قضايا وآراء

وارسو.. إخفاق المشروع الأميركي الإسرائيلي

| د. قحطان السيوفي

مؤتمر وارسو الذي دعت له الولايات المتحدة الأميركية في بولندا عنوانه «تعزيز الأمن والاستقرار بالشرق الأوسط والتصدي للممارسات الإيرانية» بحضور ممثلين عن نحو 60 دولة وشارك فيه وزراء خارجية عشر دول عربية ورئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، شكل مرحلة جديدة من محاولات التطبيع العلني بين بعض حكام العرب وإسرائيل وهذه المرة الأولى التي يشارك فيها مسؤول صهيوني كبير ومسؤولون عرب في مؤتمر دولي حول الشرق الأوسط منذ مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، الهدف الأول من المؤتمر أخفق في تشكيل جبهة إقليمية دولية ضد إيران، وتحول إلى مؤتمر تطبيعي، بالظهور العلني السافر للتطبيع بين العرب و«الكيان الإسرائيلي»، بهدف الاعتراف بالوجود الإسرائيلي كأمر واقع علناً. وكان حديث نائب الرئيس الأميركي مايك بنس بأن السعودية والإمارات والبحرين تتقاسم الخبز مع إسرائيل، هو دليل واضح على هوية المؤتمر.
ترامب ونتنياهو سعى من خلال عقد المؤتمر الدولي لتشكيل جبهة إقليمية دولية لمواجهة إيران، لكنهما فشلا لعدم تجانس المواقف بين الدول الأوروبية المجتمعة في وارسو بالنسبة لإيران وبرنامجها النووي، والحضور الضعيف من دول أوروبية كألمانيا وفرنسا وإيطاليا.
إن تحول المؤتمر من تشكيل جبهة ضد إيران إلى التطبيع العربي يساعد نتنياهو واليمين الإسرائيلي المتطرف في الانتخابات القادمة. وتوجهات المؤتمر ضد طهران أثارت حماس دول خليجية للمشاركة في المؤتمر كحجة تبريرية للتطبيع مع إسرائيل، ضد ما يطلق عليه «الخطر الإيراني».
المؤتمر يأتي في إطار تمرير صفقة القرن الأميركية، حيث يشارك عرابها (كوشنر) صهر ومستشار الرئيس ترامب، التي تهدف إلى طمس القضية الفلسطينية وشرعنة الكيان الصهيوني ودمجه في المنطقة، عبر تشكيل حلف أميركي عربي صهيوني، لمواجهة العدو الوهمي ممثلا بإيران.
مؤتمر «وارسو» ظهر كمحاولة لتشكيل دعاية انتخابية لقاتل الأطفال نتنياهو بتحقيقه اختراقاً في التطبيع مع بعض الدول العربية. رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني قال: إن رعاية واشنطن لمؤتمر ضد إيران تعني إخفاق سياسة العقوبات الأقسى في التاريخ، وتدل على العجز واليأس.
وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف وصف المؤتمر بأنه تعبير عن اليأس السياسي، واعتبر، أن مؤتمر وارسو «مسعى جديد تبذله الولايات المتحدة في إطار هوسها الذي لا أساس له إزاء إيران. وأن مؤتمر وارسو وُلد ميتاً».
وزير الخارجية الأميركي في ختام أعمال المؤتمر كشف المستور بقوله: إن لقاء القادة الإسرائيليين والعرب في الغرفة نفسها ليلة أمس شكّل يوماً تاريخياً، نائب الرئيس الأميركي مايك بنس انتقد في كلمته موقف حلفاء واشنطن الأوروبيين من الاتفاق النووي الإيراني قائلاً: إن الآلية التي وضعها الاتحاد الأوروبي لتسهيل التجارة مع إيران هي مسعىً لكسر العقوبات الأميركية على النظام الإيراني.
المتحدث باسم الخارجية الأميركية قال: ما فرضه ترامب من عقوبات على طهران يعادل تحركات أوباما في 8 سنوات.
السلطة الفلسطينية رفضت حضور المؤتمر واعتبرت أن العنصر المركزي في عدم الاستقرار بالمنطقة هو الاحتلال الإسرائيلي، ولا أمن ولا استقرار قبل زوال الاحتلال الإسرائيلي.
روسيا رفضت حضور هذا المؤتمر واعتبرته خطوة عدائية ضد إيران، وليس من أجل مناقشة حلول قضايا الشرق الأوسط وقال مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا إن مؤتمر وارسو سيضر بأمن الشرق الأوسط والمحاولات لتشكيل تحالفات عسكرية سياسية معينة في المنطقة تعتبر غير بناءة، وقال: إن المؤتمر سيعجز عن تحقيق الأمن في الشرق الأوسط بسبب عجزه عن مناقشة النزاع الفلسطيني الإسرائيلي وأنّ محاولات خلق نوع من التحالفات العسكرية في المنطقة عبر عقد مؤتمرات والتركيز على توجه أحادي مرتبط بشكل واضح بإيران ستكون نتائجه عكسية تجارب الماضي والحاضر، وتشير إلى أن كل مكان تدخله أميركا يتحول إلى بؤرة اقتتال وحرب وفتنة ودمار، في اليابان استخدمت واشنطن الأسلحة النووية والكيميائي ضد الشعب الفيتنامي، وما حدث في العراق وليبيا واليمن وفي سورية.
بررت مسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني عدم حضورها بارتباطها بالتزامات مسبقة وحتى مضيفة المؤتمر بولندا، أكدت أنها لا تزال ملتزمة موقف الاتحاد الأوروبي الداعم للاتفاق النووي مع إيران.
استطاعت فرنسا وألمانيا وبعض دول الاتحاد الأوروبي إنشاء نظام للتعامل المالي مع إيران من أجل تفادي العقوبات الأميركية، وهذه الخطوة أيضاً أفشلت الخطة الأميركية والإسرائيلية في عزل إيران وحصارها اقتصادياً.
يرى محللون أن الولايات المتحدة تهدف إلى تحقيق عدة مكاسب من المؤتمر، أولها الضغط على إيران وحصارها، وإشراك إسرائيل في أعمال المؤتمر لفرض الكيان الصهيوني كلاعب رئيس على الساحة في مواجهة النفوذ الإيراني. فشلت الولايات المتحدة في التجييش ضد إيران؟ وكل السياسات الأميركية على مدى أربعين عاماً، من حرب اقتصادية ضد إيران وحرب نفسية وحرب بالوكالة وحرب السنوات الثماني كلها فشلت، لذا جاء الأميركي بهذا المؤتمر الذي يشبه السيرك التهريجي، وذهب إلى هذا النوع من المؤتمرات، عله يعوض عن فشله.
مؤتمر وارسو ولد ميتاً، وأكثر من عشرين دولة كبيرة ومهمة رفضت الدعوة لحضور هذا المؤتمر، أما الدول المتبقية التي شاركت كان مستوى تمثيلها متدنياً جداً، لذلك لم تأت النتائج كما تريد الولايات المتحدة، أمام صلابة الموقف الإيراني السياسي والعسكري. فشل المؤتمر بتمرير فكرة ما يعرف بـ«الناتو العربي» لمواجهة إيران، وهي مبادرة أميركية طرحت عام 2011 وتجددت عام 2015 لتشكيل حلف أمني عربي لـ«التصدي لإيران».
مؤتمر وارسو ذو الهندسة الأميركية بشكله الحالي هو التفاف على قرارات الشرعية الدولية، بل هو إعلان حربٍ عليها، وهو مكافأة لدولة الاحتلال على احتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية وهو شكل من أشكال التخبط السياسي لإدارة الرئيس ترامب، في سياق إستراتيجية أميركية لتصفية القضية الفلسطينية وهي محاولات يائسة لإظهار إيران كعدوة العرب، وأن إسرائيل دولة جارة محبة للسلام، بينما هي دولة عنصرية زُرعت في قلب الوطن العربي لضرب ومنع قيام أي مشروع نهضوي عربي، تحتل بالقوة أراضي الغير وتدير الظهر للشرعية الدولية وللمجتمع الدولي.
إخفاق المؤتمر الأميركي الإسرائيلي في وارسو، هو وصمة عار للحكام العرب الذين شاركوا فيه، ولن تكون نتائجه أفضل حالاً عن نتائج مؤتمر جنيف للسلام الذي عقد عام 1973 من دون مشاركة الفلسطينيين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن