الكاتب يستخدم الكلمات سلاحاً لتغيير العالم، ولأن العالم لا يتغير بالكلمات، ولأن الكاتب مصرّ على استخدام هذه الأداة لا لزحزحة الصخرة وحسب، بل أيضاً لشحن المحاولة بجمال الفشل النبيل.
من هنا كان الكاتب في تصنيف ما، بطلاً تراجيدياً، البطل الذي يموت وفي فمه كلام لم يقله بعد، وفي يده قلم أجبرته الممحاة على حذف المقطع الأخير من النص الكريم.
إن إدوارد سعيد الفلسطيني، وإدوارد سعيد العالمي، اجتمعا في ظلال مقدسية الحق الذي لا تشوبه شائبة، اجتمعا لكي يصححا خطأ التاريخ الابتدائي حيث يقتنع الكثيرون، وراء وأمام صناع القرار الأميركي، بأن المواطن الفلسطيني طارئ على التاريخ، وأن اليهودي بنى بابه الأول قبل ثلاثة آلاف عام، وكان على السياسة والثقافة أن تقنع «إسرائيل» باقتسام فلسطين التي لا تقتنع إلا باقتسام الضفة.
عندما رمى حجراً على الجنود الإسرائيليين وراء السياج الحدودي في جنوب لبنان في حركة رمزية إلى شراكة المثقف الحواري مع المقاومة، قامت الدنيا عليه بوصفه أكاديمياً يدير النقاش حول كل شيء في التاريخ والأدب والموسيقا، وبوصفه جناحاً لحمامة تطير على جانبي الصراع، فهناك جهل بشخصية الرجل، فهو مقدسي ومصري ولبناني وأميركي بالتتابع المكاني، وهو يعرف تلك القضايا الكبرى في عصرنا: القهر، الاستعمار، التخلف، الديمقراطية، السلام، العدالة، يعرفها ويعرفها، ولقد عاش مناضلاً في سبيلها، (ألم ينجب التاريخ الثقافي الفلسطيني عبقرية تضاهي إدوارد سعيد، المتعدد المتفرد، ومن الآن وحتى إشعار آخر بعيد سيكون له الدور الريادي الأول في نقل اسم بلاده الأصلية من المستوى السياسي الدارج إلى الوعي الثقافي العالمي).
هكذا ينظر أحد الشعراء الفلسطينيين البارزين على الضفة الجمالية لوعي فلسطين.
قال نيتشه عن دانتي: (إنه ذهب يكتب أشعاراً بين القبور)، قد يكون هذا حال المثقف والكاتب الإسرائيلي الذي سيكتب بين الدبابات، أو الآن خلف جدار فاصل، فإذا استعرنا لإدوارد سعيد الراحل عن عالمنا، فإنني أتذكر ما قاله شاعر إنكليزي ينطبق عليه (كنت قائداً في معركة، كنت سيفاً في يد، كنت جسراً يقطع سبعة أنهار، وسُحرت على شكل زبد بحر، وكنت نجمة، كنت شجرة، كنت عالماً في كتاب وكنت كتاباً…).