للعشق في دمشق مقامات تروي سيرة سلطان العارفين محيي الدين ابن عربي … أحمد إبراهيم أحمد لـ«الوطن»: لسنا بصدد توثيق بل نطرح حكاية درامية تروي مقتطفات من حياته

رغم انخفاض درجات الحرارة في قلب العاصمة دمشق اتجهنا غرباً إلى يعفور(كفر قوق) لعلها أكثر وأقسى برودة. لتكون باستقبالنا الجبال المكسوة بياضاً، سلكنا طريقنا إلى موقع تصوير مسلسل «مقامات العشق» في مدينة الباسل (كتابة الدكتور محمد البطوش، وإخراج أحمد إبراهيم أحمد.
العمل يروي قصة الشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي على الرغم مما قد تحدثه هذه الشخصية من تبعات، فهي شخصية غريبة في التاريخ قسمت العلماء والفقهاء قسمين منهم من يحبه فيراه الشيخ الأكبر والكبريت الأحمر، ومنهم من يراه الشيخ الأكفر. ولقد ضمت تراب دمشق في الصالحية جسد ابن عربي ليمثل حياً من أكبر أحياء مدينة دمشق حيّ محيي الدين ابن عربي. ويقوم ببطولة الشخصية لجين إسماعيل، على أن يلعب النجم اللبناني يوسف الخال دور علي والده، على حين يقدم مصطفى الخاني الجانب المتطرف والشر المطلق.
ويشارك أيضاً في العمل كل من نسرين طافش وزيناتي قدسية وقمر خلف ونادين خوري وسارة فرح وجهاد سعد وفادي إبراهيم ومحمد حداقي، ومن الأردن عاكف نجم ونادرة عمران ومن لبنان نتاشا شوفاني، ومن النجوم الشباب وسيم قزق ومحمد حمادي ومجدي المقبل، مروة الأطرش وصباح قدورة وساندي نحاس. ويتولى المنتج الفني حمادة جمال الدين مهمة تنفيذ الإنتاج في سورية من خلال شركته «فرح ميديا برودكشن».

تقديم الفكر النير المتسامح

وفي حديثه إلينا يطلعنا المخرج أحمد إبراهيم أحمد عن تفاصيل العمل وحبه للصوفية التي جعلته يندفع بشدة نحوه: «نتناول فكر ابن عربي وليس توثيقاً لحياته. حيث بدأنا بولادته انطلاقاً من الأندلس وتعتبر تلك المرحلة الرئيسية في مدينة مرسية، وانتقاله بعدها إلى إشبيلية لاحقاً ومن ثم عودته إلى مصر والمغرب العربي وتونس ومكة ولاحقاً يذهب إلى العراق وتركيا وبعدها يستقر ويموت في دمشق بعمر 78 عاماً. وفي الحقيقة لا نستطيع تغطية كل مراحل حياته في مسلسل واحد. ولكننا طرحنا 3 مراحل رئيسية، مرحلة الأندلس ومرحلة مكة التي بدأ فيها كتابة الفتوحات المكية حتى المرحلة الثالثة وهي دمشق. التي عاش فيها لسنوات. وأخذ فترة زمنية ليست قليلة في كتابة مجموعة الفتوحات المكية حتى وفاته فيها».
وأضاف أحمد إننا «لسنا بصدد توثيقي لحياة ابن عربي بل نطرح حكاية درامية نعرض خلالها مقتطفات من حياته. والمراحل الرئيسية التي عاشها ونسلط الضوء عليها ونقدم فكره النير الجذاب المتسامح الذي يدعو إلى المحبة كما هو معروف بعكس الفكر الإلغائي والإقصائي الذي يحمله المتشددون مثل «داعش وجبهة النصرة» ومن لف لفهم. ونركز على فكره وتقبله للآخر وتسامحه الذي نحتاجه اليوم لنزيل أي فكر شكله التطرف والتشدد».
أما عن الذين يكفرون هذه الشخصية فيقول أحمد: «من يكفر هذه الشخصية ناس متزمتون ومتشددون. ولسنا بصدد إلغاء أي فكر أو إقصاء اعتقاد لأي مذهب من المذاهب. إنما نطرح فكر ابن عربي الذي يدعو إلى تقبل الآخر فالحياة بالنسبة له كما تلك المقولة «إن خير الأديان هي كل الأديان» لأن الأديان هي من عند اللـه عزّ وجلّ».
ويبين أحمد أن «لديّ اطلاعاً جيداً على المتصوفة وتحديداً شخصية محيي الدين ابن عربي. وقرأت عنه كثيراً قبل العمل وعشت أدق تفاصيله. لأن جديّ كان متأثراً به. وهذا ما دفعني للانجذاب لهذه الشخصية منذ سنوات. لذلك عندما عرض عليّ فكرة المسلسل كانت محببة إليّ جداً والمخرج يكون سعيداً عندما يقدم مادة يحبها».
وفي الحديث عن مواقع التصوير يفيد أحمد إن: «من الصعب الذهاب للأندلس والتصوير هناك نتيجة أمور لها علاقة بالسفر. فقمنا ببناء قصور قريبة جداً من الواقع مثل (قصر ابن رشد) الذي يؤدي شخصيته الممثل عاكف نجم. ولكل عمل تاريخي خصوصية وفي (مقامات العشق) لسنا بصدد عرض فترة تاريخية موثقة ولا يوجد أي صراعات. إلا أننا نقدم مادة فكرية تميز بها الشيخ الأكبر وهو من الناس الخيرين، لذلك لا توجد بالعمل صبغة لها علاقة بالمعارك والقتال بل صبغة فكرية».

فكر ابن عربي
وأطلعنا المؤرخ أحمد المفتي أكثر عن حيثيات وتفاصيل شخصية ابن عربي تاريخياً «لا بد لنا في العصر الحالي من تسليط الضوء على حرية الفكر والبعد عن التطرف وخاصة في عمل يحمل فكر ابن عربي وليس ابن عربي بالضبط، وهناك مشاهد ابتدأ تصويرها من مرسية بالأندلس البلد الذي ولد فيه عام 560 هـ، أيام الطوائف وكان الحاكم محمد ابن مرتنيش ووالده علي في بلاط محمد ابن مرتنيش، وحينما زحف الموحدون إلى مرسية كان عمر ابن عربي 8 أعوام. فانطلق إلى إشبيلية ودرس فيها كل الدراسات القرآنية والفقهية والعلوم الوصفية. وفي هذا المكان بالذات نضجت شخصيته ومن ثم التقى ابن رشد في قرطبة وأخذ منه شيئاً ما. وجاءته قضية الكشف بعمر 18 عاماً، وانتقل برحلته إلى كل البلاد الأندلسية إلى أن وصل فيما بعد إلى تونس ومن ثم عاد إلى الأندلس وبعدها اتجه برحلة طويلة من الإسكندرية إلى مكة وفي مكة جاءه الكشف وخاصة عندما بدأ في كتابة الفتوحات المكية وتعرف هناك على صبية اسمها نظام (نتاشا شوفاني) هي بنت أبي شجاع مكين الدين ابن رستم وهو رجل من أصفهان فأحبها وكتب ديواناً من الشعر اسمه (ترجمان الأشواق)».
وأضاف المفتي: «كانت الدول في ذلك الزمن كما نحن نعيشها اليوم متفرقة ومنقسمة وخاصة البلاد الإسلامية، والحكام بعضهم ضد بعضهم الآخر مع وجود الفكر المتطرف والتشدد الفقهي، لذلك فإن العمل يحمل إسقاطات من الماضي إلى الواقع الحالي. ويتناول العمل 3 محطات رئيسية وهي مرحلة الأندلس ومرسية وإشبيلية وقرطبة ومن ثم ننتقل إلى مكة وبعد ذلك إلى مدينة دمشق، التي وصلها ابن عربي بعمر 60 عاماً وعاش فيها ما يقارب 20 عاماً. وتوفي سنة 638 قرب الجامع الأموي. ثم دفن في الصالحية وإلى الآن معروفة بمنطقة الشيخ محيي الدين ابن عربي. ودفن بجانبه ابنه سعد الدين وابنه الآخر عماد الدين».
ويبين المفتي أن: «شخصية ابن عربي إشكالية لأن التصوف ينقسم إلى ثلاثة أمور الزهد والسني والفلسفي ومن الممكن أن نقول إن ابن عربي كان من فلاسفة الصوفية الذين اتخذوا طريق الفلسفة وخاصة حينما صرح ببعض القضايا الظاهرية التي يظن بها بعض الناس كفراً إنما كان يقصد الباطن. وخاصة حينما قال في مصر (الخير في الوجود والشر في العدم)، فأهدر الفقهاء دمه».
ويشرح المفتي: إن ما يراد من المسلسل «إظهار الصورة البصرية الجميلة وعدم التطرف، وهناك مجموعة من العلماء الذين كتبوا نقيضاً له وهناك من كتب سيرة جميلة ورائعة. لأن العلماء ينقسمون فريقين منهم بين من يراه مؤمناً وآخرون يرونه زنديقاً وكافراً ونحن في العمل نعرض أفكاره من دون أن نقول هذا صحيح أو خطأ إنما نبحث عن ابن عربي بالذات وعما قاله».

لست بمكان غريب
النجم يوسف الخال الذي التقيناه في موقع التصوير يخبرنا عن دوره من خلال شخصية علي والد ابن عربي ويقول: «أجسد من خلال شخصيتي ثلاث مراحل. أولها مرحلة البحث عن الحقيقة والعلم والثقافة. والمرحلة الأخرى نشاهد كيف تختمر الحكايات ويرزق بولد يرى فيه نوراً معيناً وتوقاً للثقافة والتعمم والتجلي. ويضع كل ثقافته بقلب ابنه وبعدها يكمل ابنه الطريق، ويتطلب مني هذا الدور الاطلاع على الشخصية من خلال مراجع وأسئلة كثيرة واستفسارات عن حيثيات الشخصية ونقاشات حدثت مع الكاتب والمخرج والمدققين الموجودين معنا يومياً. لأننا نؤدي أدواراً لشخصيات غير معروفة ولا نعلم كيف تتحرك ونخترع لها أدوات مشيتها وكيف تتحدث وكل التقنيات التي تنبثق من الذي قالوه وليس مني أنا».
وعن السر وراء تأدية الأعمال السورية والتاريخية خاصة يقول الخال: «هناك بعض الأمور تستهوي المخرجين في شخصيتي أو من اللغة أو الاسم أو الأداء أو الثلاثة معاً، وأعتقد أنني مؤهل لأكون في البيئة التي ربيت بها إن كان من ناحية الأم والأب وهي بيئة ليست بعيدة عن الثقافة والفن والأدب والشعر ولست بمكان غريب عن بيئتي».
وعن خصوصية العمل في دمشق قال الخال: «بما أن والدتي سورية أشعر أنني جئت إلى منطقة من لبنان ولا أشعر أنني سافرت. لأن سورية ولبنان جسد واحد ولا فرق بينهما عندي أبداً ولكنني أكون هنا سعيداً أكثر».

شخصية لها مكرمة
وتشرح الفنانة سارة فرح شخصيتها في العمل قائلاً: «أجسد شخصية عتاب وهي فتاة ذكية وجميلة ولديها حشرية كبيرة تجعلها تتدخل بأدق تفاصيل بيت ابن عربي. وهو دور محوري، ولها مواقف جميلة. من ضمنها الأمانة فهي فتاة يوثق بها. ويعتبر ابن عربي العمل التاريخي الأول لي».
وتضيف فرح إن: «الاسم هو الذي دفعني لأداء هذه الشخصية في البداية وشعرت بأنه قريب مني لأن هناك مغنية سعودية أحبها جداً اسمها عتاب وهي من أوليات المغنيات الخليجيات، كما أن الشخصية شدتني، والعمل كله يحمل اسم ابن عربي تلك الشخصية التي لها مكرمة وحالة صوفية ودينية مختلفة».

شاهدة على العصر
وتقوم النجمة نسرين طافش بدور شخصية ست الحسن التي جاءت من مملكة أراغون بمهمة قتل علي ابن عربي فتقع في حبه لما رأت عنده من تسامح ومعتقد ومعاملة حسنة جذبتها لتعشق هذه الشخصية فتتخلى عن مهمتها وتصبح متصوفة ترعى الوالد وابنه حتى أواخر حياته في دمشق.
وتشرح طافش عن تفاصيل شخصيتها أكثر وتقول «هي استثنائية بكل المقاييس حتى بتركيبتها النفسية. وتمر بمراحل عمرية متفاوتة وهذا ما يشكل تحدياً، وهي شاهدة على العصر والراوية للأحداث منذ البداية حتى النهاية وشاهدة على عصر ما قبل ولادة ابن عربي».
وأما النجمة قمر خلف فإنها تقوم بشخصية نور والدة محيي الدين ابن عربي زوجة علي وتتصارع الغيرة في ذاتها من ست الحسن ثم تتفاقم العلاقة ما بين الحب المادي والحب الروحاني. وتبين خلف أن «الشخصية تمر بأربع مراحل عمرية بكل تفاصيلها الزمنية من 25 عاماً إلى 90 عاماً، وهي تجربة مغرية لأي فنان لأنها تتضمن مراحل مختلفة».
كما تجسد النجمة نادين خوري شخصية فاطمة القرطبية حين تقول لنور زوجة علي أنت أمه الترابية وأنا أمه الروحانية.
ويؤدي مصطفى الخاني دور (مارتل-الشيخ حامد) التي تحمل التطرف والتشدد والتكفير حيث تدور الأحداث من بداية العمل إلى نهايته ضمن صراع فكري بين الخير والشرّ بين فكر ابن عربي وفكر الوهابية والتطرف الذي يمثله الشيخ حامد.

جهد وبحث كبيران
ومن جانبه أطلعنا مصمم الديكور أدهم مناوي عن الحقبة الزمنية التي رجع لها: «قمت بالاستعانة بأحد المجلدات من المكتبة الظاهرية وكنت أرجع إلى المؤرخ أحمد المفتي في تثبيت ما أراه، وقرأت عن حياة ابن عربي الكثير. ولأنه شخصية عظيمة تطلب ذلك منا جهداً وبحثاً كبيرين والعودة بالديكور إلى تلك الحقبة، من زخارف وزليج والجدران وبناء المساجد والأسواق وبدأنا تحضيراً في أواخر العام الفائت. واستمرت مرحلة البحث مدة شهر كامل وبعدها دخلنا بمرحلة الأندلس وهي المرحلة الأصعب في العمل. واستعنت ببعض المخطوطات لإنجاز الديكور من السوق وقصر ابن رشد وبيت علي والد محيي الدين. وبيوت بعض الشخصيات إضافة إلى مجلس القضاء الذي كان موجوداً. ومن ثم ننتقل إلى مرحلة أخرى وهي بناء مكة في منطقة (دير علي) ومرحلة أخرى في اللاذقية ودمشق كمساجد وبيوت شامية».