قضايا وآراء

المنظمات المدنية ومقاطعة إسرائيل

| تحسين الحلبي

حين يقارن المرء بين الحملات الضخمة الإسرائيلية الإعلامية والسياسية ضد منظمات مقاطعة البضائع الإسرائيلية الشهيرة باسم منظمات «بي دي إس» أي «مقاطعة سحب استثمارات عقوبات»، وبين صمت وتواطؤ دول عربية كثيرة مع كل ما جرى لشعب فلسطين وقضيته وعدم دعمه لتشكيل أكبر عدد من المنظمات العربية والفلسطينية المماثلة يدرك أن أسلحة كثيرة وذات تأثير كبير تخلى عنها العرب.
فمنظمات «بي دي إس» غير الحكومية المنتشرة لمناهضة الصهيونية والاحتلال الإسرائيلي تقوم بنشاطات جعلت إسرائيل تصرخ في ساحات العالم، وها هو الوزير الإسرائيلي للأمن العام والشؤون الإستراتيجية غليعاد إيردان الذي كلفت وزارته بإزاحة هذه المنظمات عن الوجود يقول في 4 آذار الجاري في مجلة «جويش نيوز سينديكيت» معترفاً بهزيمة إسرائيل أمام النشاط العادل لهذه المنظمات: «لا يمكن أن نصدق أن إرهابيين يقدمون أنفسهم كنشطاء لحقوق الإنسان يتجولون في برلمانات أوروبا وينالون شرعية في تحركهم ودعماً مالياً لنشاطهم»، ويصف إيردان هؤلاء النشطاء «بالإرهابيين» لأنهم يفرضون ضغوطاً في ساحة أوروبا وبرلماناتها ضد إسرائيل.
وطالب إيردان وزراء الأمن الداخلي ووزراء القضاء في عشر دول أوروبية بإيقاف دعم هذه المنظمات غير الحكومية واتهمها بالإرهاب وحدد لهؤلاء الوزراء 13 منظمة دولية تطالب بمقاطعة إسرائيل، واتهم هذه المنظمات بالاستعانة بأسرى فلسطينيين محررين من الأسر ووصفهم بالإرهابيين، ويذكر أن وزارته أعدت 300 موقع إلكتروني ووظفت ما يزيد على 500 مختص بالتدوين في وسائل الاتصالات الاجتماعية لمحاربة هذه المنظمات، وبعث إيردان برسالة إلى وزيرة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبية فيديريكا موغيريني يطلب منها إيقاف أي مساعدات مالية لهذه المنظمات.
أمام هذه الصورة الواضحة يتألم الشعب الفلسطيني الذي يجد نفسه محاصراً في الأراضي المحتلة منذ خمسين عاماً ولا تتأسس في العالم العربي والإسلامي منظمات مماثلة تتحرك في كل الساحات وتطالب بإنصافه وحصار إسرائيل ومقاطعتها بدلاً من استمرار حصارها وتنكرها لحقوقه الإنسانية بل لأدنى هذه الحقوق وهو حقه بالحياة.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية فرضت الحركة الصهيونية قبل نشوء هذا الكيان الإسرائيلي الغاصب لفلسطين، على أوروبا والعالم النص الذي وضعته «للمحرقة» وعدد اليهود الأوروبيين الذين قتلتهم النازية الألمانية، وطالبت جميع حكومات أوروبا بمحاكمة كل من يخالف نصها ومعاقبته بالحبس ومنع نشر أي كتاب أو مقال صحفي أو تصريح يخالف هذا النص ومعاقبة كل من ينشره أو يسمح بإذاعته!
لقد فرضت ابتزازاً على العالم وطالبته بالاعتراف بالحركة الصهيونية كحركة «تحرر وطني» وهي التي حملها الاستعمار إلى فلسطين لاحتلالها وطرد شعبها والاستيلاء على مقدراتها.
ويحزن المرء كثيراً حين يجد أن اتفاقية أوسلو عام 1993 حملت معها ضمنياً شرطاً إسرائيلياً بمنع أي سردية أو شعار بوجود نكبة شعب فلسطين الضحية الواضحة المعالم لأشرس حركة عنصرية وحشية استعمارية هي الحركة الصهيونية، وفي أوسلو تنازلت القيادة المتنفذة بمنظمة التحرير عن حق شعب كامل ليس بـ78 بالمئة من وطنه بل عن حق هذا الشعب بسرديته التاريخية لنكبته التي وقعت ونفذت بمذابحها ضده في الأراضي المحتلة منذ عام 1948.
لقد اتخذ «الكنيست» الإسرائيلي قانوناً يقضي بالحبس على كل من يستحضر ذكرى النكبة بشكل علني ويعد مثل هذا العمل «إرهاباً» و«معاداة للسامية» وللصهيونية.
نكبة شعبنا وقعت على أراضي فلسطين المحتلة عام 1948 ولم تقع في الضفة الغربية التي انتقلت إدارتها إلى الأردن ولا في قطاع غزة الذي كانت إدارته لمصر، ولذلك قال شمعون بيرس بعد اتفاقية أوسلو للوزير يوسي بيلين أحد أهم مهندسي الاتفاقية: إن الفلسطينيين الآن سيكونون قد انتهكوا القانون الإسرائيلي والدولي إذا تحدثوا عن نكبة وقعت لهم في «إسرائيل» لأنهم بعد الاعتراف بها وباحتمال إنشاء دولة لهم في الضفة الغربية وقطاع غزة لم يعد لهم أي تبرير بسردية نكبة في «دولة إسرائيل».
والسؤال هو: هل اتخذت الجامعة العربية ومختلف القمم العربية أي قرار تضع فيه اعتراف العالم بالنكبة شرطاً في العلاقات الدولية إذا كان الخلاف ما زال قائماً في ساحات العالم حول موضوع «المحرقة» فإنه لا يختلف أبداً حول «النكبة» لأنها موجودة في سجلات الأمم المتحدة وقراراتها وحق اللاجئين بالعودة وموجودة في منظمة «أونروا» لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين وهي ساطعة وموثقة بجميع الإثباتات التاريخية والتفصيلية، ولن يتمكن أحد من إزالتها، لكن السؤال هو: ألا يجب أن نمنحها وزنها وسرديتها القانونية ونرفض التنكر لوجودها على مستوى العالم العربي والإسلامي وبالشكل الذي تستحقه أعدل قضية في تاريخ البشرية؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن