يحق للشعب السوري العظيم أن يحلم أحياناً، وأن يغضب في أحايين، لكنه بطبعه شعب متسامح حتى مع جلاديه!
اليوم سأتقمص شخصية هذا الشعب، وأتحدث باسمه، ولا أظن أنه يمانع مادام هو شعباً متسامحاً ويغفر ذنوب الآخرين مهما كانت قاسية وظالمه، لأنه شعب يمتلك قلباً طيباً، وسريرة نقية.
أنا، ومعي هذا الشعب العظيم، سنقدم الأعذار لمن يستحقها:
* نعذر وزارة الكهرباء وهي تزيد التقنين يوماً بعد آخر لأننا ندرك أنها تحتفظ بالفائض ليوم الشدة من المبدأ القائل: (خبي قرشك الأبيض ليومك الأسود)، ثم ندرك نحن الفقراء إلى الله، الأغنياء عن سواه، أن الوزارة المحترمة تريد إعادتنا إلى الزمن الجميل أيام الأجداد والجدات والسراج والشموع، والرومانسية، أيام المحبة والتلاحم الأسري المفقود.
* نعذر وزارة النفط والمؤسسات التابعة لها على فقدان أسطوانات الغاز، وارتفاع أسعار وندرة البنزين والمازوت، لأن الوزارة بالتنسيق والتكامل مع وزارة الكهرباء أرادت كذلك إعادتنا إلى ذلك الزمن الجميل حيث الطبخ على الحطب أو الطباخ النحاسي الذي يسميه العوام (ببور الكاز) ولتوفير المحروقات لغدر الأيام، ومحاربة التهريب.
* نعذر وزارة الثقافة لأنها لم تعد تقدم أفلاماً تنافس في المهرجانات الدولية على حين أن دولة جارة اسمها لبنان وصلت إلى العالمية من بابها الواسع وبلغت أكثر المهرجانات شهرة وأهمية في العالم، مع الأمنيات للمخرجة نادين لبكي بالنجاح، وطبعا نعذر وزارتنا على تقصيرها في مجال المسرح، فأين اليوم من أيام زمان حين كان المسرح القومي يقدم أشهر المسرحيات العالمية.
* نعذر وزارة التموين و: «حماية المستهلك!» لأنها لم تستطع ضبط الأسواق ومراقبة الأسعار، ومخالفة التجار الذين ظنوا أن المواطن السوري هو مواطن يسكن في شيكاغو أو باريس. وليس في الدحاديل ونهر عيشة، ونعرف أن الوزارة تريد اختبار قدرة السوريين على تدبر أمور الطعام والشراب بأقل تكلفة في العالم!
* نعذر وزارة الإعلام على ما تقدمه للمشاهد السوري من مذيعات تفوقن في التبرج والماكياج والماسكات ونتمنى عليهن التفوق في اللغة المظلومة التي نعاها كل اللغويين من سيبويه إلى حاضر الأيام.
* نعذر وزارة الإسكان لأنها لم تستطع إيجاد الحلول لأسعار المنازل التي يبدأ سعر المنزل الواحد من عشرات الملايين ويبلغ المليار ليرة، وهل نسيت الوزارة أن سورية تمتلك مساحات شاسعة تكفي لبناء منازل تؤوي سكان سورية وأولادهم وأحفادهم من الآن وحتى الألفية الثالثة!
* نعذر كل الوزارات والوزراء والمسؤولين على نسبة كبيرة من أخطائهم، لكننا لا نعذر وزارة العدل التي يجب أن تأخذ دورها كاملاً في محاسبة كل المقصرين والفاسدين والمفسدين والمرتشين، لأنها بمحاربة هذه الفئات يمكن إصلاح الوطن، ويجب تعليق المشانق لهؤلاء، لكنني لا أقصد المشانق الفعلية، وإنما أقصد مصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة، وهي أموال منهوبة من جيوب المواطنين، لأن الفاسد يرى أن يشنق ويموت ألف مرة من أن يصادر أحد قرشاً من تلك الأموال، ودعونا نغنِّ مع زياد الرحباني:
كل المصاري اللي مضبوبة اللي ـما بتنعد ولا بتنقاس
أصلا من جياب الناس مسحوبة ولازم ترجع عجياب الناس