تشير الدراسات الحديثة إلى أن الرهاب والخوف من الزواج والإقدام عليه، منتشر بين الشباب للجنسين على حد سواء. وهذه الفوبيا يمكن اعتبارها حالة مرضية إذا ما منعت الشخص من تكملة حياته مع شريك يحبه. وهي حالة نفسية ينتج عنها خوف شديد وقلق من اتخاذ قرار مصيري، قد يشكل نقطة تحول في حياة الإنسان، ويكون ذلك خارجاً عن سيطرة الشخص وغير مستند إلى أسباب منطقية. وفيه يتجنب الشخص العلاقات الاجتماعية نتيجة لعدم تقديره لذاته حيث يخشى النقد. وهذا في حد ذاته يعتبر خللا ووسواسا نفسيا لابد من علاجه.
يقول الشاب حسين ( 41) عاما، ويعمل محاميا: أصبت بفوبيا الزواج بعد تعرضي لعلاقة فاشلة مع فتاة اكتشفت بعد حبي العميق لها، ورغبتي في بناء حياة زوجية معها، أنها على علاقة مع رجل غيري كبير في السن وينفق عليها، ما جعلني أصاب بخيبة شديدة وخوف من النساء عامة وعدم الوثوق فيهن، فكيف لي أن أعيد هذه الثقة بعد تجربتي تلك؟
كما لا تخفي الآنسة رهام ( 30) عاما سبب عزوفها عن الزواج، ورفض كل من يتقدم لخطبتها. حيث تصرح بأنها تعرضت لحادثة تحرش جنسي في أول مراهقتها، وظلت سنوات تحتفظ بهذا السر، وتخاف أن تبوح به لأحد، وظلت ترفض من يتقدمون للزواج بها متعللة بأسباب كثيرة، وهي بالواقع أصبحت تكره الرجال، وتتحاشاهم، وتظن أن أي رجل يتقرب منها، يريد اغتصابها. وأصبحت منعزلة عن الوسط الاجتماعي، ما عدا والدتها التي أصرت على معرفة سبب كرهها للزواج وكل ما يتعلق به. وتحاول الآن معالجتها عند طبيب نفسي.
أما (سعيد) ويبلغ من العمر( 38)عاما، فهو يرفض الزواج ما دامت والدته على قيد الحياة، فهو يكرس كل شبابه وماله لخدمتها، بعد أن عاهد نفسه إلا يدع أي فتاة تحل محل والدته بالمحبة والعطاء، فهو برأيه لن يعثر على امرأة مثل والدته بعطفها وصبرها ومحبتها له!
وبكل صدق وشفافية يجيب ( هشام) وهو في الرابعة والثلاثين من عمره: أنا لا أفكر بالزواج أبداً، وأعتبر كل من يتزوج في هذه الأيام مجنوناً!!! كيف لي أن أبني أسرة وأتحمل مسؤوليتها، ويصبح عندي أطفال وأنا راتبي لا يتجاوز 40000 ليرة سورية، ولا أملك منزلاً مستقلاً. أنا الآن عصفور طيار، خال من الهموم والمسؤوليات، أذهب متى أشأ، وأسهر مع أصدقائي حتى الصباح الباكر من دون نقاش ونكد. الزواج وتربية أطفال وإدارة بيت خارج إمكانياتي، ولا يهمني إلحاح والدي على تزويجي، أتمنى أن يتركوني وشأني!
أسباب العزوبية
إذاً تعددت الأسباب التي تجعل من العزوبية أفضلية، فالكثير من الشبان والشابات يعانون فوبيا الزواج! فما هذه الأسباب؟
1- التعلق بالأهل يجعل الشخص يفكر في كيفية الاستقلالية بعيداً عنهم ومدى اشتياقه إليهم، بسبب الانتقال لحياة جديدة.
2- الخوف من تحمل مسؤولية الزواج، وتربية الأطفال وإدارة البيت، وغيرها من المسؤوليات.
3- المرور بتجربة فاشلة للشخص نفسه، أو لأحد من أسرته وأصدقائه، وعدم الشعور بالأمان والخوف من عدم الاستقرار والاستمرار في الزواج.
4- التعرض للتحرش إذا تم في الطفولة، أو في أي مرحلة قبل الزواج، فيتولد لدى الشخص كره تجاه الطرف الآخر، وهذا يحدث للجنسين على حد سواء.
5- المجتمع الذكوري الذي يدفع الفتيات المتعلمات إلى التمسك بالعمل لتحقيق الذات، ولذلك ترفض الزواج الذي يهدد مستقبلها.
6- الجهل بالتعامل مع الجنس الآخر وعدم التهيئة النفسية والاستعداد لهذه المرحلة.
7- التردد، حيث يعاني الشخص المتردد عدم القدرة على حسم موضوع الزواج، وإكمال علاقته مع من يحبه حتى نهايتها.
8- البطالة، وعدم القدرة المالية وصعوبة الحصول على مصدر رزق ثابت، تجعل أكثر الرجال لديهم فوبيا من الزواج.
9- انفصال الوالدين واختبار تجربة الخلافات بينهما في الصغر يجعلان هذه التجربة عالقة في العقل الباطن، ويظهران على شكل رفض للزواج في الكبر.
10- الخوف من العلاقة الجنسية، فبعض الفتيات يخفن خوفا شديدا يصل إلى درجة الفوبيا من الاتصال الجنسي مع الرجل، وما يترتب عليه من آلام الحمل والولادة.
ما أعراض المصاب برهاب الزواج؟
1- الاكتئاب والاضطراب النفسي والشعور بالذنب والتشاؤم، وهذه حالة من الاكتئاب تصيب الأشخاص عندما يتم تحديد موعد الزفاف، ويكون له تأثير سلبي في السلوك والمشاعر، وقد يشعر المصابون بالاكتئاب بالحزن والأرق وقلة النوم وانعدام التوازن النفسي.
2- يتراجع بعض الرجال عن الزواج بعد أن يكون قد اتخذ قراره بالفعل، وذلك خوفا من أن يقابل فتاة أحلامه بعد الزواج فيندم على أنه لم يرتبط بها، لذلك يستمر في تأجيل الزواج.
3- التوتر والقلق يزداد عند اقتراب موعد الارتباط بشريك الحياة، وهذا يجعل الشخص يفكر أن هناك شيئاً ما يهدد العلاقة العاطفية، أو الانفصال في الطلاق، وفي بعض الحالات تصاحبه تغيرات فسيولوجية للإنسان، حيث يكون الشخص أقل تفاعلاً وشعبية مع الآخرين لعدم إحساسه بالأمان.
4- تقلب المزاج، وتشتت الآراء والمشاعر، وخصوصاً أثناء التعامل مع شريك الحياة، ومع الاشتغال بالتفكير في المجهول.
5- تزداد فوبيا الزواج وتظهر على شكل أعراض عضوية عندما يقترب موعد الزواج مثل: ازدياد ضربات القلب، وضيق في التنفس والرجفة وتقلصات في البطن، وقد يحدث عند البعض غثيان، ورغبة بالبكاء، وهي أعراض لا علاقة لها بمرض عضوي معين.
ما علاج فوبيا الزواج؟
معروف أن الزواج هو اتفاق بين اثنين على مشاركة كل اللحظات والمسؤوليات والطموحات والإمكانات والتحديات التي تواجههما في كل لحظات الحياة. ولذلك يمكن علاج فوبيا الزواج من خلال لجوء الشخص إلى استشارة المختصين الأسريين والنفسيين، فهم قادرون على تسهيل تقبل فكرة الزواج، إضافة إلى أنهم قادرون على تحديد نقاط الخلاف منذ البداية لتجنب النزاعات في المستقبل. إضافة إلى أن فترة ما قبل الزواج تحتاج إلى مهارة التواصل بين الطرفين المقبلين على الزواج، وذلك لتقوية العلاقة بالشريك. فعند الحديث مع شريك المستقبل عن الأطفال، والعمل، والأمور المادية، وأي قضية أخرى قد تواجههما، يؤدي ذلك إلى معالجة مستقبلية لتلك المخاوف وتبديدها. كما أن التخطيط للحياة والمسؤوليات بشكل دقيق يعد من أحد الحلول الفعالة، فكلما اتضحت المسؤوليات والواجبات والحقوق، قبل الزواج، قلت احتمالية حدوث الفوبيا والخوف من خوض هذه التجربة.