سورية

مقاربات نتنياهو الفوضوية

| محمد نادر العمري

انتهت منذ أيام زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى موسكو والتي رافقها ضجة إعلامية مبالغ بها من تل أبيب وأرادها نتنياهو بشكل خاص، هذه الضجة وصلت إلى حد الإيحاء بالقول: إن من شأن هذه الزيارة تحقيق تطلعات الكيان برسم «خطوطه الحمراء» التي طالب بها في سورية، وتحديداً فيما يتعلق بوقف تسليح الجيش السوري بمقدرات ردعية وإنهاء الوجود الإيراني والحد من نقل السلاح النوعي لحزب الله.
فالمتابع لتصريحات نتنياهو بعد لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأثناء جلسة حكومته مؤخراً، يشعر بأنه حقق هذا الانجازات بعد 6 أشهر تقريباً من الجفاء الروسي نتيجة إسقاط الطائرة الروسية في أيلول الماضي بريف اللاذقية، متجاهلاً أو متناسياً الطلبات التي وصلت حد التوسل والرجاء لحدوث مثل هذا اللقاء في المرحلة السابقة.
ربما السمة الأبرز التي تصب بمصلحة نتنياهو من خلال هذه الزيارة هي تقديم نفسه أو إبراز شخصيته أمام الناخب الإسرائيلي بأنه «حاجة ملحة» خلال المرحلة القادمة لإدارة علاقات الكيان مع الدول العظمى للحفاظ على أمنه القومي وفق زعمه، وهذا الدور يمثل أولوية لنتنياهو بهذا التوقيت للتنصل من قضايا الفساد التي تلاحقه وبخاصة بعد تقديم لوائح الاتهام بحقه من المستشار القضائي الإسرائيلي، وازدياد حجم التحدي الانتخابي الذي يواجهه في ظل زيادة الائتلافات والتحالفات التي تهدد مصيره السياسي، دون أن يعني ذلك حصوله على الضوء الأخضر الروسي في تحقيق أهدافه على مستوى السياسة الخارجية وبخاصة توسيع حرية السلوك العدواني تجاه سورية، نظراً لعدة اعتبارات أو أسباب:
أولاً: هو سبب عضوي مرتبط بالداخل الإسرائيلي والمتمثل بعدم جهوزية جيش الاحتلال لتداعيات المواجهة الشاملة في حال تدحرج الأمور وخروجها عن أطرها السابقة، أي عمليات عدوانية دون الحربية، فالتحذيرات بمثل هذه المواجهات تتوارد من مراكز دراسات وقيادات عسكرية إسرائيلية، ولعل أبرزها التقرير السري لمفوض شكاوي الجنود في جيش الاحتلال اللواء احتياطي إسحاق بريك الذي دق من خلاله ناقوس الخطر عبر تحذيره، حسبما سرب منه، عن عدم جهوزية الجيش الإسرائيلي للحرب ولاسيما الذراع البري منه. فضلاً عن ازدياد حالات التسرب والهروب من الخدمة الإلزامية والتي تجاوزت نسبة 29 بالمئة نتيجة تراجع الروح المعنوية لجنود الاحتلال منذ عدوان تموز وتراجع القدرة التفوقية لسلاح الجو في ظل امتلاك محور المقاومة لأسلحة ردعية، وازدياد تراجع نسبة قدراته الاستخباراتية والأمنية.
ثانياً: زيارة الرئيس بشار الأسد إلى إيران والتي تتجاوز في بعض جوانبها السياق الإقليمي، وبخاصة تجاه الكيان الإسرائيلي والذي يتطلب تنسيق واتخاذ قرار عالي المستوى بكيفية الرد على أي عدوان محتمل، ولاسيما أن التصريحات السورية الإيرانية منذ الزيارة المطولة لنائب رئيس الوزراء وزير الخارجية والمغتربين وليد المعلم إلى إيران كانت تتصف بالتحدي والرد الحازم والحاسم.
ثالثاً: مضمون الكلمة التي ألقاها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في «منتدى فالداي» مؤخراً لا تتطابق مع مضمون تصريحات نتنياهو، فالرئيس الروسي أشار في هذه الكلمة: «على أن تخلي سورية عن خدمات حلفائه ومن بينهم إيران يشترط توفير ضمانات أمنية لدمشق، مضيفاً إن على من يريد أن تغادر القوات الإيرانية الأراضي السورية أن يقدم ضمانات لعدم التدخل في الشؤون الداخلية للجمهورية السورية». فالموقف الروسي الذي يمثل عودة أحد الأقطاب الدوليين للنظام الدولي وبما يمثله بوتين من ثبات في مواقفه خلال سنوات الأزمة السورية لا يمكن أن يؤكد تغير هذا الموقف بشكل فجائي خلال زيارة لنتنياهو التي لم تتجاوز ساعات معدودة.
رابعاً تغير قواعد الاشتباك وانعكاس ذلك على موازين القوى الذي فرضه محور المقاومة وأدى لتقييد سلوك المؤسسات الفاعلة والمؤثرة سياسياً وعسكرياً وأمنياً في تل أبيب، وما حصل مؤخراً في غزة هو نموذج مصغر من حجم الخسائر الذي قد تتكبده دولة الاحتلال في حال إقدامها على أي مغامرة، وهو ما حذر منه الأمين العام لحزب اللـه السيد حسن نصر اللـه في رسالته المباشرة إلى نتنياهو عبر لقائه مع قناة الميادين عندما خاطبه قائلاً: «عليك أن تكون حذراً في التمادي فيما تقوم به في سورية، فلا تخطئ التقدير وتجر المنطقة إلى مواجهة كبرى»، فأي حرب خرج أعضاء الحكومة الإسرائيلية يتحدثون عنها بعد زيارة نتنياهو لموسكو؟
من الناحية النظرية فإن الواقع السياسي يفرض أن تفكر الدولة في عواقب وتداعيات أي اعتداء أو عدوان خارجي لتحقيق مصالحها التوسعية أو للهروب خطوة إلى الأمام للتنصل من واقعها الداخلي وتضعها في موازين الربح والخسارة، هذا الميزان الذي تفتقده حكومة الاحتلال في ظل وجود ظروف مفجرة داخلياً تهدد المستقبل السياسي لرئيس الحكومة الحالية الذي يبحث عن سجل تاريخي في أرشيف دولته المزعومة، فضلاً عن تغير الظروف الإقليمية والدولية التي تهدد وجود هذا الكيان، لذلك فإن ما تقدم من أسباب رادعة لأي عدوان قد تكون هي ذاتها أسباب دافعة لشن عدوان قد يقدم عليه نتنياهو، وهذا يشابه تماماً المقاربة أو الإنجاز الذي حاول الترويج له نتنياهو بعد زيارته لموسكو حول المبادرة أو الطرح الروسية، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين ربط كلامه عن «انسحاب القوات الأجنبية من سورية» بالقضاء على الإرهاب في منطقتين هما إدلب وشرق الفرات، ما يقود إلى التفكير بالقوات التركية في إدلب، والأميركية في شرق الفرات. فكيف فسره نتنياهو على أنه ضد إيران؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن