الأولى

الجهادية الأوروبية

| تييري ميسان

طلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من حلفائه الغربيين استرداد سجنائهم الجهاديين لدى قوات «قسد» ومحاكمتهم على أراضيهم. وبينما عارضت المملكة المتحدة الطلب الأميركي، وعدت فرنسا بأن تنظر في أمر عودتهم على أساس دراسة كل حالة على حدة.
اعترفت الولايات المتحدة وهي تشرعُ في الانسحاب من الأراضي السورية «المحتلة»، بأن القوات السورية الديمقراطية «قسد» ليست جيشاً بمعنى الكلمة، بل مجرد قوة رديفة تحت قيادة الولايات المتحدة.
كما اعترفت في السياق نفسه بأنه لا وجود لدولة كردية في سورية «روج آفا»، وأن هذه الدويلة هي محض خرافة صُممت للصحفيين الغربيين. ومن ثم فإن تطبيق مايسمى «العدالة الكردية» هو مجرد تمثيلية، لأن وسائل تنفيذ هذه القرارات سوف تتلاشى هي الأخرى في غضون بضعة أسابيع. ما سوف يفرض، إما الإفراج عن هؤلاء السجناء الإسلاميين، وإما تسليمهم إلى الجمهورية العربية السورية، التي ستحاكمهم وفقاً لقوانينها المستمدة من القانون الفرنسي.
لكن سورية دولة تطبق عقوبة الإعدام في مثل هذه الحالات، ما قد يُواجه بمعارضة الأوروبيين حالياً.
من الطبيعي أن يُحاكم هؤلاء الجهاديون الأوروبيون في سورية، ولكن بعد اتفاق مع بلدانهم الأصلية، والالتزام بعدم تعرضهم لعقوبة الإعدام. لكن الأوروبيين، ومنهم على الأقل، الألمان والبريطانيون والفرنسيون، لم يتخلوا بعد عن طموحاتهم، وما زالوا يرفضون التحدث مع سورية، وأصروا في مؤتمر الأمن في ميونيخ الأسبوع الماضي على عدم التعاطي مع سورية إلا من خلال الوجود الروسي هنا.
أما في نظر القانون، فإن مواطني الدول الأوروبية الذين ذهبوا للجهاد في سورية فلا بد أنهم تعاملوا مع «مخابرات العدو»، ما قد يعرضهم لتهمة ارتكاب جريمة «الخيانة العظمى» بسبب محاربتهم للمصالح الأوروبية ولكن في ضوء سلوك الدول الغربية في هذه الحرب، لن يُحكم على أي جهادي غربي في بلده، بمقتضى هذه الاتهامات.
وها هي نهاية هذه الحرب تعيدنا حالياً إلى الواقع. لقد ادعى الأوروبيون على مدى ثماني سنوات، أنهم فوجئوا بـ«ثورة» ضد «الدكتاتورية» تعم البلاد.
أما الآن، فقد أصبح من السهولة بمكان كشف سلوك هذه الدول الأوروبية وإثبات ذلك. فهو لا يستقيم على الإطلاق مع روايتهم لما جرى في سورية، لأنهم، هم أنفسهم من كان يخطط ويستعد منذ عام 2003 للأحداث التي بدأت في عام 2011، وهم أنفسهم من ينظمها ويديرها حتى هذا اليوم. لقد استمرت هذه الحرب أكثر مما ينبغي، وكشفت كل أكاذيبهم.
إذا كان فعلاً ينبغي أن يُحاكم هؤلاء الجهاديون الأوروبيون بتهمة «التخابر مع العدو»، لمستوى «الخيانة العظمى»، فإن المحكمة لا يمكن أن تحتفظ ضدهم إلا بتهم الجرائم الفظيعة التي ارتكبوها ضد السوريين، وربما أيضاً الجرائم التي اقترفوها ضد مواطني بلدانهم في الداخل، لأن التعصب الديني ليس جريمة. وسوف تخلص المحكمة إلى نتيجة تُقر بوجوب محاكمة القادة الغربيين فقط بتهمة الخيانة العظمى. لكنها ستقع في حيرة من أمرها أمام عدة خيارات، بدءاً من عضوين في المجلس الدستوري الفرنسي.
الأول، هو وزير الخارجية آلان جوبيه المسؤول عن تنظيم الحروب ضد ليبيا وسورية. وقد أنشأ مكتباً لتجنيد الجهاديين، وأشرف على تدشينه بأبهة عظيمة تحت برج إيفل.
أما الثاني، فهو خلفه لوران فابيوس الذي دعا علناً إلى الجهاد في سورية بإعلانه أن الرئيس الأسد «لايستحق أن يكون على وجه الأرض».
ولكن بدلاً من الحكم على جرائم هؤلاء الجهاديين، فقد تم تقليدهم الأوسمة، وأصبح السيد فابيوس واحداً من أرفع الشخصيات في الدولة الفرنسية، بعد تقلده رئاسة مجلسها الدستوري.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن