ثقافة وفن

«كم تمنيت لو كنت معي» حوارات معرفية في قصص مختلفة

| سارة سلامة

تقديم الفكرة والمعلومة من خلال قصة مؤثرة هو سبيل لتخزن في الذاكرة والزيادة من ثقافة الأشخاص من خلال الابتعاد عن الطرق الجامدة والصلبة. والاتجاه نحو السلاسة وتقديم معلومة منكهة وسلسة على المتلقي هذا ما حمله كتاب «كم تمنيت لو كنت معي» الصادر عن وزارة الثقافة- الهيئة العامة للكتاب. وهو عبارة عن حوارات معرفية في قصص مختلفة للدكتور هشام سعيد الحلاق.

تلبية حاجات معرفية
ويقول المؤلف في تقديم الكتاب إنه يسعى لتلبية حاجات معرفية متنوعة لدى كثير من القراء- الناشئة خاصة- عبر حوارات ممتعة، تجيب في مضمونها عن كثير من الأسئلة، يتحقق من خلالها الوقوف على حقائق ثقافية مهمة في الإطار العلمي والتربوي، بل الحياتي عامة. في المحتوى وردت موضوعات جاءت على شكل قصص قصيرة هادفة ومشوقة، حملت عناوين رئيسية «قصة الكتابة، كم تمنيت لو كنت معي، الإنسان المخرب للبيئة، شعوب العالم».
وحسب الكتاب محاولته التركيز على الأسس التي تبنى الحوارات عليها، من مثل: وضوح العبارة وصدقها من أجل الوصول إلى الحقيقة، بعد توافر الدلالات الموضوعية المؤدية إليها، وتبيان أهمية التعامل مع المعاني الحقيقية للتفكير الناقد، وما يعني ذلك من انفتاح على أفكار الآخرين، والإقرار بأن لديهم أفكاراً مضافة تثري تلك الحوارات، والتمييز في أثنائها بين التفكير العاطفي وبين التفكير المنطقي.
نأمل أن يكون هذا العمل رافداً معرفياً نوعياً لقرائه، بل لكل المعنيين بالعمل التربوي- من أرباب أسر أو مربين في المؤسسات التربوية المختلفة- بما يحمل من رسائل مختلفة تدعو للاهتمام أكثر بأبنائنا المتعلمين، على أنهم المحور الأساس في العمل التربوي، وبما يجعلهم من أهم صانعي المعرفة، وليس من المتلقين لها فحسب.

كم تمنيت لو كنت معي
وفي بداية هذه القصة استشهد المؤلف بمقولة «ما العالم إلا صفحة بيضاء تلونها المخيلة»!. (ها أنت تكررين أكثر من مرة «كم تمنيت لو كنت معي» حتى قبل أن تسلمي عليّ. فما الأمر يا سلمى؟
لا تستغربي ذلك مني يا هلا فأنا أعني ما أقول عندما سمعتني أردد ذلك؟
ما القصة إذاً.. أخبريني.. هل افتقدتني في أثناء حضورك حفلة عيد ميلاد.. أو عند تلبيتك دعوة عرس مميز لإحدى صديقاتنا؟
لا هذه ولا تلك يا هلا.. بل شاركت مع صديقاتي في الثانوية لأول مرة في ندوة أقامتها مدرستنا ضمن تنفيذها لأنشطة مدرسية، قالت عنها مديرة المدرسة في افتتاحها: «إنها ستكون بداية لرؤى جديدة سنترجم من خلالها الكثير من الشعارات والتوجهات التربوية التي كثيراً ما نسمع عنها فقط ولا نرى تطبيقاً علمياً لها على أرض الواقع! أنها رؤى تهتم أكثر بالمتعلم المحور الأساس في العمل التربوي والشريك الحقيقي في صناعته! وترتقي بأداء المعلم ليتحقق به الهدف الرئيس للتربية: «يجعلها من أجل الحياة».
لم أستوعب كثيراً مما ذكرته من كلام مديرتكم في افتتاح تلك الندوة!
حسناً يا هلا ربما سيكون من المفيد أكثر أن أحدثك مباشرة عن هذه الندوة التي حملت عنوان «التفكير الإبداعي وخصائص المبدعين»!

الإنسان المخرب للطبيعة
وعبر مقولة «غير أفكارك وسوف تغير عالمك»!. بدأ المؤلف هذه القصة التي حملت عنوان «الإنسان المخرب للطبيعة» قائلاً: بحماسة كبيرة بعد تحية طلابه، تناول مدرس العلوم إحدى الطباشير وتقصد أن تكون ذات اللون الأحمر، ثم خط في منتصف السبورة بحروف كبيرة عبارة «الإنسان المخرب»؟
لشدّما كانت دهشة الطلبة عندما شاهدوا وقرؤوا ما كتب على السبورة، وبدأت همسات تصدر عنهم وكأنها تقول:
ماذا يريد أستاذنا من تلك العبارة؟. أهي عنوان لدرس جديد غير موجود في كتابنا المقرر؟ أم ستكون عنواناً لقصة سيرويها لنا؟
ردّ المعلم بعد برهة صمت ليخلص طلابه من حيرة أوقعهم فيها: ستكون هذه العبارة عنوناً لبحث صغير سيقوم بإعداده فريق منكم!
وربما ستجدون في هذا العمل نوعاً من الاختلاف عما اعتاد أحدكم القيام به منفرداً من مثل أدائه لواجب منزلي ما.. أو كتابته لموضوع تعبير بتكليف من مدرس اللغة العربية.. فالبحث الذي نريده هنا سيكون على سبيل المثال عملاً تشاركياً بين عدد منكم، كما سيتم الاعتماد في إنجازه على مراجع علمية من أجل الحصول على معلومات محددة، نبتعد فيها عن العاطفة أو الجنوح إلى الخيال.. وإلى أمور أخرى سأطلعكم عليها بعد حين.

شعوب العالم
وفي هذه القصة يقول المؤلف: «أمام شاشة التلفاز مجموعة من الأصدقاء الشبان تنتظر بدء المباراة المرتقبة بين الفريقين المتنافسين في كرة القدم.
أراك يا أحمد شارداً بذهنك، والمباراة ستبدأ بعد لحظات؟ ما يدهشني يا إبراهيم وأنا أستمع إلى من يقوم بوصف هذه المباراة ويقدم أسماء اللاعبين في كل فريق، هو ذلك الاختلاف بينهم من حيث أشكال أجسادهم وألوان بشرتهم وشعورهم. ما الغرابة في هذا الأمر يا أحمد؟ فكلهم من بني البشر وينتمون كما نعرف من حيث أصولهم وبدايات خلقهم لأبٍ واحد وأمٍ واحدة؟
أنا لا أخالفك في هذه الحقيقة يا إبراهيم، ولكن تفكيري يذهب الآن إلى ذلك الاختلاف الذي ذكرته لك بين هؤلاء اللاعبين! انظر إلى هذا اللاعب ذي البشرة السمراء والشعر الأجعد.. وإلى من هو بجانبه ببشرته البيضاء وشعره الأشقر، بل إلى اللاعب الذي يليهما وبما يختلف عنهما من حيث شكله الظاهري بكل شيء حتى شكل عيونه وتقاطيع وجهه.
اسمعني يا أحمد، لا أريد الآن أن تفسد علينا متعة هذه المباراة التي بدأت منذ دقائق ونحن نتحاور. وأرى أن نرجئ الإجابة عن سؤالك هذا إلى جلسة تكون أكثر هدوءاً عما نحن عليه الآن، واعتقد أن خير ما يفيدنا في توضيح هذا الأمر أخي خالد المتخصص بعلم الاجتماع كما تعرف.
مع انتهاء المباراة وفي منزل إبراهيم بادر هذا الأخير قائلاً: ها نحن الآن وخالد بيننا، وبإمكانك يا أحمد أن تعيد عليه ما كنت تستفسر عنه بشأن الاختلافات التي أثارت دهشتك بين اللاعبين في كل فريق!
حسناً يا أحمد قال خالد: سؤالك لافت وجميل، والإجابة عنه تعيدنا من حيث البدء للحديث عن الإنسان الأول بعد آدم عليه السلام، حيث ترجح الدلائل التي توصل إليها علماء الآثار والتاريخ ودراسة الإنسان القديم: إلى مناطق شرق إفريقية كانت المهد الأول للبشرية منذ نحو خمسة ملايين سنة، انتشر الإنسان بعدها بالأرض ليعمرها ويسود في مناطقها، مستفيداً من قدرته على التكيف مع الظروف البيئية والمناخية المختلفة بينها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن