تعود شبكة مياه بردى إلى العهد الآرامي، ثم تطورت بالعهود اللاحقة مع تطور احتياجات ومتطلبات كل عصر من المياه، ولعل من الذكر القول إن العرب نقلوا تقنية هذه الشبكة إلى الأندلس، وهي لا تزال قائمة إلى الآن بمنطقة إشبيلية، لكونها تشكّل إبداعاً فريداً بوقت لم تتوافر به القساطل المقاومة للضغط، ولا وسائل التحويل والتكسير للضغط المعروفة هذه الأيام. وقد عُرفت هذه الشبكة باسم نظام الطوالع.
ويتكون هذا النظام من عدد من المراحل كان أهمها ما يُعرف بمأخذ المياه المتفرعة عن النهر ثم القسطل الذي ينقل الماء إلى الطالع ثم الطالع نفسه.
تجري المياه بهذه الأقسام بالشروط اللازمة التي تتوافر بها النظافة والطهارة التامّة، وذلك وفق مناسيب محفوظة متعارف عليها، وهذه المناسيب أو الحصص متوارثة، ولها حجج (وثائق) ملكية لا يمكن التعدي عليها.
فمأخذ مياه القناة المتفرعة عن النهر، هو فتحة دائرية بحجر بازلتي مثبّت على أحد طرفي القناة المذكورة، وهذه الفتحة تحدّد كمية المياه التي يمكن أن تمرّ عبر الثقب الدائري بالحجر البازلتي الآنف الذكر، وذلك من القناة إلى القساطل المؤدية إلى الطالع، أما القساطل الناقلة لتلك المياه، فإنها تشكل العنصر الثاني بهذه الشبكة.
والقسطل أسطواني الشكل، ويُصنع من غضار نقيّ مشوي. وهذه القساطل على أنواع وعلى قياسات متعددة، ومنها ما يُعرف؛ بالرمز، وهو أصغرها، ومن القساطل ما يطلق عليه اسم الشركس وهو أكبر، ومن القساطل ما يطلق عليه اسم الإيراني والسبيلي والمحيّر ثم الزنجاري وهو أكبرها.
ومهما يكن قياس القسطل، فإن بأحد طرفيه أكرة يُدخل بها القسطل الآخر عند التركيب. أما قطر القسطل فيتراوح بين (15-30) سنتمتراً، وطوله بين (20-25) سنتمتراً.
أما تركيب هذه القساطل وتمديدها، فهو من عمل الشاوي بعد أن يحفر خندقاً يفرشه بالآجرّ!، ما يشكل ما يعرف باسم التتخيتة كأساس، ويستخدم لذلك ملاط من الغضار المعجون بمادة القِصرملّ، وهي رماد روث الحيوانات الذي كان يوقد في إقميم الحمام لتسخين مياه الاستحمام، ثم تصفّ القساطل، فوق الأساس أو التتخيتة المشار إليها، فيدخل طرف القسطل الضيق بالنهاية الأوسع للقسطل الآخر، أو ما يعرف بأكرة القسطل. ويختم على تلك القساطل باللاوونة، وهي من لبن الكلس مع مثل وزنه من زيت الزيتون، مضافاً إلى ذلك كميّة من القطن المندوف، أو قشر القنّب المفروم، بعد أن يعرك ويعجن حتى يصبح قوامه متماثلاً، فتوضع تلك اللاوونة على مكان دخول القسطل بالقسطل الآخر، حتى لا تتسرب المياه، من مكان تداخل القسطل بالقسطل الآخر، ثم يقوم الشاوي بتغطية تلك القساطل بملاط القِصرمِلّ.
وعلى ذلك فإن الشاوي يكون على علم بمنطقة عمله بمخططات توزيع القساطل واتجاهاتها، مع معايير أو حصص الماء لكل مستحقّ وهو الذي يتعهدها بالرعاية والصيانة، كما أنه يسهر على إيصال (حصص) الماء إلى أصحابها أو مستحقيها، وكان أجره يتناسب مع نسب الماء الموزّعة من الطوالع التي يشرف عليها إلى الدور التابعة لها.
أما الطالع فهو البناء الأساسي بهذه الشبكة، وهو من قسمين، القسم الأول هو بناء الطالع، والقسم الثاني هو موزّع الماء بالطالع.
ويتناسب حجم بناء الطالع مع عدد المآخذ من موزع الماء بالطالع، وقد يكون هذا الطالع ضمن الجدار أو خارجاً عنه وبارزاً أمامه، وبكلتا الحالتين يكون ارتفاع بناء الطالع حسب منسوب مياه القناة التي تتغذّى من القناة المتفرّعة عن النهر، ويقفل هذا الطالع بمصراع يحتفظ الشاوي بمفتاحه، للحيلولة دون عبث العابثين بحقوق المياه، الذين يعمدون إلى سدّ مآخذ مياه الآخرين، لتحويل المياه إليهم بمقدار أكبر.
ويكون موزع الماء بالطالع على شكل قطعة رباعية من حجر البازلت، منحوت به تجويف عمقه من (10-15) سنتمتراً، وبجوانبه عدد من التجاويف يتناسب وعدد الدور التي يموّنها الطالع بالمياه، مع ملاحظة أن عرض التجويف المذكور، يكون وفقاً لكميّة المياه المراد إرسالها للمستحقّ، كما أن عمق كل من هذه التجاويف واحد، ومن دون أيّ اختلاف.
وبوسط القطعة الرباعية من حجر البازلت الآنف الذكر فوهة قطرها بين (5-10) سنتمترات يطلق عليها اسم الأمّاية، فتأتي المياه إلى الطالع عبر تلك الأمّاية لتتوزع على أصحاب الحقوق من المياه من دون زيادة ولا نقصان.