لا يمكن فهم زيارة الرئيس بشار الأسد لطهران، ضمن سياقات الزيارات البروتوكولية التي تتبادلها القيادات السياسية عادةً، بهدف المجاملة أو حتى التنسيق الروتيني، فالبلدان مرتبطان بغرف مشتركة، وقنوات تنسيق على المستويات العسكرية والسياسية والاقتصادية كافة، كما أن العلاقة الإستراتيجية بينهما اجتازت ما لا يمكن تصوره، من الأفخاخ والتحديات والإغراءات والضغوط التي انصبت على كل منهما في مراحل مختلفة، بهدف إضعاف علاقتهما والنيل منها، لكن التحالف السوري الإيراني رغم كل ذلك، بقي الثابت الأهم في الخريطة الجيوسياسية للمنطقة منذ 40 عاماً.
لذلك لا يمكن تفسير الزيارة بأنها مجرد إعلان عن رسوخ العلاقة وثباتها، فهذا بات من نافل القول، ويمكن التعبير عنه من دون الحاجة لمخاطرة الرئيس الأسد بالسفر جواً في ظل التوتر الذي يزخر به المجال الجوي السوري، بل علينا أن نتوقع وجود حاجةٍ لبلورة قرارات مصيرية، لا يمكن معها الاكتفاء بالرسائل المتبادلة كتابةً أو شفاهاً، بل تستدعي لأهميتها القصوى لقاء القيادتين وجهاً لوجه.
لعل الدلالة الأهم في هذا السياق، استبدال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بقائد الحرس الثوري قاسم سليماني، الذي اختير من بين المسؤولين الإيرانيين ليحضر اجتماعات الرئيس الأسد بكل من قائد الثورة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي ورئيس الجمهورية حسن روحاني، ما يمكن أن نستنتج منه طابع التصعيد المقبلة عليه المنطقة كلها والمواجهة في سورية خصوصاً.
وبالتالي انتصار وجهة نظر التيار الإيراني القائل باستحالة التسوية مع الغرب دون التخلي عن الثوابت الإيرانية، على التيار الذي اعتقد بإمكان إنجاز مثل هذه التسوية، وجني ثمارها الاقتصادية والاستثمارية، دون التخلي عن التزام إيران بقضية الصراع مع إسرائيل، وما يستدعيه ذلك من علاقات تحالف مع دمشق وحزب اللـه والفصائل المسلحة الفلسطينية، وهذه كانت وجهة النظر التي مثلها وزير الخارجية محمد جواد ظريف.
كما تزامنت الزيارة مع وصول مسار المهل الروسية الممنوحة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى منتهاها، فيما يخص تعهده بالقضاء على التنظيمات المتطرفة في محافظة إدلب، التي بدلاً من ذلك سيطرت على كامل مساحة المحافظة، مصفيةً آخر جيوب ما يسمى المعارضة السورية المسلحة «المعتدلة».
يمكننا أيضاً توقع أن تكون أجندة اللقاء بين قائدي محور المقاومة، تضمنت ما رسا عليه صراع مراكز القوى في واشنطن بين ترامب ومعارضيه حول ملف الوجود العسكري الأميركي في سورية، حيث أضحى واضحاً أن الإستراتيجية الأميركية الطامحة لخلق دويلة كردية شرق سورية لن تتغير، رغم إدراك القائمين على تلك الإستراتيجية، مدى ضآلة فرص تحقق ذلك على أرض الواقع، مع العلم أن القيادتين السورية والإيرانية شككتا منذ اللحظة الأولى في جدية ما أعلنته واشنطن من عزمها الانسحاب تماماً من ساحة الصراع في سورية.
لكننا بالمقابل نجزم بأن بند الاعتداءات الجوية الإسرائيلية والرد عليها، احتل نصيب الأسد من محادثات الطرفين، فالزيارة تأتي إثر تصريح الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الجنرال علي شمخاني، الذي رد فيه على ادعاءات رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو حول نجاح سلاح الجو الإسرائيلي في إجهاض التموضع الإيراني في سورية، حيث أكد شمخاني «أن محور المقاومة حقق أكثر من 90 بالمئة من أهدافه على ساحة الصراع في سورية»، متوعداً بارتفاع منسوب الردع السوري الإيراني في مواجهة الهجمات الجوية الإسرائيلية خلال المرحلة المقبلة.
يمكن اعتبار وصف قائد الثورة، التي تحدت الإرادة الأميركية في المنطقة طوال 40 عاماً، للرئيس الأسد بأنه بطل العالم العربي، الملخص الموجز للموقف والمرحلة، فالرئيس الذي نجح في الصمود أمام حلف شكلته الولايات المتحدة من 63 دولة لإسقاط دولته، لن يكتمل انتصاره إلا بكسر العنجهية الصهيونية.