أفلامه لوحات فنية تنطلق جمالاً متنوعاً … عبد اللطيف عبد الحميد لـ«الوطن»: أرى العالم من منظوري وحاولت أن أحافظ على نقائي وسلوكي مع البشر
| ثناء خضر السالم
يعتني بالتفاصيل والرمزيّة. أفلامه لوحات فنّيّة تنطق جمالاً متنوّعاً، تبهرك الصورة والأغنية المنتقاة بالدقّة المناسبة للحالة، إنه كاتب قبل أن يكون وراء الكاميرا. تغمرني حالة من السعادة وأنا أتابع أفلامه، أحسّ بالجمال يتدفّق من الكلمات الموسيقا الصورة، إنه المخرج عبد اللطيف عبد الحميد.
عبد الحميد الذي مازال يحافظ على قافه الجميلة ولكنته الساحلية الرائعة لأنه كما قال لي: (أنا نشأتُ وترعرعتُ على شيء فلم أطلع من جلدي، متربٍّ وبقيت أنا مثلما أنا).
إنّه يجيد انتقاء الأغاني المناسبة للمشهد لأنه كما ذكر موسيقيٌّ قبل أن يكون مخرجاً وله علاقة بالأغنية.
سألته إن كان حضور المبدع فايز قزق في أفلامه لأنه ابن اللّاذقيّة فأجاب: (لا أبداً، أشتغل معه لأنه مناسب للمكان، الممثّل انتقائي مدى صحّة وجوده في الدّور هو أن يكون مناسباً).
سألته عن زوجته السيّدة لاريسّا عبد الحميد وهي مصمّمة الأزياء دائماً في أفلامه رغم أنها ليست عربيّة تتقن عملها. فأجاب (زوجتي تعيش في سورية منذ الثمانينات وهي مجتهدة، لا تُصمّم إلا بعد دراسة، كانت تجول القرى والمدارس حتى تأخذ فكرة عامة عن لبس المدارس وأبناء المنطقة قبل أن نصوّر الفيلم).
سألته: هل مازالت الزوجة هي الحبيبة فأجاب: ( الحياة فيها تفاصيل، لابدّ إستراتيجياً وعميقاً من الوقوف عندها. هو الحبّ والعرفان والإخلاص أشياء نحترمها).
أمّا عن اللقطات الحميمة التي تُقدَّم بصدق وعفوية بعيداً عن الابتذال، فيقبلها العقل كما تقبلها العين يقول: (أنا أرى العالم من منظوري وإحساسي، حاولتُ أن أحافظ على نقائي وسلوكي مع البشر).
وهذه وقفه مع عبد الحميد وحديث عن بعض أفلامه:
ما يطلبه المتسمعون
سأبدأ بالفيلم الأقرب إلى قلبي ما يطلبه المستمعون، هو قصّة النّاس البسطاء الذين يجتمعون عند أبي جمال أسبوعيّاً ليتابعوا برنامج ما يطلبه المستمعون فبعضهم طلب أغنية وأهداها لحبيب أو حبيبة وهو في شوق للاستماع إليها وبث حبّه عبر الأغنية. أبو جمال يقدّم لهم الشاي رغم كثرتهم.
عزيزة التي تأتي لتستمع إلى البرنامج تناولُ جمال حبيبها رسالة تقول له فيها «إذا كنت فرحان نطّ» ويبدأ جمال بالنّط. ولمّا تأتي أغنية قدّك الميّاس يرقص معظم الحاضرين يؤشّر جمال إلى عزيزة لتشاركهم الرّقص تأبى ولكنّها ترقص وهي جالسة، ويعود جمال لينط تعبيراً عن فرحه. يوثّق الكاتب الحدث السياسي بذكاء من خلال قطع برنامج ما يطلبه المستمعون لإذاعة الخبر: الطائرات الصهيونية جنوبي دمشق تصدّت لها قوّاتنا وأسقطت واحدة مع طاقمها ولاذ الباقي بالفرار.
وظيفة ترفض الزواج من صالح إذا لم تطلع أغنية سميرة توفيق (حاسس بقلبي دقّة) فتأتي اللحظة التي انتظرها صالح طويلاً. بعد عرض الأغنية، ولقاء الحبيبين ستضحك عميقاً، وستضحك أيضاً لمّا يتأثّر سليم المجنون عند سماعه أغنية لأم كلثوم فيبدأ بضرب الديناميت، وستضحك أيضاً لمّا يقع سليم في الديسة. جرعات من الفرح والألم يقدّمها هذا الفيلم.
أمّا عن شخصيّة أبي جمال فهي شخصية محورية رمز الطيبة والشهامة والنّقاء والكرم، يرفض سليم المجنون العودة مع أهله لأنه يعامله أفضل من أهله. ويلجأ إليه صالح الذي طُرِد من عمله عند السيّد- والذي قد يكون الإقطاعي- فيشغّله رغم فقره وتلحقه وظيفة التي كانت تعمل عند السيّد نفسه وقد تعرّضت للتحرّش، فتأتي باكية، فيعمل أبو جمال غرفة من مشمّع لصالح ووظيفة ويزوّجهما.
يحضر الحبّ في أقوى تجلّياته في علاقة الحب التي تجمع بين عزيزة وجمال، عزيزة كانت تربط خصلة من شعرها بحبل يصل إلى أرض بعيدة لمّا يشدّ جمال الحبل تفكّ الحبل وتذهب لملاقاته وقد خذلها الهواء مرّة لمّا اشتدّ فظنّت أن جمالاً بانتظارها.
في أثناء الخدمة العسكريّة يهيّج شوقُ جمال إلى عزيزة أغنية لأم كلثوم فيطلب من الضابط إجازة لأنه سيموت من الشوق يعطيه إجازة 17ساعة ثمان منها في الذهاب وثمان في الإياب وساعة للقاء عزيزة فلا يتمكّن من رؤية أهله. ما زال صوته بعد لقائه عزيزة يملأ أذنيّ: يامو يابو اخطبولي عزيزة بحبّا.
وتأتي أغنية فيروز جايبلي سلام لتكلّل المشهد الجنائزي، فيتزامن عرضها مع لحظة استشهاد جمال ويكون الإهداء: من الأميرة العاشقة إلى حبيبها العتيق. أجمل مشهد تصويري هو المشهد المأخوذ للقرية من البرميل وهو يتدحرج.
رسائل شفهية
محور الحدث سلمى، غسّان، إسماعيل. إسماعيل يحبّ سلمى ويبعث لها الرسائل الشفهية مع غسان، وسلمى تحبّ غسّان وتستغلّ مجيئه لتعبّر عن حبّها، ولمّا تعرف أم غسّان بالموضوع تغادر العائلة القرية إلى الجبهة، فالولد يجب أن يدرس. برحيل غسّان تجد سلمى نفسها أمام خيار الزواج من إسماعيل. يظهر لنا الكاتب العدو الصهيوني من خلال لقطة يسأل بها إسماعيل أبا غسان عن اليهود فيُشير بيده وتُشير الكاميرا.
يخوض الكاتب في التفاصيل النفسية للشخصيّة فغسّان الذي يتعرّض للضرب يتبوّل في فراشه، لكنّه بعد أن يُحبّ سلمى تنتهي المشكلة، فالقصة هي حاجة إلى العاطفة والتعامل الحسن.
واللقطة الأروع التي ينتهي بها الفيلم لمّا يعود غسّان إلى القرية بعد زمن وقد صار ضابطاً في الجيش تكون سلمى قد صارت أمّاً لثلاثة أولاد. يذهب إلى الحقل فيراها ينزع القبّعة عن رأسه ويطيل النّظر بها وتنزع المنديل عن رأسها وتميل برأسها يميناً وشمالاً فيتحرّك شعرها، ثمّ تستدرك الأمر فتربط المنديل وتُكمل عملها في الحصاد.
توقّعتُ أن يقول لها غسّان: بترجّاك سامحيني، لكنّه قال: بترجّاك سامحيه لإسماعيل، وينتهي هنا الفيلم. وبرأيي المقصود سامحي إسماعيل فهو من جعلني مرسالاً لحبّه، وهو من يتحمّل مسؤوليّة مشاعرنا التي أوقفها الزمن.
ليالي ابن آوي
ينجح هذا الفيلم في تصوير حالة النكبة نكبة الإنسان العربي عام 1967م، نكبة المزارع الذي زرع البندورة فكان الموسمُ وفيراً لكنّه لمّا يسمع في الراديو عن انخفاض سعرها يقوم بتعفيسها في مشهد مؤلم جدّاً.
يصوّر الفيلم نفسيّة العسكري الذي قُسِي عليه فقسى، فأسعد فضة (الأب) لا يرضى بالخطأ، فلمّا يجد ابنه في أحضان امرأة متزوّجة يطمره بالتراب ويحلق شعر رأسه ثمّ يدهن الرّأس بالمربّى. ويعامل أخوه الأكبر بالقسوة نفسها إذ يمردغه بالبندورة لأنه عصا أوامره.
يبدأ الفيلم بمشهد صفير نجاح العبدالله -زوجة أسعد فضة- للذئاب التي تعوي لتكُفّ عن العواء. يشتري أسعد فضّة صفارات بلاستيك لا تنجح في طرد الذئاب.
الذكوريّة: دائماً أسعد فضة يركب الحمار في الطريق إلى الحقل فلا يعطي فرصة لابنه الصغير أو زوجته ليرتاحا. ويضرب أسعد فضّة زوجته المريضة لتصفّر للذئاب التي تتكهرب من صوتها، ثمّ يعتذر منها في الأرض، يضرب رجله من دون أن ينتبه فيبدأ بالمسبّة عليها: كلّه منّك.
الكوميديا: ابنه الذي ذهب إلى المدينة للدّراسة راكم الدين عليه بسبب شرائه عدداً كبيراً من السراويل التحتية، لأنه لا يقوم بغسلها. لابد أن تضحك وأنت ترى نجاح العبد اللـه تنشر من الدّواخل ما يكفي لشباب الضيعة قاطبةً.
التفّاحة: تتمكّن التفاحة من إغواء ابنة أسعد فضة فتخرج لملاقاة حبيبها، فيحصل ما يحصل والتفّاح يتساقط بفعل الحركة.
سخرية الألم: محسن غازي يطلب من أمّه ألا تزعل فأخته ليست لأوّل فتاة تهرب مع من تحب، فيقوم ويغني ويرقص. فهل هذا تقبّل للواقع أم محاولة للتّخفيف عن الأمّ؟.
وفي المشهد الأخير تموت نجاح العبد اللـه قهراً بعد فضيحة ابنتها. الذئاب تعوي، أسعد فضة يخرج في المطر، يحاول أن يصفّر من دون نتيجة، إنها الخيبة.
خارج التغطية
قصة زوجة زهير التي بقي زوجها سجيناً عشر سنوات، والتي كان خلالها صديقه عامر أبو زهير قد تكفّل بالاهتمام بالعائلة وتلبية متطلّباتها ريثما يخرج زهير. والكارثة التي تحصل هي اعتياد عامر وزوجة زهير على بعضهما ونشوء حب وعلاقة بينهما. عامر الذي كان توّاقاً لخروج صديقه من السجن لم يعد يرغب في خروجه، وزوجة عامر التي تدرّس ابن أحد المتنفّذين تتمكّن من إخراجه أملاً في الحفاظ على بيتها. يخرج زهير ويعود إلى زوجته وابنته ويخسر عامر عائلته بعد أن طفح الكيل مع زوجته ليصبح خارج التغطية.
يشعر عامر بالألم لمّا يضع رأسه على رجلي ندى زوجة زهير ويقول:أنا عم موت أنا عم تطلع روحي أنا عم خون.
تفاصيل جميلة:يأخذ عامر ابنة صديقه كل يوم إلى المدرسة ويعود بها وقد حملها على ظهره حتى يصلا إلى الطابق المطلوب.
مشهد مضحك: عامر يعمل على سيارة رفيقه المسافر. عامر: لوين مشوارك.
الزبون: أنتو شوفيريّة التكاسي شو حشريّة.
عامر: سوق محلّي لمطرح مانك رايح. وفعلاً هذا ما يحصل وعندما ينزل الزبون الذي يؤدّي دوره الفنّان القدير عمرحجّو يدفع الأجرة وينصرف.
مشهد سحري: عندما ترقص ندى في الصحراء على وقع أغنية إلهام المدفعي(شرّبتك المي) وهي مناسبة تماماً لحالة الخيانة. ثم ترمي فردتي حذائها وكأنّها تريد أن تتخلّص من كلّ ما يعوقها، وبعد هذه الرّقصة تعود مع زهير إلى البيت ليحصل ما حصل.
سألت الأستاذ إن كان يبرّر للبطلين ما حصل بينهما فقال: ليست القصّة أبرّر فالنّاس خطّاءة فقد أصابهما الندم والمراجعة، فعشر سنوات تعمل في الإدمان.
عامر مدرّس اللغة العربية الذي يرفض الوظيفة بأجر محدود ويعمل صانعاً في محل حلويات وعلى سيارة رفيقه المسافر ويعطي الدروس الخصوصية، يسأل تلميذه الصيني شانتاني عن الفرق بين الإدمان والحب ويجيب: فالإدمان على الكحول يمكن التخلّص منه ولو بصعوبة،
أمّا الإدمان على الشخص فهذا يعود إلى القلب.
ويأتي مشهد الأوراق المتناثرة ليشير إلى عجز عامر عن خيانة زهير وكتابة تقرير به لإبقائه داخل السجن.
العاشق
في فيلم العاشق يبدأ الفيلم بمشهد الكرز وينتهي به، والكرز هو حبّ واشتهاء. قصة العاشق هي قصة المخرج، وهو ليس مراد (مئة بالمئة) يقول: (إنّها لحظاتٌ تشبهني وليست نسخاً واقعياً للحياة، ولابدّ من استعادة تفاصيله وهو ليس سيرة ذاتية). مراد الصغير الذي عاش في قرية جميلة بعيدة كان يتعرّض هو وزملاؤه في المدرسة للتعنيف، وكان والده يقسو عليه أيضاً، أصرّ على التعلّم فأرسله أبوه إلى عند أخيه ليدرس في مدينة اللاذقية، هذا الأمر أزعج أخوه لأن هذا يمنعه من التقاء الفتيات في الغرفة التي يستأجرها أبوهما، فيقسو على مراد كثيراً، وهذا ما يترك أثراً في نفسه وتأتي قصة حبّه لابنة الجيران في اللاذقية لتكلّل الألم إذ يقوم أبوها بتزويجها ويدعوه للعزف على عوده في عرسها هذا ما يجعل الألم مضاعفاً.
توثيق الحدث التاريخي: جمال العلي يسكر ويطلع على السطح ويصرخ، أنه الناجي من صبرا وشاتيلا سكره يذكّره بالموتى.
يمثّل أبو نزار -والد مراد- البعثي النظيف يجمع الناس ليبثّهم أفكار الحزب ويطعم النّاس ويضيّفهم على حسابه ولمّا يمرض يذوبون كالملح ويختفون.
ويمثّل مدير المدرسة البعثي الوصولي المتسلّق، يفعل كل شيء ليصل إلى هدفه وبالفعل يترك المدرسة ليأخذ وظيفة مهمّة في دمشق. ولمّا يصبح مراد مخرجاً يتحدّث على التلفاز عن قسوة مديره في المدرسة، والمفاجأة أنه يتعرّض للمساءلة من مديره الذي صار شخصية مرموقة فينسب هذا المدير الفضل لقسوته في تشكيل مراد، وهنا يأتي ردّ مراد أنه كان سيترك المدرسة لولا مجيء مدير أحسن التعامل معه ومع زملائه.
مراد المخرج الذي أحبّ ابنة الجيران التي بادرته وأخبرته عن مشاعرها يجد نفسه في ورطة، فقد ترك حبيبته في بيته بسبب مرض والده وعاد ليجدها بانتظاره في البيت. فلأنّها تأخّرت تعرّضت للضرب من قبل أبيها فوصلت إلى درجة لم تعد قادرة على التحمّل ففرّت من البيت إليه وجلست تنتظره، ولمّا عاد كان خياره الوحيد أن يتزوّجها من دون علم أهلها، ويمضي بها إلى قريته.
مشهد تصويري رائع: مشهد العروسين وهما ينامان في سرير على سطح مُطلّ على طبيعة ساحرة.
واقعية سحرية: صوت أبي نزار الذي يردّد الشعار اليومي من بيته أو من الأرض صباحاً أمة عربية واحدة… فيرد وراءه الطلّاب ذات رسالة خالدة، هذا الصوت يملأ القرية. وفي نهاية الفيلم يخفت هذا الصوت أو يكاد يختفي إن لم نقل أن هذا الصوت ينازع. فهل ماتت الأمة العربية الواحدة؟ يبدو لي كذلك. ويعلو الصوت المنادي واحد واحد واحد الشعب السوري واحد. وتبقى سورية وهي الأهم. وبسبب جرأة المخرج لم يُعرض الفيلم في مصر وغيرها. فشكراً لشفافيّته فما من شيء أغلى من الوطن سورية.
أيام الضجر
هذا الفيلم مزيج الفرح البسيط والألم العميق، قصة الإنسان الذي يعيش ويقنع بواقعه فيفرح بحياته، لكن هذا الفرح لا يدوم. سألْت الأستاذ عبد اللطيف لماذا اسمه أيام الضجر فقال لي أنها حالة الضجر التي أصابت الأولاد بعد عودتهم إلى القرية.
أيام الضجر تتحدّث عن فترة الوحدة بين سورية ومصر يعيش مساعد أول وزوجته بهيجة في بيت عسكري قريب من ثكنة عسكرية، يعيشون بسعادة وهناء، تكون لعبة أطفالهم المحبّبة الدبّابة المعطوبة بالقرب من المنزل، كما يستمتعون بمساعدة العساكر في حفر خندق تحسّباً من غارة جويّة. هؤلاء الأطفال تختلف لكنتهم عن لكنة والديهم لأنهم عاشوا في بيئة أخرى واكتسبوا لغة أهل المنطقة.
يردّد الأطفال الأغاني الوطنية اللـه أكبر فوق كيد المعتدي كما يردّدون في أثناء لعبهم تسقط أميركا. يحدث نفير في الجيش فتضطر عائلات العسكريين إلى المغادرة ليلاً إلى قراها. ونتيجة الإجهاد الذي تتعرض له بهيجة على الطريق تجهض بالبنت التي كانت تحلم بها. فسّر أحد القارئين للفيلم أن الإجهاض هو الوحدة العربية المنتهية وهذا ما ينفيه الأستاذ عبد اللطيف.
أبطال هذا الفيلم مصرّون على اقتناص الفرح فعلى وقع أغنية «بردة بردالي» يرقص الخال والأولاد الأربعة والجدة تتمايل طرباً.
مشهد مضحك: الركض وراء دجاجة لذبحها. أكل الأطفال ثمّ الخال من الثمرة المسبّبة للدوّخة التي تنمو في البرّيّة.
الشهامة: مجيء أخ بهيجة ليأخذ خمسين ليرة لأهله فيعطيه صهره خمسين للأهل وخمسين لأهل الصهر.
الكوميديا السوداء: الضجر قد أكل قلوب الأطفال يريدون العودة إلى بيتهم، أمهم تعدهم بحصول ذلك قريباً عندما يأتي أبوهم. يحاول الخال أن يبعد الضجر عنهم فيأتيهم بطبّال وعازف مزمار. يتزامن قدومهم بقدوم زوج بهيجة وقد أكل اللغم عينيه وبتر يده. عندما يرى الخال منظر الصهر يطلب منهم أن يتوقفوا فيسأل زوج بهيجة: ليش الطبل والزمر.
يجيب الخال: لنسلّي الأولاد. فيردّ: سلّونا لكن. ويخبئ قهره خلف عينيه اللتين أخذهما اللغم، وينتهي الفيلم برقص المساعد أول على نغمات الزمر ودقات الطبل، هو رقص الألم رقص القهر، رقص التعايش لا أدري، ربما هو رقصٌ على إيقاع واقع كسره.
مطر أيلول
مطر أيلول.. فيلم يغمره الحب، أيمن زيدان الأرمل يحبّ سمر سامي التي تنظّف البيت وتطبخ لهم. هذا الحب المقيّد بالمجتمع الذي يجعل من تنظيف البيوت مهنة غير لائقة لا يخضع لقيد عند المحبّ، فيثمر هذا الحب بعد طول انتظار. هذا الأرمل أبٌ لستة أولاد أربعة منهم موسيقيون والاثنان الباقيان يظهرون في حالة انشغال تام بحبيبتيهما، فأحدهما يغسل لها السيارة كل يوم والثاني يركض مسافة طويلة كل يوم أيضاً ليلقاها. وهنا تطالعنا الواقعية السحرية فنتيجة هذا الركض اليومي والاستمتاع بالمازوشية يخرج الدم من أسفل قدميه فلمّا يدوس أرض البيت تنتشر بقع الدّم، وفي هذه التفصيلة دلالة على حب لامتناه يسكن داخله.
الحدث الرئيس الذي يبنى عليه الفيلم: الأب الأرمل يضرب عن طريق الخطأ رجلاً في الأمن فيدفع الثمن غالياً، إذ يقوم هذا الرجل بتخريب حياته بدءاً من اختفاء حبيبته مدّة طويلة وانتهاء بتدمير قصتي حب ولديه، فالذي يغسل السيّارة لحبيبته تموت الحبيبة بحادث سيّارة، والثاني يذهب لملاقاة الحبيبة فيجد الشبّاك الذي كانت تطلّ منه قد أغلق بالحجارة. ويحاول رجل الأمن هذا أن يطرد أبناءه الموسيقيين من عملهم في أحد المطاعم، فيقف بوجهه صاحب المطعم ويرفض.
يقوم رجل الأمن هذا مع مجموعة معه بمعاينة الأشجار، فبرأيكم ما الفكرة التي يريد الكاتب إظهارها؟ هل يشير إلى تدخّل بعضهم بالشاردة والواردة؟. يظهر عناصر الأمن في أكثر من مشهد وهم يجلسون على حمامات فرنجية، تساءلت هل هذا يشير إلى قذارة بعض شخصيات الأمن. قال لي الأستاذ عبد اللطيف أنها تشير إلى الإحساس بالخوف من هؤلاء الناس.
مشهد جميل: الأولاد يتدربون، سمر سامي تنظف البيت يدندنون فيأتي صوتها افرح ياقلبي لك نصيب.
واقعية سحريّة: تصوير مشهد انتحار الابن بعد موت حبيبته فقد ذهب إلى الصحراء بالسيارة وقد استأجر عدداً من الشباب ليفتحوا له قبراً لمّا ينتهوا يحاسبهم ويقف بالقبر ويرمي نفسه بالرصاص. المضحك أنهم يرمون المال فوقه ويمضون فهم لا يريدون مالاً من شخص آذى نفسه.
مشهد ساحر: اللـه استجاب للحبيبة سمر سامي فهما في السيارة والشهر أيلول والسماء تمطر. تقول وهي مبتسمة: استجاب اللـه لدعائي. وتمضي دقيقة فيأتي صوت من فوق الشجرة: خلص الصهريج معلم.
نسيم الرّوح
أول سؤال خطر ببالي هل يمكن لحبيبين أن يُضحّيا بحبّهما حتى لا يموت شخص؟
قلتُ لنفسي فليمت هذا الشخص، حبّهما أهم من حياته. هذا رأيي، أمّا رأي الأستاذ عبد اللطيف: (يوجد معايير يضحي فيها الشخص، أنا شخص يتراجع. أنه صراع بين الأنانيّة والتضحية، والتضحية انقلبت عليهما).
هي قصة حب بسّام كوسا ولينا حوارنة، حب حتى العظم لم يثمر ارتباطاً لأنّها تزوجت الرجل الذي كان سينتحر إن لم تأخذه. النتيجة الحبيبان لا يتوقفان عن الحب والزوج يلجأ إلى الانتقام فيقتل بسام كوسا بمسدسه، وينقلب المنام الذي كان يراه دائماً ليكون هو الضحيّة.
حوار جميل: امرأة تنظر حبيبها يباغتها بسام كوسا، يجلس على طاولتها يقول لها: لا تنتظريه مارح يجي. ويسرد لها كيف أتت حبيبته حافية -لمّا انكسر كعب كندرتها- حتى لا تتأخر عليه. وفعلاً الفتاة تغادر المقهى.
واقعية سحريّة: كانت ترميه بالكنادر كلّما اختلفا، طلب منه جاره أن ينساها، ففتح له خزانة الكنادر وبدأ يسرد قصته معها من خلال الكنادر.
صعود المطر
لا أدري لماذا أحسست أن هذا الفيلم يختلف عن أفلام الأستاذ عبد اللطيف الأخرى، فهو قال لي إن الأمر ليس كما أحسست، لكن هذا الكم من الخيالية والغرائبية لم ألمحه في أفلامه الأخرى.
إنّه قصّة كاتب يغضب من مدينته فيرجمها بالجبس، السماء تمطر جبساً إنه مشهدٌ تصويري أكثر من رائع. هذا الكاتب متزوّج وفقير الحال يأخذ من الجيران الطعام والمازوت، بمجرّد رنّ جرسَ أحدهم يقدمون له ما يريد قبل أن يطلب، فتضحك أنت كمشاهد.
يراقب من نافذته لقاء حبيبين تحت المطر تنتهي قصتهما بقتلهما متلبّسين بحبّهما. وتنتهي قصته بترك زوجته البيت بعدما سقطت هويته في بيت جارته. فلمّا كانت تعبّئ له العيتون في الصحن كانت تعبّئ أكثر فأكثر فأكثر فيسقط العيتون أرضاً وهي تعبّئ وتطيل النّظر به. فحتّى ينتهي من نظراتها وعتبها ينحني ليأخذ الصحن فتسقط الهوية وتسقط معها حياته الزوجية وحياة تلك المرأة التي تقدّر كتاباته وتحب كتبه. فمرّة يأتي يريد خبزاً تفرش له طاولة تملؤها بكل ما في البيت من طعام ثمّ تقول: كل أكل العالم لا يعادل كتاباً من كتبك. يمضي الكاتب من دون أن يأكل.
يقف الكاتب في فيلمه عند ظاهرة التصفيق في غير أوانه ومن دون موجبات إنها أيّها القارئ ثقافة القطيع. الكاتب في الفيلم طلّق زوجته الأولى لأنه يحبّها.
عبارة رائعة: بتعرفي يا سلمى المطر اليوم رح يطلع عالسما لأن كل شي عم يسقط لتحت.
أنا وأنتِ وأمّي وأبي
كلّما سمعتُ أغنية يافجر لمّا تطلّ… سأتذكّر هذا الفيلم الموجع الذي تحدّث عن قسوة هذه الحرب اللعينة واستنزافها لكل طاقاتنا.. الذي توقّف عند صور الشهداء التي تغصّ بها أعمدة الكهرباء في الطريق إلى قرانا. كما صوّر الأثر التدميري الكبير والقاتل الذي خلّفته الحرب في بلدنا.
يبدأ الفيلم بمحاولة تسميم طرفة بسندويشة فلافل لأنه جندي، صوت انفجار تخرج عفاف إلى الشرفة تلمحه يسقط أرضاً تتصل بقريبها يساعده، ولمّا تعرف أن بائع الفلافل قد سمّمه تنزل وتضربه. وتبدأ قصة حب عفاف المعارضة وطرفة الموالي يضعون السياسة جانباً ويغرقون في حبّهما حدّ الثمالة.
بالمقابل أم طرفة وأبوه يغرقان في المشاكل، الأب معارض والأم موالية تريد أن تستمر العلاقة مع زوجها الذي تحبّه وهو يرفضها وينتهي حبّهما وزواجهما بالطلاق.
حوارات رائعة: الزوجة: إنت اللي كنت تقللي من شجرة وحدة ممكن نصنع مليون علبة كبريت وبعود كبريت واحد واحد منحرق مليون شجرة. اللي بيهدم أسرته بعمره ما بيعمّر وطن.
الأب مخاطباً ابنه: الثورات بيخططولها الأذكياء… بينفذوها الشجعان.. بيستغلّوها الجبناء.
طرفة يخاطب أباه: ثورتكم انسرقت من الأجانب والبربرية ماعم تقدر تتتراجع وهادا الشي عم يهلكنا. حرقتنا صرت حسك بتقرف منّا، كل الوقت بتحسّسنا إنّو اللي عم يصير عم يوجّع روحك وحدك وكأنّنا بلا مشاعر.
أبو طرفة المعارض: الكواكبي بيقول لو كان الاستبداد رجلاً وأراد أن ينتسب إلى قاعدة أنا الشر وأبي الظلم وأمي الإساءة ووطني الخراب وعشيرتي الجهالة.
يذهب طرفة إلى تحت بيت عفاف وكالعادة بيده حزمة ورد حمراء يسلّمها لبائع الفلافل كي يعطيها إياها، يقول له سافرت إلى تركيا من ساعة، يتّصل بمعارفه، يوقفونها على الحدود وتعود مغتبطة فقد أرغمت على الرحيل وأُخذ منها جوّالها. وتنظر إلى دمشق دمشق المنوّرة رغم الحرب.
بعد أيام تأتي بسيارتها إلى الحاجز الذي يعمل عليه ليذهبا لزيارة جديه، وأمّها تتصل به أن يأتي إليها فهي في آخر سيّارة على الحاجز، يذهب يتحدّثان عن المستقبل الزواج الأطفال تغنّي له يا فجر لمّا تطلّ. صوت انفجار على الحاجز رصاص موجّه إليهما، ها هوذا بائع الفلافل يقتلهما، ربّما بأمر من أخيها المعارض الذي سمّمه أول الفيلم.
طريق النحل: سأكتفي بقول الأستاذ عبد اللطيف عنه: ذلك الحب الوهّاج الذي يُشرق في عيني الحبيب قبل أن تشرق الشمس. ويؤسفني أنّي لم أحضره بعد.
عزف منفرد: الذي كما قال الأستاذ عبد اللطيف سافر وحده. وقد حصد جائزة الجمهور في مهرجان الرباط الدولي سيعرض في دمشق 25 شباط.
ختاماً: هي كلمة واحدة، لقد وضعناك ملكاً على عرش قلبنا، لإبداعك كل التقدير، ولك منّا كلّ الاحترام.