ثقافة وفن

الممثل الحقيقي هو من الإنسان وإليه … جابر جوخدار لـ«الوطن»: لا أنقطع عن المسرح وإذا ابتعدت عنه أشعر بأنني بحاجة لإعادة تهيئة

| سوسن صيداوي

مرآة نفسه شفافة، تعكس ما يدور في أعماق باله وقلبه، إنه شاب لطيف، دمث الخلق، محبوب، ومتمسك بالبساطة اللامتناهية التي تجعله قريبا من المشاهد، وهي غايته كي يحقق نجوميته عبر حضوره الجاد سواء على المسرح أو في الأفلام السينمائية وفي الدراما والدوبلاج. إنه الفنان جابر جوخدار، دائم الشغف للعلم، وساع جاد لتطوير الذات كي ينجح في تحقيق المعادلة الصعبة، بأن يكون ممثلاً حقيقياً صاحب تأثير وبارع في استيطان القلوب، من أدواره على سبيل الذكر، في المسلسلات التلفزيونية:ذكريات الزمن القادم، التغريبة الفلسطينية، ليس سراباً، أبو خليل القباني، غداً نلتقي، الندم، هارون الرشيد. ومن مشاركاته السينمائية: دمشق يا بسمة حزن، رقصة النسر، الفيلم اللبناني السوري «محبس»، فيلم سوريون، فيلم الأب.
وفي المسرح: شجرة ليرا، وعكة عابرة، مسرحية-عرض التخرج من المعهد-حلم ليلة منتصف الصيف لـ«شكسبير، النفق، مسرحية شوكولا، تيامو، مومنت، وأخيراً مسرحية زجاج».
«الوطـن» التقت الفنان وحاورته حواراً سريعاً في دمشق حيث تتم عمليات تصوير مسلسل (ورد أسود) السوري الجزائري، والذي يشارك جوخدار فيه بدور مرّكب بالغ التعقيد عبر شخصيتي توءم، وللحديث عن المسلسل وقضايا أخرى نترككم مع حوارنا التالي:

بداية حدثنا عن دورك في مسلسل (ورد أسود) المستمرة عمليات تصويره حالياً في دمشق؟
أقوم بدور لشخصيتين توءم هما «ورد» و«رواد»، أداء كل شخصية مختلف كليا عن الأخرى، وأضيف بأن المشاركة في مسلسل(ورد أسود)هي فرصة جدّ جميلة، لأني لأول مرة أؤدي دوراً مماثلا، فالشخصيتان معقدتان، والصعوبة التي تواجهني حقيقة فيما أعانيه في فترة التصوير من حالة فُصامية بسبب المشاعر والمواقف المتناقضة التي تعيشها شخصيتي التوءم، بسبب تأثر سلوكهما وطريقة نشأتهما، بالمواقف والأفعال الصادرة من الأب الذي كان دائم التمييز بينهما، وهذا ما سيلاحظه المتابع عبر مشاهد الـ«flashback». لن أذكر تفاصيل أكثر لأن المسلسل يعتمد على التشويق، وينطلق من مقولة»في الحياة وبين البشر، لا خير مطلق ولا شر مطلق»، وتقريبا شخصيات العمل كلّها صيغت وفقا لهذا المبدأ، وعليها تسير مجريات الأحداث وتتعقد تباعا. وبقي أن أشير هنا بأنه حقا تمّت صياغة النص بطريقة مبتكرة من الكاتب جورج عربجي، ويتم تنفيذه إخراجا وفق رؤية المخرج سمير حسين بمهنية عالية.

تربيت وترعرت في جو عائلي فني.. السؤال: هل الاهتمام العائلي هو سبب كاف لانطلاق نجوميتك منذ الطفولة على المسرح… لو لم تكن-أنت-موهوبا وعاشقا للتمثيل؟
في الحقيقة درس عمي سعيد جوخدار الإخراج المسرحي في جامعة صوفيا البلغارية، وأخرج العديد من الأعمال هنا في سورية، وإضافة إلى ذلك أن والدي عندما كان شابا، عمل كممثل مسرحي مؤديا العديد من الأدوار المسرحية، وتمتّع بشعبية من الجمهور الذي كان يتابعه، ولكنه لم يتابع في مجال التمثيل. أما بالنسبة لاهتمام الأهل فهو ليس بكاف، فلو لم تكن الرغبة داخلي عميقة، لما استطاع الأهل زرع الموهبة في التمثيل لدّي ودعمي في قراري في دراسة التمثيل وامتهانه، وهنا أحب أن أقول، علينا ألا نلقي اللوم على الأهل إذا قصروا في جانب من الجوانب أثناء تربيتهم لأطفالهم، فعلى الطفل أن يساعد أهله بالكشف عن موهبته، وأن يعبّر لهم عما يحبه وبما يميل إليه.

قبل تخرجك من المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق شاركت بعدد من ورش العمل الأجنبية. السؤال: إلى أي مدى الاطلاع على التجارب العالمية ساهم في إطلاق نجوميتك وتعزيزها؟
بالفعل شاركت بعدد من ورش العمل الأجنبية المختصة بمفهوم المسرح التوثيقي في الدنمارك، لوس أنجلوس، سان فرنسيسكو… وغيرها الكثير أيضاً في البلدان العربية. على الأكيد كل التجارب ساعدت على تعزيز ما سميته «نجومية»، الأخيرة التي أتوقف عندها لأقول وبصدق بالغ: لا أحب أن ألقب بها- بالرغم من أنها كلمة جميلة والكل يتمنى ويسعى إليها- فالنجومية ليست طموحي لأنها تخلق مسافة وتبعدنا عن الناس، بمعنى أقبل بأن أكون نجما طالما بقيت قريباً من الناس ومعبّراً عنهم من خلال فني الذي أقدمه. وبالعودة للسؤال المطروح، كل ورشات العمل سواء داخل سورية وخارجها، تعزز رحلة الممثل، التي لا يمكن تدريسها، بمعنى، علينا أن نتعلم كيف نُعلّم أنفسنا، وهذا الأمر الأهم وهو ما ينقصنا صراحة، وعبر الورشات سواء العربية أو الأجنبية نكتشف بأن المشكلة ليست فينا كعرب أو دول عالم ثالث، بل المشكلة ببساطة بأن نعرف كيف نتعلّم، وبأن ندرك تماما للأمور التي تغني معرفتنا، وما الأمور التي تضيّع وقتنا، وبالنتيجة كل ما مررت به من ورشات عمل وأدور تمثيلية وعلاقات مع المحيط، كلّها عوامل تعزز شخصية الممثل الذي هو من الإنسان وإلى الإنسان.

أين أنت اليوم من خشبة المسرح السورية.. وإلى أي مدى مشاركة نجم الدراما فاعل في الحركة مع استقطاب أكبر للجمهور؟
حتى الوقت الحالي ما زلت أتابع المسرح في سورية وأعمل فيه منتجا، ليس بشكل سنوي، ربما كل سنتين أنتج عملا، لا أستطيع أن أنقطع عن المسرح، وإذا ابتعدت عن الخشبة فأشعر بأنني بحاجة إلى إعادة تهيئة. وبالنسبة للشق الثاني من السؤال، على الأكيد يحب نجوم الدراما اعتلاء المسرح ولكن ليس كل نجم تلفزيوني أو درامي قادر، لما يحتاجه الأمر من عمق في البساطة، وحجم كبير من التفرغ، مع كم لا يستهان به من التدريبات والتحضيرات. وأنا أعتبر بأنه من حسن حظهم بأن يؤدي أدوارا مسرحية، وخصوصاً إن كانوا متمكنين، لأنهم سيمتلكون في حينها وسيلة أسميها «وسيلة تطهيرية» قادراً، على غسل الذات من العمق، إضافة لما سيعكس على النجم الدرامي بما سيتمتع به من تواضع سامي، ومن جهة أخرى أحب أن أشير إلى نقطة مهمة، فكرة حضورهم وتقديمهم لعروض مسرحية أمر جميل ويشدّ جمهورهم، وهو أمر ضروري وجيد لتعزيز ثقافة المسرح ونشرها والتعويد على تقاليدها، فهناك حرمة للمسرح ولكنها منتهكة لعدم إدراك الآخرين لثقافته من حيث التزام آداب المسرح والتزام الهدوء وعدم تناول الأطعمة، وهي عادات يجب أن نعوّد أبناءنا عليها منذ الصغر، وبالمتابعة وارتياد دور المسرح ستتعزز الثقافة تلقائياً.

ما رأيك بالجملة التالية: «يمكنك أن تكون ممثلاً ولكن من الصعوبة أن تكون صادقاً»؟
أنا مع هذه المقولة لأن الكذب أمر سهل جداً بعكس الصدق. وأحب أن أشير إلى أن هناك ممثلين تطوروا وأصبح لهم اسم لا بأس به في الساحة الفنية، باتباعهم لأسلوب متكلف، ولقناعتهم بأن الكذب هو التمثيل، وأنا أقول لهؤلاء: إن قناعتهم أو اعتقادهم مخطئون بها تماماً، وصحيح أن كل البشر فيهم من الكذب، ولكن كلما عملنا على الصدق اقترب الفنان من أن يكون ممثلاً نبيلاً وصاحب أمانة، لكون التمثيل مهنة تنطلق من بساطة الناس، وغير الصادق لا يمر على المشاهد، الأخير الذي أشبّهه بالطفل الصغير، من السهل أن نبكيه أو نضحكه، لهذا يجب أن نتعامل معه بأمانة، فنحن المحرك الأكبر لمشاعره، والقادرون على التأثير فيه وفي الكثير من تصرفاته وحتى التدخل في قناعاته اليومية، ومن هنا الممثل الحقيقي الصادق هو بالغ التأثير في الجمهور، ويستطيع أن يكون له حلماً وأملاً.

في الختام… لقد عشت الحرب وشعرت بأهوالها وهرعت منها منذ الطفولة عندما كنت في الكويت ومن ثم الحرب على سورية… ما تعقيبك؟
أكتفي بالقول: إن الحرب قادرة على تغيير ملامح الحجر، فكيف سيكون تأثيرها في البشر، أتمنى من اللـه أن يحمي الجميع وأن تزول هذه الغيمة وتبتعد عن سمائنا، وعلينا من بعد الانكسارات التي ألمت بنا أن نسعى جادين بأن نطور أنفسنا وليس هذا فقط، بل أيضاً أن نسعى لتطوير المحيطين بنا، ما دمنا نؤمن بأننا أشخاص فاعلون ومؤثرون، وفي النهاية سيكون هذا واجبنا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن