قضايا وآراء

حقائق وجوه وعوامل الأزمة

| مصطفى محمود النعسان

أكد مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى سورية غير بيدرسون أن التدخل الخارجي عامل كبير في الأزمة السورية.
والحق أن هذا التصريح يحيلنا إلى ثلاث حقائق تستوجب التوقف عندها ومناقشتها وإعطاءها ما تحمل وما تستحق من المعاني والدلالات.
أولى هذه الحقائق أن كل الدلائل والمؤشرات والمعطيات تؤكد أن بيدرسون يختلف كلياً عن الثلاثة الذين سبقوه، وهم كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي وستيفان دي ميستورا، وذلك من حيث حياديته واستقلاليته الفكرية في معالجة الأزمة والتعرف على أسبابها وسبل معالجتها، أو هكذا يظهر على الأقل حتى الآن، وقد بدا هذا واضحاً منذ بدء مهمته في السابع من كانون الثاني الماضي، حيث أكد حين استقبله وزير الخارجية والمغتربين وليد المعلم في الخامس عشر من كانون الثاني الماضي أنه سيبذل قصارى جهده للتوصل إلى حل سياسي للأزمة وشدد على أن العملية السياسية يجب أن تكون بقيادة وملكية سورية وإلا فلن يكتب لها النجاح.
وما يستنتج منذ بدء بيدرسون مهمته وحتى الآن أنه قليل الكلام كثير الفعل على عكس سلفه دي ميستورا ومن سبقه أيضاً حيث كان لديهم تصور مسبق عن الأزمة أنها أزمة داخلية سورية بامتياز وأكثروا من التصريحات التي تصب في هذا الاتجاه وتخدم هذا الهدف تماماً مثلما اتسمت سلوكياتهم ومساعيهم لحل الأزمة بهذا المنحى وتميزت بهذا الطابع.
الحقيقة الثانية فهي أن جميع من سبقوه زيادة على أنهم حملوا تصوراً مسبقاً للمشكلة، كذلك فرضت عليهم أجندات معينة ولعل أهمها الأجندات الأميركية والفرنسية والبريطانية لتمرير مشاريعهم في سورية الأمر الذي رضخوا له جميعاً واستحسنوه ما أدى إلى إخفاقهم في مهمتهم.
وبهذا الصدد فقد اعترف كوفي عنان بعد إنهاء مهمته أنه كان ضحية خداع وأنه استخدم للتمهيد لحرب كان هدفها إسقاط سورية، تولى خلالها تأمين الحماية لمناطق سيطرة الجماعات الإرهابية لأسباب إنسانية.
وسبق أن قالت مصادر أممية في دمشق يوم تولي بيدرسون مهمته أن الأخير دبلوماسي متمرس ومحايد عملياً، ويمكن أن يقوم بمهمته بحيادية وهناك آمال في أن ينجح بمهمته إذا سهل له المجتمع الدولي ذلك، وأضافت المصادر: أما إذا أراد المجتمع الدولي العمل ضمن أجندات فهو يصبح طرفاً وليس وسيطاً، وهنا نصل إلى الحقيقة الثالثة وهي أن تصريح بيدرسون ينطوي ويحمل في ملامحه الإشارة إلى الضغوط التي يتعرض لها من قبل من عرضوها لسابقيه وهذا أمر في غاية البداهة، ذلك أن الأطراف الفاعلة في المجتمع الدولي وبالأخص واشنطن ولندن وباريس لن تترك بيدرسون يمارس حياديته في العمل لحل الأزمة وهذا أحد وجهي تفسير قوله إن التدخل الخارجي عامل كبير في الأزمة السورية.
الوجه الآخر الذي يعبر عنه تصريحه المذكور وهي الأهم أن القول إن تأجيج الصراع في سورية وتزكيته إنما هو بتخطيط أجنبي وعربي لحرف هذا البلد عن خطه المقاوم ومحاولة نزعه استقلالية قراراته السياسية وغير السياسية، وإلا فما معنى أن يتم تسليح ما يسمى المعارضة ودفع الأموال الطائلة لها، ونذكر اعتراف وزير خارجية قطر السابق حمد بن جاسم أن الدوحة أنفقت أكثر من 137 مليار دولار لقلب نظام الحكم في سورية، وما أدرانا لعل المبلغ وصل حالياً إلى مئتي مليار دولار؟
لقد تكالبت أمم الأرض على سورية وتداعت كما تداعى الأكلة على قصعتهم، حيث شاركت عشرات الدول من شتى بقاع العالم وأرسلت مقاتليها لتقاتل الشعب السوري بحجج وذرائع زائفة ما أنزل اللـه بها من سلطان وهي إنما تهدف في المقدمات والنتائج إلى تغيير وجه سورية الحضاري الأصيل المقاوم والممانع وصولاً إلى فرض أجنداتهم عليها ومد مناطق نفوذهم وسيطرتهم حسبما يحلمون ويخيل إليهم، وهذا هو حال رئيس النظام التركي الذي يريد أن يحيي الإمبراطورية العثمانية، وكذلك حال قطر والسعودية وقبل كل هؤلاء محور الشر والعدوان المتمثل بواشنطن وباريس ولندن مع إسرائيل.
ورب قائل يقول: لماذا تتجاهل التدخل الإيراني وكذلك الروسي وهذا الكلام مناف للمنطق، ذلك أن الوجود الإيراني وكذلك الروسي إنما كانا ومازالا بطلب من الحكومة الشرعية وذلك لمجابهة الهجمة الشرسة غير الشرعية التي تعرض ويتعرض لها هذا البلد لتغيير هويته الوطنية ونهجه القومي الأصيل وجعله ذليلاً غير عزيز.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن