الوطنية والخيانة، كلمتان مفهوم كل واحدة منهما نقيض للآخر، كـالكفر والإيمان، والكرم والبخل، والشجاعة والجبن، وهما ممارستان موجودتان منذ بداية ظهور الدول والإمبراطوريات.
الوطنية مفهومٌ أخلاقي، وأحد أوجه الإيثار لدفعها المواطنين إلى التضحية براحتهم، وربما بحياتهم، من أجل بلادهم. رفض ألسدير ماكنتاير مقارنتها بالأخلاقيات، واعتبرها حجر الأساس الذي تقوم عليه الأخيرة. وَصَفها جورج هيغل بـ«المشاعر السياسية»، واعتبر تضحية المرء بفرديته لمصلحة الدولة أعظم اختبارٍ للوطنية، على حين عبر جان جاك روسو عن ارتيابه ممن يُظهرون انتماءهم للإنسانية دون التزامٍ لأقوامهم.
في المقابل، تعتبر الخيانة، واحدةً من أبشع الصفات التي قد يتصف بها الإنسان، فهي مناقضةٌ للوطنية وللأخلاق الحميدة والتربية والمسؤولية وللدين أيضاً، وتتنوع مفاهيمها، فقد تعني أحياناً خرق ونقض الاتفاقات الموجودة بين طرفٍ وطرفٍ آخر، بالإضافة إلى الميل لطرفٍ ثالثٍ في العلاقة الثنائية بين الرجل والمرأة، كما أنها انعدام الثقة تجاه الشخص المقابل، وهي أيضاً عدم الوفاء.
أكثر ما تبرز كلمتا الوطنية والخيانة، في التداول المجتمعي، أثناء أزمات ونكبات تمر بها البلاد، وأيضاً في فترة حروب تتعرض لها، كما يعكس واقع الحال خلال الحرب ضد سورية المستمرة منذ نحو ثماني سنوات، حيث مارست الأغلبية ولا تزال الوطنية بأعلى درجاتها من خلال التضحية بأنفسهم وبالغالي والنفيس لنصرة وطنهم وباتت مثالاً للفخر والاعتزاز، على حين ذهب البعض ولا يزال، في الاتجاه المعاكس عبر الارتماء في أحضان العدو والعمالة له في مقابل الدولار ووعود كاذبة، لا بل استقووا بالعدو المحتل على وطنهم وأبنائه الوطنيين.
أيا كانت المبررات التي يسوقها من باع ضميره وأدار ظهره للوطن، لا يمكن تسمية ما أقدموا عليه إلا خيانة، فعندما يتعلق الأمر بالوطن لا مجال إلا للوطنية والوطنيين، ومن يقدم على الخيانة يستحق أقصى العقوبات ولا شفاعة لمرتكبها مهما كانت منزلته، وثمنها كبير يجب أن يتحمل عبأه، فكل عمل مشين يمكن للمرء أن يجد مبرراً لفاعله إلا خيانة الوطن لا مبرر لها.
ولأن السياسة تفعل فعلها في حالات الحرب وكواليسها، تجاوزت الدولة قاعدة «لا غفران البتة للخونة والعملاء»، وتعالت على الجراح ومدت ولا تزال يدها لمن ضلوا الطريق عسى أن يعودوا إلى جادة الصواب، والكف عن الرقص تارة على حبال الوطنية وأخرى على حبال العدو، خصوصاً أن الأحداث والتجربة الملموسة أثبت ولا تزال أن لا ثقة إطلاقاً بالعدو أيا كان، والمهارة السياسية تقتضي الرهان على الوطن وقيادته فقط، وليس على أي أحد آخر، فالاحتلال إلى زوال مهما طال، والوطن وقيادته فقط من يحقق مصلحة الجميع من دون استثناء.
هؤلاء قد يصحون ويعودون إلى رشدهم، وربما تجبرهم تطورات ومسارات الأحداث على السير في الاتجاه المعاكس، ولكن ستبقى خيانة الوطن والعمالة للعدو وصمة عار تلاحقهم طوال الزمن، وينالون الخسران والعار والخجل في الدنيا والآخرة، رؤوسهم مدفونة في الأرض كالنعاج.