قضايا وآراء

سورية.. منظومة مختلفة

| مازن بلال

يطرح بقاء 400 جندي أميركي في سورية سؤالاً أساسياً حول مستقبل الحل السياسي في سورية، فهذا الحضور استقطاب لمشاريع التغيير العميق في بنية سورية، وسواء كان الهدف المعلن منطقة آمنة في الشمال السوري أم منع داعش من الوجود في الجنوب السوري، إلا أنه في النهاية يوضح أن واشنطن تفتح احتمالات واسعة، وتضع التوافق الدولي بشأن الأزمة السورية على حدود خطرة؛ بشكل يبقي سورية ضمن إطار الأزمة.
المشهد في شرقي المتوسط أصبح أكثر قتامة منذ اندلاع الحرب في سورية، حيث غدت دول المنطقة أسيرة لإيقاع الأزمات المتلاحقة سواء في العراق أم في سورية ولبنان، وهذه الجغرافية الواسعة لا تستثني «إسرائيل» التي تعيش أزمة من نوع آخر على المستوى الإستراتيجي، فهي تفقد ما أطلق علية سابقاً «الشريك» في عملية السلام، ويظهر شركاء جدد لا علاقة لهم بالمحيط الجغرافي لها، فهم خليجيون لا يستطيعون تقديم ضمانات فاعلة في عملية السلام المتعثرة منذ لحظة انطلاقتها.
عملياً فإن منظومة ما يسمى «الشرق الأوسط» المرسومة منذ اتفاقيات سان ريمو 1920 لم تنهر فقط، بل تركت فراغاً في العلاقات الإقليمية التي فقدت جدواها إن لم تمر عبر العواصم الدولية، وتواجه دول المنطقة أيضاً تهديداً حقيقياً في وجودها نتيجة عدم القدرة على إنتاج منظومة جديدة تساعدها على الاستقرار، ويمكن هنا ملاحظة أمرين أساسيين:
الأول: إن الحل السياسي في سورية، وحتى في العراق أو لبنان، تم استنزافه عبر تشتيت القوى السياسية، ومن خلال تغيير البيئة بين البنية السياسية والمجتمعات، فتحولت معظم القوى إلى تشكيلات مغلقة غير قادرة على التحرك، والمعارضة السورية تشكل نموذجاً لهذه الحالة.
كرست جميع الدول التي تورطت في الأزمة السورية عملية استنزاف الحل السياسي، حيث أوجدت أجهزة سياسية، إن صح التعبير، منفصلة كلياً عن حركة المجتمع السابقة أو الحالية، وأصبحت هذه «الأجهزة» معنية بالتحالفات الإقليمية أو الدولية، على حين تقوم المنظمات الدولية، الحكومية أو غير الحكومية، بملء فراغ العلاقة بين المجتمعات والسياسة، وهو ما جعل المؤتمرات والمنتديات تنشط للتعامل مع هذا الموضوع.
الثاني: أصبحت أي منظومة جديدة «للشرق الأوسط» معلقة على حالة «شبه سياسية» تمثل ضياع العلاقة مع المجتمع، ورغم أن دول «الشرق الأوسط» ولدت سابقاً ضمن وضع مشابه، لكنه كان على المستوى الداخلي مختلف، لأنه شكل مرحلة وعي الذات للدول التي خضعت لسيطرة عثمانية طويلة، على حين اليوم تفقد تمايزها الخاص نتيجة انهيار العلاقة بين المجتمع والسياسة.
ربما لم يعد من المفيد تتبع المسارات الدولية في عملية إنتاج الحل السياسي، أو قراءة الحركة الدبلوماسية في إقرار اللجنة الدستورية، فعمليات إنتاج الحلول للأزمة السورية هي وظيفة لعدم التصادم الدولي فقط، وتترك للسوريين في الداخل وظيفة مختلفة تتعلق بالبحث عن علاقة مختلفة أو ربما «منظومة» لإعادة الاستقرار والنمو.
استبعاد الصراعات الدولية والإقليمية حول سورية أمر مستحيل، وخلق توافقاً دولياً هو خداع لأن الأزمة السورية أصبحت «سائلة» ويصعب تحديد مفاصلها الأساسية، وهذا الأمر يتطلب مهمة مختلفة على امتداد الجغرافيا السورية مرتبطة بجهد مجتمعي، وبترتيب البيئة السياسية الاجتماعية بشكل مختلف عما أنتجته الأزمة، فالمسألة لم تعد مرتبطة بحل سياسي عابر للعواصم الدولية، إنما بتكوينات سورية قادرة على استيعاب العقوبات الاقتصادية والسياسية عبر علاقة مختلفة بين الممكنات المتوافرة اجتماعياً لأنها أغنى مما نتوقع.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن