قضايا وآراء

فنزويلا ومحاولة نسخ التجربة السورية

| فارس الجيرودي

«بصفتي القائد الأعلى للقوات المسلحة الوطنية البوليفارية، أؤكد سماحي بدخول المساعدات الإنسانية إلى أراضي فنزويلا، ومن ثم آمر بصفتي هذه، جميع عناصر القوات الفنزويلية بالتصرف وفقاً لهذه التعليمات».
كان هذا مقتطفاً من المرسوم الرئاسي رقم 1 الذي أصدره رئيس برلمان فنزويلا المدعوم من واشنطن، والمنتحل لصفة رئيس الجمهورية، الذي عين نفسه وفق ذلك المرسوم قائداً أعلى للجيش والقوات المسلحة، آمراً الجيش الفنزويلي بإدخال شحنة المساعدات الأميركية العالقة عند الحدود، التي رفض الرئيس الشرعي نيكولاس مادورو السماح بإمرارها.
تذكرنا قضية المساعدات التي تريد واشنطن إدخالها عنوةً إلى فنزويلا، بشعار «الممرات الإنسانية» الذي رفعته فصائل المعارضة المسلحة السورية أثناء ذروة الحرب في البلاد، كما يذكرنا تحالف دول «مجموعة ليما» الذي شكلته الولايات المتحدة في وجه كراكاس، بالتحالف المسمى «مجموعة أصدقاء سورية» الذي تشكل ضد الدولة السورية، على حين تتالى تصريحات المسؤولين الأميركيين الهادفة لرفع معنويات المعارضة الفنزويلية، فيتحدث وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عن «أيام مادورو المعدودة» ولا يستبعد نائب الرئيس الأميركي مايك بينس «أي خيار في مواجهة ديكتاتورية مادورو»، وهو محاكاة لما سبق أن قامت به إدارة باراك أوباما السابقة بهدف تسعير نار الحرب السورية وتأجيجها.
بات واضحاً أن الخطة الأميركية تنحو باتجاه عملية «نسخ لصق» لما سبق أن تم تطبيقه خلال التجربة السورية، سواءٌ لجهة تشجيع الطرف اليميني الأكثر تشدداً من المعارضين الفنزويليين، أم لجهة دعم الانشقاقات في الجيش، وتسليح المتظاهرين وتشجيعهم على ممارسة العنف، ذلك على التوازي مع تكثيف الحملات السياسية والتشهير الإعلامي والضغوط الاقتصادية، على حين تتصرف المعارضة المدعومة من واشنطن وكأن الرئيس قد سقط، فتشرع في إصدار المراسيم الرئاسية.
لكن آمال الولايات المتحدة بالنجاح في فنزويلا فيما فشلت فيه في سورية، يضعفها احتمال واحد، هو نجاح الدولة الوطنية الفنزويلية في إجراء علمية «نسخ لصق» للخطة المضادة التي طبقتها الدولة السورية، وخصوصاً لجهة التمسك بالشرعية التي يمثلها «الرئيس»، الذي لو كان قد أبدى أي مؤشر للضعف أو قابلية للتراجع، لكان تلا ذلك انهيار شامل في الجسم الدبلوماسي، واختلال في ولاء المؤسسة العسكرية، ولانهارت الدولة تماماً كما تصور واضعو السيناريو الأميركيون أن يحدث.
من الناحية العملية تمتلك القيادة الفنزويلية فرصاً أكبر في الصمود في وجه الهجمة الأميركية، صحيح أن فنزويلا لا تتمتع بالاكتفاء الذاتي ولا بالاقتصاد الإنتاجي الذي كانت تتمتع به سورية عشية الحرب، وصحيح أنها ترزح تحت ثقل ديون خارجية ضخمة، وهذه كلها نقاط ضعف لم تكن في التجربة السورية، إلا أن افتقاد واشنطن لأدوات جهادية مستعدة لفتح عشرات الجبهات في وجه الجيش الفنزويلي كما فعل مقاتلو تنظيم القاعدة العالمي في وجه الجيش السوري، وتصاعد القدرة الروسية الصينية على مجابهة الجموح الأميركي في العالم، بسبب النجاح الذي سجله التدخل الروسي في سورية، والدفع الذي يقدمه انتصار الدولة الوطنية السورية على مخططات واشنطن وحلفائها لكل من يطمح إلى تحدي الإرادة الأميركية، كلها عوامل موضوعية ترجح نجاح مادرور في تجاوز الأزمة، وفي تحقيق انتصار تتجاوز آثاره حدود فنزويلا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن