قضايا وآراء

مصادفات التوقيت.. خطط الغايات

| مصطفى محمود النعسان

ربما ليس هناك تدبير وتخطيط لما حصل من مناسبات في الفترة من الحادي عشر وحتى الخامس عشر من شباط الجاري، وذلك من حيث مواعيد الانعقاد والحصول، ولكنها بلا أدنى شك، مدبر ومخطط لها من حيث الأجندات والأهداف والغايات المتنافرة والمتصادمة والمتصارعة والتي تحمل معاني التحدي والمواجهة.
الحق أن مؤتمر وارسو الذي هندست وخططت له ورعته وأقامته واشنطن تحت عنوان «مواجهة النفوذ الإيراني وسبل تحقيق السلام في المنطقة» والذي ولد ميتا في الرابع عشر والخامس عشر من شباط، عقدت في اليوم الثاني منه قمة سوتشي الرابعة للدول الضامنة لمسار أستانا وهي روسيا وإيران وتركيا.
المناسبة الثالثة بل الأولى من حيث التاريخ والتسلسل الوقتي، هي ذكرى انتصار الثورة الإسلامية في إيران التي قامت عام ١٩٧٩ وذلك في الحادي عشر من شباط، حيث احتفل أغلب الإيرانيين بها ونزل الملايين إلى الشوارع وكان هذا ردا مدبرا وسابقا لمؤتمر وارسو، ذلك أن لسان حال هؤلاء المحتفلين قال: إن الشعب الذي له حضوره بهذا الشكل في الميدان لن يطوله أدنى أذى يدبره له الأعداء.
هذه هي المصادفة الأولى من حيث التاريخ والتوقيت، والتي حملت وشكلت ردا مدبرا ومخططا لوارسو، وإن كان عفويا في أحد وجوهه، أما المصادفة الثانية أن قمة سوتشي الثلاثية تركزت مناقشتها حول ثلاثة ملفات وقضايا هي: اللجنة الدستورية، والوضع في إدلب، والانسحاب الأميركي من شمال شرق سورية، وطبعا قد تبدو هذه العناوين بعيدة عن أجندة «وارسو» بعض الشيء، ولكن في الحقيقة أن هذه الملفات الثلاثة وبالأخص ملفا إدلب والانسحاب الأميركي، إنما يصبان بشكل واضح ومباشر من حيث النتائج في مصب مواجهة عنوان «وارسو» وأهدافه ومراميه وغاياته، ذلك إن إضعاف إيران وتطويقها هو بداهة إضعاف لسورية ولدورها ولاسيما في مواجهة الكيان الإسرائيلي، حيث أراد المهندس الأميركي من «وارسو» وضع المراحل الأخيرة لإخراج «صفقة القرن» التي تكفل تصفية القضية الفلسطينية والقضاء على حقوق الفلسطينيين في العودة والقدس والدولة قضاء مبرما، ما يتيح للكيان الإسرائيلي بعدها أن يصبح المتسيد الوحيد في المنطقة والمقرر لمصائر شعوبها ما يعني في النتيجة والمقدمات، تهميش سورية وإيران وإلغاء دورهما المقاوم والممانع ومحاصرته.
لقد أعاد «وارسو» تفجير الخلافات بين واشنطن والعواصم الأوروبية وصدر بيان هزيل يعبر عن هزالة المؤتمر والمشاركة فيه، وفي هذا السياق أكد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن نحو تسعين بالمئة من الذين شاركوا في مؤتمر وارسو إنما شاركوا رغما عنهم فالجميع كانوا يقولون لنا: إنهم لم يكن لهم خيار آخر في ضوء طبيعة علاقاتهم مع واشنطن وضغوطها المفروضة عليهم.
المهم في الأمر أن واشنطن فشلت من خلال «وارسو» في تحجيم دور إيران في المنطقة، حيث يصب هذا التحجيم لو حصل، أول ما يصب في مصلحة الكيان الإسرائيلي وبالتالي هذا مع غيره من العوامل والأجندات سيفشل الشطر الثاني من عنوان «وارسو» وهو سبل تحقيق السلام في المنطقة.
إذن أخفق «وارسو» في تقليم أظافر إيران هذا أولاً، وثانياً فإن سوتشي إنما ستكون في القريب المنظور مصلحة سورية مئة بالمئة ذلك أن عودة إدلب إلى كنف الدولة السورية وتخليصها من الإرهابيين التي هي إحدى الأجندات التي أكدتها قمة سوتشي وستصبح حقيقة حيث أكد نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في العشرين من شباط أن العملية العسكرية في إدلب أمرا لا مفر منه للقضاء على الإرهابيين.
إن تحرير إدلب سيجعل سورية أكثر قوة وتماسكا وصلابة، تماما مثلما يجعلها الانسحاب الأميركي من شمال شرقها، ومطالبة «سوتشي» ولاسيما روسيا وإيران، بأن تكون هذه المنطقة تحت سيادة الدولة الشرعية، ما هو إلا لتعزيز قوة وتماسك الدولة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن