ثقافة وفن

تم تعيينه مدرساً للآداب والاجتماعيات في مدرسة التجهيز … جميل سلطان.. أبعد ما يكون عن التكلف فلا يكتب إلا متأثراً بعاطفته وشاعراً بالموضوع إلى أبعد حد

| أنس تللو

اسمٌ علمٌ كبير حظيت به أغلفة كتب المدارس في زمن كان العلمُ فيها أثمنَ ما في الوجود، اسمٌ حفلت به قاعات التدريس في المدارس والجامعات حين كانت هذه المهنة مهنةً مقدسة، وكانت هيبة المعلم لا تزال شامخة عالية.
اسم كبير يمنح للتعليم قيمة ويرفع من شؤون التربية والمعارف.
مجمَعٌ علمي متنقل أو قُلْ موسوعةٌ كبيرة كانت تدبُّ على الأرض.
التعليم رسالة سامية ومهنة قديرة ؛ حين يتاح لها من يمارسها كما ينبغي ويعطيها حقها تُنتج عظماء وتخرِّج عباقرة…

كان الدكتور جميل سلطان من أولئك القلائل الأفذاذ الذين غزوا العقول بمعارف وعلوم فتخرج على يديه طلاب نجباء وتتلمذ على كتبه عدد كبير من عاشقي الأدب.
ولد الدكتور جميل سلطان في بدايات القرن العشرين /1909/ وبرع في دراسته فنال الشهادة الجامعية في الحقوق وشهادة كلية الآداب عام 1932، وأوفدته وزارة المعارف إلى فرنسا فنال إجازة ( الليسانس) والدكتوراة في الآداب من جامعة باريس بدرجة (مشرّف جداً)، كما نال شهادة مدرسة اللغات الشرقية في باريس… وانتخب عضواً في المجمع اللغوي للدراسات الجامعية السامية في معهد السوربون في باريس. وكان يتقن اللغة الفرنسية واللغة التركية ويلمّ باللغة الإنكليزية.
تم تعيينه مدرساً للآداب والاجتماعيات في مدرسة التجهيز في أنطاكية، ثم تنقَّل في مدارس التجهيز في دمشق وحمص وحلب حتى عام 1937.
بعد ذلك عُيِّن أستاذا للأدب العربي في دمشق، وبقي في التدريس حتى عام 1945 وكان قد أحس في نفسه ميلاً شديداً إلى الأدب فانصرف يوزع قدراته بين التعليم والأدب، فأثرى المكتبة العربية بمؤلفات أصيلة فريدة.
لكن وزراة المعارف لم تترك هذه الموهبة الكبرى تتفرغ للأدب فتم اختياره ليكون مديرا للمعارف في محافظة حوران، ثم استدعته كلية الآداب ليكون أستاذا فيها، وفي عام 1951 تم اختياره ليكون مديراً عاماً للإذاعة السورية… ثم عاد إلى التدريس في وزارة المعارف وعُيِّن مديراً لمدرسة التجهيز الأولى.
كان الدكتور جميل سلطان أبعد ما يكون عن التكلف فلا يكتب إلا متأثراً بعاطفته وشاعراً بالموضوع إلى أبعد حد… ومن شعره في خريدته ( الربيع) التي تجلت فيها روائع الوصف والمعاني:

يا مطربَ الروضِ غاد الروض جذلانا
واحملْ إلى غصنه سحراً وألحانا
وانقلْ جناحكَ من غصنٍ إلى فننٍ
واشمُمْ من الزهرِ أشكالاً وألوانا
هذا الربيعُ فهل حييتَ مقدَمَهُ
وهل نثرتَ له ورداً وريحانا

كان جل اهتمامه بالأدب فقرأ مؤلفات الكبار وأثرى المكتبة العربية بمؤلفات غزيرة ؛ منها:
ديوان شعر عنوانه (قلب الشاعر) ـــ كتاب (مستهل الآداب) ـــ كتاب (فنون الشعر) وهو في أنواع الشعر العربي المختلفة ـــ أوزان الشعر وقوافيه ـــ الموشحات ـــ أبو تمام ـــ جرير- الحطيئة – النابغة الذبياني – في القصة والمقامة- وله مؤلفات أخرى تتعلق بالتعليم الابتدائي كالاستظهار المصور والقراءة الأدبية.
ويُذكر أن الدكتور جميل سلطان قدَّم في اللغة الفرنسية أوسع دراسة علمية لنهج البلاغة، وهي الرسالة التي نال عليها شهادة الدكتوراة في باريس.
وللدكتور جميل سلطان أيضاً عدد كبير من الكتب المخطوطة… وقدم الكثير من المحاضرات في النوادي الأدبية وكتب العديد من المقالات في المجلات والصحف.
لم يكن المعلم في العهود السالفة مجرد موظف يتقاضى راتبا ليعيش وإنما كان إنساناً له رسالة سامية وطموح مثالي يسعى إلى تحقيقه في الحياة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن