حكم إستراتيجي بالموت على سياسات الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في منطقة الشرق الأوسط، هو ما أصدره محور المقاومة عبر اللقاءات التي عقدها الرئيس بشار الأسد مع القادة الإيرانيين في طهران أمس الأول.
في الشكل والتوقيت والمضمون، كانت زيارة الرئيس الأسد إلى طهران حكماً نهائياً غير قابل للطعن، إذ إنها أعلنت إخفاق المشروع الأميركي الإستراتيجي الطويل المدى المسمى «الشرق الأوسط الجديد»، فهي بمنزلة إعلان صريح وواضح على إخفاق الحرب العسكرية العالمية المتواصلة على سورية منذ ما يقرب ثماني سنوات، إذ إن توقيت الزيارة الذي يتزامن مع الانسحاب الأميركي من سورية، يترك صدى، كمن يقول حين الإنصات إليه إن الوجود الأميركي في سورية بات في عداد الماضي وإن سورية عائدة إلى محيطها الإقليمي بقوة لتعود من جديد لاعباً رئيسياً مقرراً في سياسات الشرق الأوسط.
على المقلب الثاني، فإن حضور الجنرال الإيراني، قائد فيلق القدس، قاسم سليماني في اجتماعات طهران المغلقة بالأمس، كان رسالة واضحة المعالم إلى واشنطن وأداته في المنطقة كيان الاحتلال الإسرائيلي، بأن ما قبل الزيارة ليس كما بعدها، وأن قواعد الاشتباك مع كيان الاحتلال الإسرائيلي قد تتغير في أي لحظة بالنسبة لمحور المقاومة، حيث تنتقل من وضعية الدفاع إلى وضعية الهجوم.
كذلك فإن الزيارة في التوقيت والشكل أي ترافقها مع الانسحاب الأميركي من شرق وشمال شرق البلاد، وبقاء وحضور قائد فيلق القدس الإيراني، يعني أن على واشنطن أن تعيد التفكير ملياً بقرارها بالإبقاء على 400 عنصر من قواتها الاحتلالية في سورية، حيث يتم توزيعهم على قسمين بالتساوي، مئتي عنصر في شمال شرق البلاد ومئتين آخرين في قاعدة التنف العسكرية الأميركية غير الشرعية.
وفي الوقت ذاته، فإن الزيارة تعني أن عقوبات واشنطن باتت محدودة الأثر في ظل إستراتيجيات اقتصادية دولية ثنائية سورية إيرانية فاعلة، الأمر الذي سيظهر لاحقاً في علاقات البلدين، وهو ما أكده الرئيس الأسد مؤخراً في خطابه أمام رؤساء المجالس المحلية، إذ أشار إلى فقد المواد في سورية وكيفية تأمينها، ولفت إلى أنه رغم صعوبة تأمين المواد المستوردة من الخارج، نظراً لأن هذا الموضوع مرتبط بالحصار، إلا أنه «لا يوجد شيء مستحيل مهما اشتد الحصار.. نستطيع أن نؤمن»، ولعل زيارته إلى إيران كان أحد أهدافها مواجهة الحصار الاقتصادي.
لعل الوقع الأكبر والرسالة الأهم التي أرسلتها قمة طهران السورية الإيرانية الإثنين الماضي، كانت إلى دول الخليج المعادية لسورية وإيران، إذ إن الزيارة جاءت بالتزامن مع تذبذب عربي بشأن عودة سورية إلى جامعة الدول العربية، فأكدت لهؤلاء العرب أن لسورية تحالفاتها وسياساتها المستقلة في الإقليم، وأن التزامها العربي هو منطلق الالتزام بالقضايا المركزية للأمة العربية والإسلامية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وأنه في الوقت الذي اجتمع فيه عرب الجامعة مع كيان الاحتلال في بروكسل واجتمعوا مع أوروبا في شرم الشيخ ومع الغرب في وارسو، ونقلوا التطبيع مع كيان الاحتلال من الخفاء إلى العلن، فإن محور المقاومة ثابت على مبادئه وملتزم بقضاياه وعلى رأسها قضية فلسطين واستعادة كامل الأراضي العربية المحتلة.
ومن ثم فإن خُيّل لهؤلاء أن ينهجوا سياسة الترغيب مع سورية بشأن إعادة الإعمار وعودة دمشق إلى البيت العربي، مقابل إيقاف علاقاتها الإستراتيجية مع محور المقاومة، فإن الزيارة أتت لتدلي بدلو سياسي بارد على رؤوس هؤلاء علّهم يصحون من أحلامهم، فعلاقات سورية الإستراتيجية مع حلفائها قائمة وثابتة ومستمرة ومتطورة، وهي علاقات اعتماد متبادل وليست شبيهة بعلاقات التبعية بين دول الخليج والغرب.
يبقى الغموض في الزيارة، حول ما يخص الجانب التركي إذ لا إشارات يمكن أن تستشف حوله، وخصوصاً أن الرئيس الإيراني حسن روحاني كان قد طرح في قمة رؤساء ضامني أستانا الذي عقد في مدينة سوتشي الروسية مؤخراً، استعداد طهران للدخول على خط استعادة العلاقات بين دمشق وأنقرة.
إن الثبات في محور المقاومة، والسير نحو تحقيق أهدافه المعلنة وعلى رأسها تحقيق استقلالية وسيادة ووحدة الدول المنضوية فيه، كانا القرار العلني الذي أظهرته زيارة الرئيس الأسد إلى طهران، وهو حكم بالموت على إستراتيجية واشنطن وحلفائها في الشرق الأوسط، ورسالة لهم بأنه إذا ما أرادوا أن يستعيدوا علاقاتهم مع دمشق فليأتوها خاضعين لا مشترطين.