قضايا وآراء

ترامب على خطا غوبلز

| د. يوسف جاد الحق

في آخر تغريدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 25 شباط الجاري، أعلن أن أحداً لم يجرؤ على قتال الإرهابيين في سورية غيره! والمفارقة المركبة هنا هي أن الرجل لا ينسب هذا «الانتصار» المزعوم إلى أميركا، بل إلى شخصه هو إذ يتحدث بضمير المتكلم بقوله «غيري»، ما يؤكد من جديد حجم تضخم الشخصية «الأنا» لديه، ولا يضيره أبداً أن العالم كله يعرف مدى ما تنطوي عليه أقواله وتصريحاته وتغريداته من أكاذيب وافتراءات.
عوَّدنا ترامب، منذ وصوله إلى «البيت الأسود» ترديد أقوال وتصريحات ينسب فيها إلى نفسه أفعالاً يفاخر بها لم يقم بها أبداً، من هذا القبيل زعمه في واحدة من تغريداته بأنه هو من «هزم الإرهاب في سورية»، وأنه لذلك قرر سحب قواته منها في شمال شرقها! وقوله في تغريدة أخرى «إنه الوحيد الذي يحق له أن يقول إنه هزم الإرهابيين هناك»!
الغريب أن الرجل لا يولي اهتماماً لما يمكن أن تتركه مزاعمه وشطحاته وتغريداته العشوائية من إثر معيب ومخجل لدى المشاهدين والسّامعين في بلاده، وفي شتى أرجاء الأرض.
الرئيس ترامب يعرف أننا نعرف وهو نفسه يعرف أن العالم كله يعرف أنه لا يقول إلا كذباً صراحاً، غير أنه لا يأبه لذلك، بل هو يمعن في الاستزادة منه لسببين:
أولهما: اعتماده على وسائل الميديا الضالعة والتابعة والمأجورة في بلاده كما في معظم أرجاء العالم، وفي مقدمتها جميعاً إعلام «إسرائيل».
ثانيهما: إن الرجل يعتمد مقولة باول يوزف غوبلز، وزير الدعاية والإعلام في ألمانيا الهتلرية إبان الحرب العالمية الثانية الذي كان شعاره «اكذب ثم اكذب ثم اكذب وفي النهاية سوف يصدق الناس».
بوقاحة منقطعة النظير ينسب الرئيس الأميركي من دون خجل أو مراعاة لعقول الآخرين، ما لم يصنعه هو، ولا جنوده في سورية الذين لا يربو عددهم على الألفين، لا غير، وهؤلاء لم يسمع أحد أنهم خاضوا معركة واحدة مع «الإرهابيين» كما أن أحداً في العالم كله، لم يسمع أو يعلم بأن هذه الوحدة الأميركية خسرت جندياً واحداً في معارك رئيسها الدون كيشوتية!
ترى ماذا عن السنوات الثماني التي حارب الجيش السوري فيها الإرهابيين بمختلف تسمياتهم، ومن وراءهم من الداعمين والممولين والمتآمرين على الأرض السورية؟ وماذا عن الآلاف المؤلفة من الشهداء من مدنيين وعسكريين سقوا تربتها الغالية بدمائهم الطاهرة، ذوداً عن الوطن والدولة والعروبة وفلسطين؟ وماذا عن الدمار الذي طال معظم المدن والقرى في كل مكان من سورية على أيدي أعدائها؟ وأين كانت أميركا «ترامب» وجنودها إبان ذلك الروع كله؟
كانت أميركا ترسل طائرتها زاعمة أنها تقوم بإلقاء حممها على «الإرهابيين»، في الوقت الذي كانت تلقيها بالفعل على القوات السورية والحليفة الذاهبة إلى قتال الإرهابيين، ولا ينسى العالم كله أن الطلعات التي كانت تعلن أميركا عن عددها لكي تتقاضى المبالغ الباهظة عنها من حلف أعداء سورية في الخليج، كانت هذه الطائرات تلقي على عصاباتهم وجموعهم صناديق الذخائر والمدافع والدواء والغذاء وسائر ما يلزم أولئك لمواصلة المهمات الإجرامية التي كلفوا القيام بها.
كان دعم أولئك هو عمل أميركا وليس قتالهم، فهم من صنيع أميركا، هي التي جمعتهم من أكثر من ثمانين دولة وجندتهم ومولتهم وقذفت بهم عن طريق تركيا وغيرها إلى الأرض السورية الطاهرة، الأمر الذي صرحت واعترفت به وزيرة خارجية أميركا السابقة هيلاري كلينتون، منافسة ترامب على الرئاسة في الانتخابات الأخيرة عام 2016، وقد عيَّرها هو نفسه بذلك في حمَّى تلك الانتخابات التي جاءت به إلى البيت الأبيض.
ما من أحد في العالم كله، يجهل أن هذا الذي جرى في سورية وعليها على مدى ثماني سنوات حتى الآن، كان صنيع الولايات المتحدة نفسها، ومعها حلفها الشيطاني من صهاينة وأعراب غير مجهولين، وإن هم حاولوا التستر والتخفي والكذب والافتراء.
الآن وبعد أن خابت آمالهم جميعاً في الوصول إلى ما كانت تستهدفه مخططاتهم، بفضل صمود سورية، قيادة وشعباً وجيشاً ومعها حلفاؤها الشرفاء، يظهر على الملأ السيد ترامب ليسرق هذا الانتصار، وينسبه إلى نفسه على نحو أضحك العالم كله لإعلانه أن «جنوده ألحقوا الهزيمة بالمتشددين»!
وكان للإعلام المضلل المنافق دور في ترويج هذه الأكاذيب، تماماً كما كان عليه إبان زمن حرب السنوات الثماني المنصرمة.
يحلو لدونالد ترامب أحياناً التحدث عن الأخلاق والقيم، رياءً ونفاقاً وتضليلاً للرأي العام في داخل بلاده وخارجها. فهل لنا أن نسأل حضرته: هل سرقة انتصارات الآخرين هي على شيء من الخلق أيها السيد الرئيس؟
قيل منذ قديم الزمان: «إن شر البلية ما يضحك»، ولقد أضحكتنا حقاً، وأضحكت العالم كله يا سيد ترامب، ولا يدري أحد ما إذا كان من دفع بك إلى هذا الحضيض المتدني من السلوك والادعاء معاً هم رفاقك وأعوانك ومستشاروك أمثال بولتون وماتيس وبنس وبومبيو وكوشنير، أم كان نتنياهو وشركاه وحاخاماته عند حائط البراق، ثم بعض الأعراب في الشرق البعيد؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن