قضايا وآراء

عداء لندن وتيريزا نموذجاً

| د. يوسف جاد الحق

كانت بريطانيا وما زالت، المسبب الرئيسي لكل ما حاق بالعرب عامة، وبالفلسطينيين خاصة، من كوارث ومآس وخسائر في الأرواح ودمار في البنيان والعمران، على مدى ينوف على مئة عام حتى الآن.
ساسة بريطانيا جميعاً، ودونما استثناء، شارك كل منهم بنصيب، بصورة أو بأخرى، في التخطيط التآمري، كما في القرار السياسي، ثم التنفيذ الفعلي الإجرامي بحق هذا الشعب بحماس شديد، ودأب أشد، لا ينبئ إلا عن عداء كامن في نفوسهم، وحقد مضمر في أفئدتهم، وخبث شيطاني يسكن عقولهم.
يكفي أن نتذكر أسماء بعض هؤلاء الساسة ممن سجل التاريخ لهم «فضلهم» على الصهيونية العالمية، وعلى كل من يعادي العرب، حتى إنهم لم يتورعوا عن وضع إمكاناتهم وقدراتهم الذاتية، ومناصبهم الرسمية «الرفيعة» في خدمة أعدائنا عامة، واليهودية العالمية على وجه الخصوص، فكان لذلك كله من التداعيات والتفاعلات ما أوصلنا إلى ما نحن عليه الآن، الغني عن كل بيان. من هؤلاء على سبيل الذكرى، ولكيلا ننسى نحن الذين عايشنا الأحداث والوقائع من جهة، ومن جهة ثانية ما لا ينبغي أن يخفى أو يعتم عليه أو يزوره المؤرخون على أجيالنا القادمة! من هؤلاء لورنس «مجهض الثورة العربية الكبرى»، ثم وعد بلفور ومكماهون ودزرايلي وسايكس وبلدوين وكامبل وتشرشل وإيدن وأرنست بيفن وجون فيلبي ومارجرت تاتشر، وأخيراً في أيامنا هذه توني بلير، عراب الحروب الأخيرة على العراق وسورية وفلسطين وغيرها.
وعندما نقول العرب نستبعد من بينهم المهرولين نحو عدونا الأزلي «إسرائيل» ومن هم وراءها وأمامها، ولن ننسى الإشارة إلى السيدة تيريزا ماي الأخيرة ومواقفها العدائية التي ربما كانت السبب المباشر فيما نعرضه ها هنا.
بطبيعة الحال لم تكن بريطانيا وحدها في إظهار العداء لنا والعمل على التنكيل بنا والسعي لهضم حقوقنا بل سرقتها، كانت هناك دول أخرى كأميركا وفرنسا، غير أن بريطانيا كانت الرائدة لكل ذلك، حتى يصح فيها القول إنها من أوجدت الكيان الصهيوني على أرضنا، وما أعقب هذا الوجود مما لا يجهله أحد.
ها هي رئيس الوزراء البريطانية تيريزا ماي تعلن، منذ شهور في مناسبة قيام ذلك الكيان، في 15 أيار 1948، مباهية ومتفاخرة بأن «بريطانيا هي التي كان لها القسط الأكبر في وجود وطن قومي ودولة لليهود في فلسطين»، متجاهلة بطبيعة الحال أن هذا إنما جرى على حساب شعب قتلته عصابات الصهاينة بدعم من حكومة الانتداب البريطاني آنذاك، وشردت أبناءه تحت كل سماء، وأحلت به من المآسي والمظالم ما لم يسبق إليه من قبل في تاريخ البشر.
أما اليوم فتقف من مسألة بيع السلاح للسعودية موقفاً مغايراً لمواقف الدول الأوروبية التي اجتمعت في بروكسل وأجمعت على التوقف عن تزويد السعودية بالسلاح كيلا تزيد من معاناة الشعب اليمني الذي يتعرض إلى ما يشبه الإبادة الجماعية، وحجة ماي التي هي «العذر الأقبح من ذنب» أن ذلك «يدر أرباحاً مالية على الخزينة البريطانية»!
أما مواقفها من الفلسطينيين وما تشهده هي على الفضائيات ويشهده العالم كله مما يجري على الحدود في غزة وكما في الضفة من قتل واعتقال وإهانات، فضلاً عن استخدام أسلحة «يسمونها محرمة» كالقنابل العنقودية وقنابل الغاز، وهي كيميائية بالمناسبة، فهذا كله لم يحرك شعرة في رأس ماي، وكأنه يجري على سطح كوكب آخر، كلمة استذكار واستياء على الأقل لم تصدر عن هذه السيدة إزاء هذا كله الذي يقع على شعب فلسطين الذي كان أسلافها غير الصالحين السبب المباشر، فهم صانعوه والمشاركون فيه.
وها هي أخيراً تضيف «مأثرة» أخرى لأحبائها الإسرائيليين فتعلن حظر الجناح السياسي لحزب اللـه ووضعه على قائمة الإرهاب، وفيما هي تتجاهل الإرهاب الإسرائيلي الحقيقي على الفلسطينيين وغيرهم من العرب، ترى أن إسرائيل فيما توقعه بهم من أذى لا يحتمله بشر ليس أكثر من دفاع عن النفس!
كنا نحسب أن ماي كامرأة، ربما تكون أقل قسوة من رفاقها، أمثال بلير القاتل، ونحو النساء والأطفال على الأقل!
من المثير للدهشة والعجب ألا نجد بين الساسة الفلسطينيين خاصة من يذهب إلى مطالبة بريطانيا بالمسؤولية عما جرى على يدها، بتواطئها وفعلها، بارتكابها أم الجرائم في هذا العصر.
كيف تذهب بريطانيا من دون أن يطالبها أحد بكشف الحساب عما جنته أيدي زعمائها وساستها، إيقاع العقاب بالجناة أولاً، ثم المطالبة بالتعويض المادي والمعنوي على شعب قتلته وشردته، وما فتئت حتى يومنا هذا تقف بجرأة وقحة وصفاقة إلى جانب الصهاينة المعتدين، تزودهم بالسلاح، وتدعمهم في المحافل الدولية على ظلمهم كما على سرقتهم واغتصابهم للديار الفلسطينية المقدسة.
هذه مسألة ينبغي أن يوليها العرب المخلصون مع الفلسطينيين، الاهتمام الجدير به، أجل لا ينبغي السكوت بعد الآن عن صنيع بريطانيا بحق فلسطين العربية خط الدفاع الأول عن أمة العرب ومقدسات المسلمين والمسيحيين في سائر أرجاء المعمورة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن