وتسأل ما إذا كانت جميلة؟
ويبقى السؤال يدور في فلك إنساني بسيط، فالجمال مرئي، وما يريده الإنسان هو البهاء، والبهاء غير مرئي، يظهر بالاحتجاب، ويسمو بالغياب، ويزهر باللقاء، ويثمر بالتماهي، ويتلاشى التعبير عنه في لحظة الدهشة التي تختصر أمس واليوم، وتضم أبداً لم يطلع عليه المرء.. فهل للسؤال عن جمال شام المدنية والروح من معنى بعد هذا؟ السؤال مشروع لمن لم يدخل كنه الروح وعمق تلافيف الدماغ، ولكن بعد أن يدخل المرء ويصبح من طبقات الصوفية والمتصوفين والأولياء العاشقين، فليس من حقه أن يقف عند تفاصيل يقف عندها الناس العاديون الذين يدركون بالنظر لا بشيء سواه!
الجمال عند الصوفي انبهار لا يدرك تفسيره
عجز في لحظة احتواء عن تفسير ما لا يفسر
حين يفسّر الأمر يفقد قيمته فالتفسير دخول في الجوهر، وأي شيء يمكن الدخول إلى جوهره فإنه يخرج من دائرة الإدهاش، ويصبح ملموساً ومسموماً ومشروباً ووو..
في لحظة التماهي مع قبة النسر
في لحظة التعملق مع مئذنة العروس
في لحظة الانغماس مع جرس حنانيا
في لحظة الدوران مع عمامة الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي
في هذه اللحظات يبحث المرء عن ضياعه، فضياعه وجود وجوهر، وفي الضياع لا تفسير للجوهر.
فمن مجهول إلى مجهول تستمر دائرة العشق الصوفي
وتبقى تنورة الدرويش البيضاء نقية لا تلوث
لو اقترب منها من يملكها
لولا مسها متسول قذر
لو نالها دم نفر من جسد بريء
لو غطاها رماد دمار انهمر
فجأة يفيض دمع عين الصوفي، وبدمعة واحدة يغسل نفسه وجسده وتنورته وعباءة الكون، فيغدو كل شيء جميلاً!
قد لا يراه الآخرون جميلاً
وقد يسألون عن الجمال فيه
أهو جميل؟
من المؤكد أنه ليس جميلاً، ومن المؤكد أنه جميل ولكن ببصر من كانت الرؤية؟
وببصيرة من كان الاغتسال؟
إنهم يا قاسيون العظيم
وتعطر بالشيخ الأكبر لتمسح ما تبقى من دمع شام
وحوّلها إلى الجمال الذي تراه أنت، لا الجمال الذي يراه الآخرون مدّعو الحب كثر، وليتهم كانوا محبين.
في الشام، في حاراتها يحلو دمع السماء مع خيوط المطر، ويحلو البحث عن كنه من جمال ضاع إلا فيها، واختفى إلا عن الصوفي..
وتنداح الأسئلة.. وتضيع الإجابات..