ثقافة وفن

الخانات في بلاد الشام … أقدم خان على الطرق التجارية كان قصر الحير الغربي إذا ذكرت الخانات قيل خانات حلب.. فيما الحمامات لدمشق

| سارة سلامة

صدر عن وزارة الثقافة- الهيئة العامة للكتاب دراسة بعنوان «الخانات في بلاد الشام» لكاتبه اللواء محمود محمد علقم، وظهر الكثير من الدراسات التي تتناول أسماء الخانات وتاريخ إنشائها وشكل العمارة ومخططاتها ومادة البناء والنقوش الموجودة فيها، وثمة كثير من الخانات المنسية التي لم يأت أحد على ذكرها ولم تدرس حتى الآن، وقد يكون السبب في ذلك بعدها عن المدن ولاسيما في الطرق الصحراوية والريفية، ولعل هذه الدراسة التي قام بها الباحث اللواء محمود محمد علقم تعويض شيء مما هو مطلوب في هذا الشأن، وتكون دافعاً نحو إنجاز دراسات معمارية أثرية جديدة تشمل جميع خانات الطرق في بلاد الشام.
وبحسب الدكتور محمود حمود رئيس موسوعة الآثار في سورية أن هذا الكتاب جاء ثمرة جهد كبير قام به الباحث، بهدف الإضاءة على جانب مهم من أوابدنا الأثرية، وهي الخانات، فقام بتعريفها وتناول وظائفها، وأنواعها، وأصنافها، وإدارتها، مستحضراً أسماء الكثير منها بما في ذلك تلك التي اندثرت.

مبان محصنة

ويقول علقم في تقديمه للكتاب إن «العمليات التجارية بين الشرق والغرب والشمال والجنوب أقدم من العصر الإسلامي إذ تعود إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد وعصري البرونز والحديد، وما بعده من عصور، مروراً بالعصر اليوناني والعصر الروماني والعصر البيزنطي، فإنه في تلك العصور لم تذكر مثل هذه التسمية للمحطات التي كانت تتوقف بها القوافل التجارية التي كانت تعبر آسيا وأوروبا وبلاد الشام، ولعل أقدم خان على الطرق التجارية كان قصر الحير الغربي في وسط سورية بالقرب من مدينة تدمر، وهو يعود إلى العصر الأموي، ويعتقد أن ما يسمى الخانات إن كان في العصور القديمة أو في العصر الإسلامي لم تكن الغاية منها إقامة المسافرين فقط، بل كان لها أهداف أخرى، لأنها كانت مباني محصنة، وعلى كل حال لم تذكر المصادر آثاراً لهذه المباني قبل القرن التاسع.
إضافة إلى ذلك لا بد من تحديد المكان الذي بنيت فيه هذه الخانات، ونقصد الدول التي بنيت فيها هذه الخانات، ورغم اتساع الطرق التجارية والمدن التي كانت تعتمد العمل التجاري، كان بناء مثل هذه الأبنية في بلاد الشام (سورية، لبنان، فلسطين، الأردن) والعراق، وإيران، وتركيا، ومصر.
خانات مدينة دمشق

اعتمد الكاتب في ترتيب الخانات بدمشق حسب قدمها عبر العصور، بدءاً بالعصر الأموي وانتهاء بالعصر الحديث. حيث بُني في العصر الأموي عدد من الخانات:
دار الضيافة: أموية العصر، ويعود تاريخ بنائها لعام 123هـ/ 720م، وذكر هذه الدار لطفي فؤاد لطفي، وعدها أقدم خان في دمشق، وأنها بنيت سنة 123ه/ 720م.
خان هشام بن عبد الملك: بنى هذا الخان الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك عام 109ه/ 728م، على مقربة من قصر الحير الغربي بالقرب من مدينة تدمر في أواسط سورية، وقد نقش على ساكف بوابته كتابة تذكر اسم المعماري ثابت بن أبي ثابت والتاريخ 109ه، وقد حفظت في المتحف الوطني بدمشق.
وذكر هذا الخان لطفي فؤاد لطفي وابنه بناه الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك سنة 109هـ/ 728م، على مقربة من قصر الحير الغربي.
وشهد العصر المملوكي حركة تجارية واسعة، وازدهاراً تجارياً كبيراً، وقد أدى ذلك إلى وجود حركة بناء واسعة، وخاصة المباني التجارية من خانات وقيساريات. وتذكر المصادر أنه في المدة التي بها أول بناء مملوكي بناه النائب بيبرس الوزيري عام1260م في ضاحية العقيبة شمال دمشق القديمة – والعقيبة حالياً جزء من ساروجا- وآخر بناء مملوكي بناه نائب الشام الأمير سيباي في حارة الفلون خارج باب الجابية غرب دمشق، أنشأ المماليك مئة وتسعة وأربعين خاناً وقيسارية في مدينة دمشق، مقابل أربعة وعشرين مبنى أثناء العصر الأيوبي، وأربعة وثمانين خاناً أيام العصر العثماني، وكذلك بنيت خانات وقيساريات في حلب وحماة وحمص.
وإن جميع خانات العصر المملوكي آلت إلى الزوال عدا خانات ثلاثة لا تزال إلى اليوم في دمشق، وهي خان جقمق وخان الدكة وخان الشاغور.

خانات محافظة حلب
تعد الخانات والقيساريات من المعالم الأثرية في مدينة حلب، وقد شيدت الخانات فيها لأغراض التجارة والصناعة والإقامة، وتحتضن حلب الشهباء الكثير من المراكز الأثرية والسياحية المهمة، وتميزت في هذا المجال بالخانات الكثيرة ذات الهندسة الرائعة، وقد لعبت دوراً مهماً في حياة مدينة حلب الاقتصادية والسياسية، فقد ساهمت وبفعالية في ازدهار التجارة وتطوير علاقاتها مع مختلف الدول، وقديماً كانوا يضربون المثل بأربعة أشياء: إذا ذكرت الخانات قالوا: خانات حلب.
وإذا ذكرت المآذن والمساجد قالوا: مآذن ومساجد إستانبول.
وإذا ذكرت الحمامات قالوا: حمامات دمشق.
وإذا ذكرت المقاهي قالوا: مقاهي بغداد.
وتأتي حلب بأسواقها وخاناتها في طليعة بلاد الشام من حيث جمالها واتساعها واحتفاظها بطابعها الأصلي، وهي تمتاز بسقوفها الأسطوانية، وعقودها المقببة الضخمة، والخانات تقع في منطقة الأسواق التجارية باعتبارها كانت مخصصة لإقامة المسافرين والتجار وإيداع بضائعهم، وقد ازدهرت هذه الخانات تبعاً لازدهار العلاقات التجارية، وخاصة في العصرين المملوكي والعثماني، وتشتهر هذه الخانات بواجهاتها المزخرفة والمزينة، وبمداخلها ذات الأقواس العالية، وأبوابها الخشبية الكبيرة المصفحة بالحديد والنحاس التي كانت تغلق عند هبوط الليل حفاظاً على أمن التجار والمسافرين، وأمن ما يحملونه معهم من بضائع.
وفي استعراض خانات وقيساريات مدينة حلب ومناطقها نتوقف عند خان الوزير:
هو خان عثماني يقع في الجهة الشمالية الشرقية من مدينة حلب في سويقة 1093هـ/ 1683م، لتحط به القوافل التجارية، وسمي خان الوزير لأن مصطفى باشا أصبح كبير الوزراء في السلطنة العثمانية، بني خارج السوق المركزية، وخصص للتجار والقوافل التجارية القادمة من إيران.
خان طابقان: الأرضي تتوسطه باحة واسعة، وفيه جامع، وعدد من الغرف تتوزع على الجهات الأربع للخان، وفيه غرف ملحقة كالإصطبل والعنابر والحمام والفرن والمطبخ، أما الطابق العلوي فهو مخصص لمبيت التجار المسافرين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن