلك النقيب «لم يكن عادياً بل كان مهماً، كان قائداً يظهر عناية قصوى بأحد مرؤوسيه، تصل لمستوى الحب».
يضيف سينك: «في الجيش، يقدمون الأوسمة للأشخاص الذين يضحون بأنفسهم حتى يربح الآخرون، أما في الأعمال التجارية فيقدمون المكافآت للأشخاص الذين يضحون بالآخرين لكي يحققوا الربح».
يحلل سينك سلوك ذلك النقيب ويعيده من حيث طبيعته لبداية المجتمع البشري عندما كان الناس يواجهون مخاطر كثيرة، مما جعلهم يتطورون «إلى حيوانات اجتماعية» عاشت معاً وعملت معاً فيما يسميه «دائرة السلامة».
يرى سينك في حديثه الذي شوهد من قبل ستة عشر مليون شخص أن «قبيلة العصر الحديث لا يزال عالمها مليئاً بالمخاطر»، ويشير إلى أنه من طبيعة الناس «عندما يشعرون بالأمان، فإنهم يثقون ويتعاونون وعندما لا يشعرون بالأمان، فإنهم يهدرون الوقت والطاقة للدفاع عن أنفسهم ضد بعضهم البعض».
وفي مثل هذه الأحوال تبرز أهمية القيادة، «لأنه عندما يقرر القادة وضع الناس في اعتبارهم أولاً، تحدث أشياء رائعة». المثال الأقرب، برأي سينك، هو الأبوة والأمومة. فالأهل الجيدون يعملون بلا كلل لإعطاء أطفالهم فرصا لتحقيق طموحاتهم، فإذا كانت عائلتك تواجه وقتاً عصيباً «هل ستفكر في تسريح أحد أطفالك؟».
يرى سينك أن من يقومون بتسريح العمال بلا رحمة «ينتهكون البنية العميقة التي يقوم عليها المجتمع». فهم يضحون بالناس لحماية مصالحهم. ويقف عند تجربة المدير بوب شابمان الذي رفض تسريح بعض العمال عندما واجهت شركته ضائقة مالية واقترح على الجميع أن يأخذوا إجازات بلا راتب في أوقات مختلفة لأنه «من الأفضل لنا جميعاً أن نعاني قليلاً من أن يعاني البعض كثيراً»!
يرى سينك أن: «القيادة خيار، وليست مرتبة وظيفية». وعندما يضحي المسؤولون كي يكون شعبهم آمناً ومحمياً، عندها ستكون الاستجابة الطبيعية أن يكون الشعب مستعداً للتضحية مع مسؤوليه ومن أجلهم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن