قضايا وآراء

إدارة ترامب تستبيح قواعد النظام العالمي

| د. قحطان السيوفي

منذ أكثر من عامين استطاع رجل الأعمال الأميركي المتهور دونالد ترامب الفوز في الانتخابات الرئاسية والوصول إلى البيت الأبيض. الرئيس ترامب شعاره (أميركا أولاً) يكشف اتجاهاته الشعبوية العنصرية وكراهيته للأجانب، وقد أعلن عن ذلك في برامجه الانتخابية، وقام بتنفيذها تباعا. ترامب استباح قواعد النظام السياسي والاقتصادي العالمي الذي ساهمت الولايات المتحدة في تأسيسه ولا يثق في آلياته ومؤسساته ويسعى بشكل أو بآخر إلى هدمها.
ترامب انسحب من الاتفاقيات الدولية، الاتفاق النووي الإيراني، واتفاقيات التجارة لشرق آسيا..
وهاجم منظمة التجارة العالمية، معتمدا الحمائية التجارية، وأشعل فتيل حرب تجارية، وهو غبر مُقتنع بجدوى الأمم المتحدة، وانسحب من اليونسكو، وغير مُرتاح للاتحاد الأوروبي، ويمارس الضغط على شركائه في الحلف الأطلسي وابتزازهم.
ترامب قرر نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وأوقف كل المساعدات للفلسطينيين. علاقة ترامب بإسرائيل، علاقة بمنظور عقائدي عنصري مُتصهين، وقد شجع العديد من حكام النفط في الخليج على التطبيع مع الكيان الصهيوني في كل المناسبات وآخرها مؤتمر وارسو…
ترامب احتل أراضي سورية ودعم مجموعات انفصالية، ويفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على سورية متوهماً أنه يمكن أن يحقق بهذه العقوبات ما عجزت الحرب الإرهابية الكونية على سورية من تحقيقه… كما يحاول الآن حصار فنزويلا…
نُذكّر هنا بالمحطات الرئيسة التي مر بها النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية التي مهّدت لتحالفات دولية أسست (الأمم المتحدة) وأدت إلى ظهور معسكرين غربي رأسمالي والآخر شرقي اشتراكي. حتى انهار الاتحاد السوفياتي في ثمانينيات القرن الماضي. عملياً الولايات المتحدة عجزت عن فرض أيديولوجيتها وإرادتها على النظام العالمي عموماً. وبنت الصين نموذجها الخاص في التنمية لتصبح قوة اقتصادية عظمى وعملت روسيا لاستعادة قوتها عبر نموذجها السياسي والاجتماعي. وصل ترامب إلى البيت الأبيض لتبرز ظاهرة الترامبية كظاهرة أميركية محلية (شعار أميركا أولاً)، واستباحته لقواعد النظام الدولي السياسة الخارجية لترامب يمارسها بالخطأ بعد الخطأ. وينتقل من مأزق إلى مأزق، وقد انسحب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية التي وقعت سنة 1987 وردّت بالمثل روسيا التي قالت إنها ستطور منظومة جديدة من الصواريخ، ما سيؤجج الحرب الباردة إضافة إلى أنه منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض أعلن موقفه ضد الاتحاد الأوروبي، ومطالبته دول الحلف الأطلسي بزيادة مساهماتها في موازنته.
استخدم ترمب حجة الأمن القومي المثيرة للجدل لتبرير فرضه التعرفات الجمركية على واردات الصلب والألمنيوم، وهي تشمل الواردات من أقرب حلفاء بلاده، ترامب انتهك أنظمة منظمة التجارة العالمية. كما شن حربا تجارية مفتوحة على الصين.
ترامب يحاول جعل الحرب التجارية التي يخوضها، مع الصين، ومع حلفاء أميركا بمنزلة وسيلة لتطويع هذه القوى وخضوعها لشروطه، كرجل يدير العلاقات الأميركية الدولية بمنطق رجل الأعمال الذي يستخدم الضغط بديلاً من الدبلوماسية.
الرفض الأيديولوجي للمبادئ الأساسية للنظام التجاري العالمي من مؤسسها، أي الولايات المتحدة نفسها، سيكون أكثر تدميرا. حيث السياسة الحمائية، والنهج المتعدد الأطراف، والنزعة الانفرادية.
إحدى النتائج المترتبة على سياسات «أميركا أولا» التي يعتمدها ترمب ستكون إيجاد عالم ثنائي القطبية، تكون الصين وروسيا أحد طرفيه والولايات المتحدة الطرف الآخر. ستبذل بكين مزيدا من الجهد لتتحدى مكانة الدولار كعملة احتياطية للعالم.
«سياسة أميركا أولاً ستشجع على الابتعاد عن الدولار الأميركي على المدى الطويل»، وإضفاء طابع السلاح الأكثر وضوحا على الدولار. سيثير غضب الصين، وتنفير المسؤولين الحكوميين والسياسيين وخاصة في أوروبا والشرق الأوسط وآسيا.
رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق، فرانسوا فيون، تحدث عن حاجة أوروبا لدفع اليورو بديلا من الدولار (لأن الدولار العملة الاحتياطية المهيمنة، سيُمكن واشنطن من إملاء السياسة على أوروبا).
بكين عازمة على إيجاد عالم لا يتم فيه تداول كل شيء بالدولار لذلك بدأت الصين في تداول العقود الآجلة للنفط الخام المقومة بالرنمينبي منذ آذار (مارس) 2018، لأن الطلب على النفط والغاز، كبير للغاية يجب تسعيرها بالرنمينبي.
أما داخلياً في الولايات المتحدة فالمشكلة الأشد عمقاً بالنسبة للجمهوريين والديمقراطيين هي التفاوض على تسوية مالية كبرى والذي يحمل في طياته تكاليف أعلى من ممارسة ألعاب حافة الهاوية، ولو كان الثمن التعرض لخطر العجز عن سداد الديون. لأن حاملي الديون السيادية الأميركية سينظرون إلى سندات الخزانة باعتبارها أصولاً محفوفة بالمخاطر.
مدّعون عامون فيدراليون في أميركا طلبوا من لجنة تنصيب دونالد ترامب أن تسلم المدّعين وثائق عن التنصيب وعن الذين تبرعوا لحملة ترامب.
التحقيق الآن يتجاوز تحقيق المحقق الخاص روبرت مولر ليشمل أعمال ترامب وحملته الانتخابية… هل يستطيع ترامب أن ينجو من التحقيق ونتائجه؟ يبدو ذلك صعباً!
إدارة الرئيس دونالد ترامب غريبة الأطوار فقد رفعت شعار «أميركا أولاً» وكأنها في حرب مع طواحين الهواء. ترامب أعلن حالة طوارئ بعد إخفاقه في جمع المال لبناء سور مع المكسيك ويلقى معارضة من الديمقراطيين وبعض الجمهوريين قي الكونغرس. رئيس الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ حذر الرئيس ترامب من المضي في جهوده للحصول على تمويل لبناء الجدار. أما رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي فتحدت ترامب وخاطبته بالقول إن عليه أن يفكر بقضايا داخلية ملحة مثل حمل السلاح..
ترامب زعم أنه انتهى من القضاء على داعش في سورية والعراق، إلا أن الجنرال فوتيل قال لتلفزيون «سي إن إن» أن الإرهاب لا يزال عنده قادة ومسلحون وموارد للقتال وقد يعيد ترتيب صفوفه قريباً.
المحللون يرون أن الاستعداد لجعل جدارة أميركا الائتمانية رهينة لأغراض سياسية محلية من شأنه أن يعجل بانحسار نفوذ الولايات المتحدة على الإدارة الاقتصادية العالمية.
المشهد يشير لتآكل الركيزة الأيديولوجية للتحالف الغربي برمته، ما يمهد الطريق للبحث عن قواعد وآليات نظام عالمي جديد مختلف في ظل التعددية القطبية.
ترامب يطمح للبقاء في البيت الأبيض لولاية ثانية إلا أن احتمالات سقوطه كبيره. ترامب كان كارثة في السياسة الخارجية للعالم: هدم التحالفات الغربية… واستباح قواعد النظام العالمي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن