ثقافة وفن

العمل الفني لحظة إنسانية أهديها للآخرين … هالة مهايني لـ«الوطن»: خرجت من الأزمة بالألوان… ومن حبي للحياة انطلقت بالرسم

| سوسن صيداوي - تصوير: أسامة الشهابي

ازدحام الألوان، إشراقها، تنوعها، تمازجها عبر تكوينات لمفردات ملهمة من وإلى الصدق، مع مساحة كبيرة من أمل الحياة والتمسك بها مع ضرورة الاستمرار، عناصر تجتمع في لحظية معبرة لك أنت أيها الإنسان. هي اختارت الفرح والسعادة طريقا مضيئا، في أعمال تنشر الغبطة والسرور عبر ألوان تضج بكل مكنونات الحياة ومضامينها، إنها الفنانة التشكيلية هالة مهايني التي قدمت عبر نحو تسعة وعشرين عملاً زيتياً – بينها القديم- تجربة فريدة وذاتية غير مقلّدة، تُغني الذائقة البصرية بمناظر معمارية تعكس رؤيتها الشفافة للطبيعة التي منها تستلهم كل الصدق، بل أكثر من ذلك، هذا ويمكنكم الاستمتاع بزيارة المعرض الذي تمّ افتتاحه في المركز الوطني للفنون البصرية بدمشق.

الفنانة كنفسها وغير مقلّدة
بداية تحدث رئيس مجلس إدارة المركز الوطني للفنون البصرية غياث الأخرس عن دور المركز باستقطاب الأنشطة وعرض الأعمال للفنانين الذين لم يدخلوا بعد إلى النشاط التشكيلي الاجتماعي، مشيراً إلى أن الإستديو -المرسم- هو أكبر عدو للفنان، لكونه مكاناً منغلقاً، وعلى الفنان أن يتحرك ويخرج ليرى ما يُعرض للفنانين الآخرين، مشدداً على أن اللوحة يجب ألا توضع على الحائط فقط ليحكي معها الفنان كل يوم، بل اللوحة هي كالإنسان، ومتطلبة وتحتاج لكل اهتمام، ومن هنا انطلق بالحديث عن ميزات الفنانة التشكيلية هالة مهايني متابعاً «إنّ أهم ما يميّز هالة أنها منسجمة وحقيقية مع ذاتها، ففي المجتمع التشكيلي، نرى تشابهاً كبيراً في اللوحات، لكن فنانتنا هي نفسها، وعندما نرى اللمسات الصغيرة بفرشاتها بالألوان الزيتية، تُشعرنا بأنها لوحات حقيقية، وتعطينا فرحا. هي غير مقلّدة لأحد، وما تشعر به تنقله إلى اللوحة وهذا يميّزها عن غيرها، إضافة إلى أنها فنانة لا تلعب اللعبة التشكيلية، بمعنى هي لا تشبه إلا نفسها، فهي حساسة ومرهفة جداً ومجتهدة وجادة في عملها ولا تفعل الأشياء، بل ما تشعر به ترسمه، والمرئي بالنسبة لها مخزّن في ذاكرتها ويخرج بوقته، وخلال هذا المعرض خرج بهذه اللوحات، هذا وأكد أن معرضك «هالة» يجلب السعادة».
وحول تضارب مواعيد افتتاحات المعارض التشكيلية التي تقام بالتوقيت نفسه وليس للمرة الأولى، شدد الأخرس على سوء تأثير تخطيط كهذا على الحركة التشكيلية، وعن دور وزارة الثقافة يتابع «يجب معالجة هذا الموضوع، فبالنسبة لنا نحن في المركز نضع ونقدم برامج أعمالنا وأنشطتنا لكل العام وبشكل ثابت، على حين صالات العرض لا يتبعون أسلوبنا هذا في التخطيط، بل من المفروض أن يكونوا على علم ببرنامج المركز الوطني، وألا يقيموا أي معرض باليوم وبالتوقيت نفسه. ولابدّ لي من الإشارة إلى أن فكرة تعدّد الصالات وكثرة إقامتها للمعارض، لا تدلان على صحة الحركة التشكيلية بوفرة الأنشطة، وخصوصاً أن المعروض ليس بالمستوى المطلوب، ومن جهة أخرى وهي النقطة الأهم، المعرض هو خلاصة معاناة الفنان، وهو مشروع ورأي للآخر، وبالتالي وبتضارب المواعيد لا يمكنني أن أطلق عليه إلا تعبير«المنافسة السوقية»، وهي غير واردة في الثقافة والفن، حيث لا يوجد كذب، لذلك إقامة المعارض لمجرد العرض بالكميات والبعيد تماما عن الجودة في الأعمال هي مشكلة كبيرة. ولا أعرف أن كانت وزارة الثقافة موجودة أم لا، وخاصة أنه مطلوب منها إقامة المعارض والأنشطة التشكيلية ولا أعلم كيف تخطط أو تقوم بالتنسيق، لكونها يجب أن تكون ملمّة بكل الأنشطة ويجب أن تكون الحاضن الأكبر، وأختم بأن تضارب المعارض هو أمر مسيء للفنان وللجمهور وأيضاً بحق الصحافة التي لن تستطيع المتابعة».

فرح الألوان المشرق
في بداية حديثنا مع الفنانة التشكيلية هالة مهايني أشارت إلى أن المعرض يضم أعمالاً جديدة-زيتية- وإلى جانبها بعض من القديم «لقد أنجزت كل الأعمال في عام ٢٠١٨، وأنا أعمل على التكوين، من خلال اللون والضوء والمساحات اللونية، وطبعاً لقد استعنت ببعض المفردات، كالطبيعة والأبنية والأشجار والصخور، التي أعدت صياغتها، محولة إياها إلى بقع لونية تتخللها ظلال، ويحركها الخيال بإيقاع منوع وخطوط متداخلة ولمسات وألوان تحمل صفة الصدق الذي تتسم به تكوينات الطبيعة». أما عن رسالتها من هذا المعرض فتوجهها الفنانة إلى الإنسان مشددة على ضرورة المضي والاستمرار بالحياة «أقول للإنسان من خلال معرضي إن هناك أشياء جميلة في الحياة، وعليه دائماً أن يخرج من الحزن والتعب ويمشي قدماً. لقد حاولت أن أخرج من الأزمة في سورية عبر الألوان، ففي النهاية الحزن لن يفيدنا والمطلوب منا المتابعة بكل مجالات حياتنا، ومن خلال الألوان -التي أحبها عموماً- الزاهية والمشرقة أدعو أن نعيش الفرح ونحب الحياة، ومن هذه الأفكار أنا أرسم وأتابع عملي الفني».
وعن عادتها بتأثير واستحواذ العمل عليها تشير الفنانة إلى أن العادة لم تتغير«كما أسلفت معظم اللوحات رسمتها في عام ٢٠١٨، وبالنسبة لي العمل الفني ليس حلما ولا أسطورة ولا حقيقة، إنه لحظة إنسانية معينة يهديها الفنان للآخرين، وبالتالي لا يوجد لدي قاعدة في الرسم، فهناك أعمال تأخذ مني وقتا أكثر من غيرها، ربما لأن في ذهني أفكاراً لا أستطيع تصويرها بلحظتها، لذا أتابع العمل أكثر كي يخرج كل ما في ذهني من صور».
وعن أسلوبها تؤكد الفنانة أنه ليس تجريديا بل هو اختصار وتركيز على أشياء موجودة مع تكثيف للأفكار«إنّ إلغاء التفاصيل في العمل ليس الطريق نحو التجريد، لكنه خطة نحو تكثيف المعنى والتركيز على الجوهر. واختزال العناصر لا يتم إلا بالتوحّد معها لتتم ترجمتها بلمسة على سطح اللوحة».
وختمت حديثها بأن الحركة التشكيلية في سورية تحتاج إلى المتابعة والاستمرارية «في هذا الوقت علينا أن نكون قادرين على الاستمرار، وبرأيي على كل فنان أن يتابع مسيرته، ولا يمكننا أن نقيّم أي فنان إلا بعد أن يصبح لديه سنوات من العمل، وأن تُصقل تجربته بالخبرة، وبأن يكون للفنان بصمته الخاصة، التي تمييزه وتكرّمه من العالم- من دون أن يكون هذا هدفه- لأنه عبر تجربته ومثابرته كل الأمور الجيدة والتكريمات ستأتي إليه لكونه على ثقة عالية بعمله مستمراً به».
الضوء والنور.. ما الفرق؟

من جانبه تحدث د. سعد القاسم عن تجربة الفنانة الفنانة التشكيلية السورية هالة مهايني الغنية بعالم الألوان المبعثر بين جنبات كل من الضوء والنور، قائلاً : «الضوء يأتي من الشمس. والنور يأتي من الإنسان، من الأشياء، من الراحة النفسية التي يكون فيها الإنسان، الضوء هو الذي يلّون الأشياء، لكن النور هو الذي يخترق هذه الأشياء لتبدو بلون آخر أكثر صدقاً وبهاءً. وعلى هذه الرؤية فإن هالة مهايني لا تقوم بتصوير الأشياء والمَشَاهد كما تراها، بل كما تُحس بها، مستعيدة من ذاكرة بصرية خصبة صوراً محفوظة بأمانة شاهدتها وتأملتها منذ كانت طفلة، في مدينتها الساحرة دمشق، لتوثّق على السطح الأبيض، بطريقتها وقبل أن ننسى، ما أدهشها من جمال بات ينسحب لتحلّ محلّه مدينة جديدة تحاصر الضوء، وتحجب النور عن أشجار الليمون والكينا والياسمين، وتستبدل بالضجيج الهدوء الساحر الموشى بأصوات الطيور وهديلها.
ينطلق أسلوب هالة مهايني من الواقع نحو التجريد، فيمنحها إمكانية التخلي عن وفرة من تفاصيل لا حاجة تشكيلية لها، وقدرة على خلق عالم لوني مترف في غناه وجماله، يشغل الضوء حيزاً استثنائياً فيه، ما يمنح المشاهد عبر اللوحة، إحساساً يجمع في الآن ذاته بين الفرح والبهجة والتأمل العميق، وهو حال أُمكن تحققه بفضل رهافة الفنانة في التعامل مع اللون والضوء (والنور)، وخبرتها المتنامية في الحوار مع سطح اللوحة، واستخلاص التأثيرات البصرية التي تريدها منه، وهذه التأثيرات تحديداً هي ما يدعوها إلى اللجوء لأكثر من تقنية، نجد منها في معرضنا هذا الألوان المائية والألوان الزيتية والكولاج. على حين ترى أن العمل الفني ليس حلماً ولا أسطورة ولا حقيقة وإنما هو لحظة إنسانية معينة يهديها الفنان للآخرين».

معرض مُفرح
من جانبه اعتبر الناقد غازي عانا أن المعرض مهم للناس غير المطلعين على المسيرة الفنية للفنانة هالة «أنا متابع للفنانة منذ التسعينيات، والمعرض مفرح جداً ويبث السعادة، كما يضم أعمالا للفنانة رسمتها في سنوات سابقة. والمعرض مهم جدا، ففيه نضج كبير في التجربة، وفيه فهم خاص بالفنانة بالنسبة للتجريد وهذه مسألة مهمة -أنا متعصب للتجريد- والمعرض فيه توزيع للكتلة والفراغ بطريقة جميلة جدا، والمشهد رغم الازدحام الموجود فيه، إلا أنه ملتم على نفسه ومساحات الضوء فيه مريحة، ولا يستطيع أي أحد أن ينجز عملاً تجريدياً بهذه الطريقة، فهذا تجريد مقنع وممتع للمشاهد، ومن جهة أخرى حتى الأشخاص الذين يرسمون واقعياً يجدون في اللوحات واقعية، لأن الفنانة مستندة إلى الواقع في كلّ الأحوال من خلال المفردات التي لها علاقة بالبيوت والجبال والطبيعة، وكله بطريقة الفنانة. أنا فرح ومستمتع جداً بمعرض الفنانة هالة مهايني».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن