رغم ضحالة المعلومات حيال ما تم خلال «قمة شوتشي» لرؤساء دول ضامني أستانا الأخير، إلا أن ما تحدث به الرؤساء الثلاثة خلال مؤتمر صحفي تلا القمة يشي باختلاف وجهات نظر روسيا وإيران من جهة وتركيا من جهة أخرى، إزاء إنهاء وجود التنظيمات الإرهابية في إدلب ومحيطها.
الاختلاف بدا أكثر من واضح، فالرئيسان فلاديمير بوتين وحسن روحاني تحدثا بعبارات لا لبس فيها، عن «ضرورة إنهاء الوجود الإرهابي في سورية» و«تسليم كل الأراضي السورية للسلطات الشرعية»، على حين جدد رجب طيب أردوغان رفضه شنّ عمل عسكري في إدلب.
لغة بوتين، كانت أكثر قوة، عندما شدد على أنه «لا يمكن التصالح مع الإرهاب، ولا يمكن السماح بأن يبقى الإرهابيون من دون عقاب»، وتذكيره أردوغان، بـ«اتفاق إدلب» مع تركيا المبرم في أيلول العام الماضي، في تلميح دبلوماسي له بمماطلة أنقرة كضامن للإرهابيين بإقامة المنطقة «المنزوعة السلاح» في مناطق سيطرة هؤلاء الإرهابيين، كما نص الاتفاق الموقع في أيلول العام الماضي، وانقضاء الفترة المحددة لذلك.
في المقابل، جاء رد أردوغان كما هو معهود عنه باتباع سياسة «اللف والدوران»، بالزعم أن الأطراف الثلاثة اتفقت على «المحافظة على الوضع (في إدلب)، والعمل على تنفيذ اتفاق المنطقة المنزوعة السلاح»، والادعاء أن نظامه «بذل كثيراً من الجهود، وسيواصل العمل لتنفيذ بيان إدلب»، وتجديده التأكيد على «أهمية المحافظة على نظام وقف النار» في منطقة يقيم فيها صنيعته تنظيم «جبهة النصرة» المدرج على اللائحة الدولية للتنظيمات الإرهابية، «إمارة إخونجية».
الشيء الوحيد الذي يمكن فهمه من كلام أردوغان، حول «المحافظة على الوضع» في إدلب، هو إصراره على الإبقاء على «الإمارة» في إدلب ومحيطها، وما كانت التطورات الأخيرة التي حصلت في المنطقة من قيام «النصرة» بإنهاء وجود ميليشيات مسلحة محسوبة على أردوغان لتحصل لولا ضوء أخضر من أردوغان للتنظيم بذلك، في إطار مسعى منه لجعل هذه «الإمارة» بمثابة «أمر واقع».
الضبابية التي أحاطت بمضمون ما تمخض عن «قمة شوتشي»، تلاشت نوعاً ما في الأيام القليلة التي تلتها، مع تدحرج التصريحات الروسية بالتدريج، بدءاً من تأكيد وزير الخارجية سيرغي لافروف في مؤتمر ميونخ للأمن، أن الرئيس بوتين «أعلن أنهم لن يستطيعوا التحمل إلى الأبد هذا الكم الهائل من الإرهابيين في إدلب»، ومن ثم إعلانه الاتفاق على تنفيذ سياسة «الخطوة خطوة» لتقويض نفوذ «النصرة» تدريجياً، ووصولاً إلى تحذير الكرملين من «التعويل على عقد صفقات مع الإرهابيين»، في إشارة موجّهة إلى الجانب التركي، وتأكيده «حتمية القيام بعمل عسكري».
تصريحات الجانب الروسي بعد «قمة سوتشي»، تؤكد أن أردوغان وفي إطار سياسية «المراوغة والتسويف» طلب مهلة إضافية لتنفيذ التزاماته بموجب «اتفاق إدلب» وإنهاء الوجود الإرهابي في المحافظة ومحيطها، في حين توحي تصريحات لافروف، بـ«مسايرة» موسكو وطهران لأردوغان ولكن ليس إلى ما لا نهاية.
المتتبع لمسار تطورات الأحداث في سورية منذ اندلاعها قبل نحو ثماني سنوات، يلحظ بأن دمشق وحليفيها روسيا وإيران، اتبعوا سياسة النفس الطويل، إزاء إنهاء الوجود الإرهابي في العديد من مناطق البلاد إلى أن تم ذلك، بدءاً من العاصمة ومحيطها وريفها، ومن ثم في شمال ووسط البلاد وصولاً إلى جنوبها، والدور سيأتي حتماً على إدلب ولن تترك لأردوغان و«إخونجيته»، وإن امتدت سياسة النفس الطويل نوعا ما، فلكل صبر حدود.