أين تسهر هذا المساء؟
عصام داري :
تعمدت في ليلة واحدة أن أتنقل بين مطاعم «خمس نجوم» منها ما يصاحب العشاء مطرب أو أكثر ومنها ما يستبدل بالطرب وجبات فاخرة لذيذة الطعم متقنة الإعداد.
المفاجأة أن الأسعار ليست مرتفعة، فوجبة متوسطة لأربعة أشخاص قد لا يتجاوز سعرها ستة وعشرين ألف ليرة، من دون مطرب، أي ما يعادل سبعة آلاف وخمسمئة ليرة سورية فقط لا غير، وفرحت لأن راتبي الشهري يكفيني لتناول مثل هذه الوجبة أربع مرات في الأسبوع.. ويا بلاش!.
والمفرح أكثر أن المطاعم هذه ممتلئة عن آخرها، ولا مكان لوافد جديد كما كان يردد الصديق المعلق الرياضي الكبير عدنان بوظو.
فرحت لأن البلد بخير وكأننا لا نعيش أجواء حرب شرسة يتعرض لها السوريون من فئة النجمة الواحدة، أو بلا أي نجمة، الذين يستغربون هذا الازدحام على المطعم والكازينوهات والملاهي، و.. عين الحسود فيها عود!.
في وقت من الأوقات كانت الصحف المحلية، وعلى الطريقة المصرية، تخصص زاوية عنوانها: «أين تسهر هذا المساء» وكانت المطاعم والمقاهي والملاهي قليلة نسبيا، أما اليوم فيجب أن تعود صحفنا إلى إحياء تلك الزاوية بعد أن صارت المطاعم وأماكن السهر أكثر من الهم على القلب.
وأتمنى أن تسجل أسماؤها بكل وضوح مع عناوينها الكاملة، ولا بأس لو تم نشر خرائط لها والوجبات التي تشتهر بها والميزات الفنية لها تسهيلاً لوصول الزبائن وعدم إضاعة الوقت في البحث والتمحيص، أو في اختيار نوعية الأطعمة التي يقدمها هذا المطعم أو ذاك، وما البرنامج الفني الذي يرافق السهرات.
الآن وقد وصلت إلى هذه النقطة من زاويتي وصل صديق لي وقرأ ما كتبت فأصابته الدهشة، وأخبرني أنني أنتمي لأصحاب الملايين الذين يمتصون دم الشعب وفي نهاية النهار يذهبون إلى الأماكن التي ذكرتها ويصرفون هذا الدم على الموائد العامرة والليالي الملاح والسهرات الحمراء والملونة!.
كاد قلبي يتوقف عند سماع كلام صديقي الخبير في الشؤون الاجتماعية، فصرخت بأعلى صوتي: ذبحتني يا رجل، هل تقول الحق ولا شيء سوى الحق؟. فحلف لي بأغلظ الأيمان أن ما قاله بعض مما يجري في بلدنا.
وما زاد حزني أنه حدثني عما يعانيه المواطن السوري العادي من أصحاب الدخل المحدود، والمنهوب، في ظل ارتفاع أسعار كل شيء من عود الثقاب إلى لحمة الضأن، وما بينهما.
إثر ذلك أبلغني هذا الصديق أنه في المناطق المحاصرة التي يتغلغل فيها المسلحون بدأت تظهر بدايات مجاعة حقيقية، وصارت ربطة الخبز تباع بألف ليرة أو أكثر و.. و.. و.. فطلبت منه الصمت فوراً قبل أن أصاب بالجنون بشكل رسمي، وقررت أن أشطب ما كتبته وأبحث عن فكرة جديدة تكون مناسبة أكثر من واقع الحال.
لكنني قررت أن أعترف بجهلي لما هو قائم في طول البلاد وعرضها وأنشر هذه الزاوية ولو أنها ستزعج التجار والفجار وبعض المسؤولين عن.. عن ماذا؟.. عن الـلاشيء!.
ورزقي على الله.. وأين تسهر أيها السوري المعتر هذا المساء؟!.