قضايا وآراء

طبيعة الاستقرار القادم

| مازن بلال

صدر قانون الأحزاب في سورية عام 2011، وخلال عام تقريباً بدأت التشكيلات السياسية بالظهور في ظل واقع الاضطراب الذي فرضته الأزمة، وبغض النظر عن كل الانتقادات التي وجهت للقانون، لكنه في المقابل أتاح للأحزاب الكلاسيكية ممارسة علنية وتشكلت بيئة سياسية تحوي تكتلات مختلفة، وحتى عام 2015 كانت هذه البيئة محاصرة بحكم العمليات القتالية العنيفة، وانسداد أي أفق سياسي، ولكن التدخل الروسي أعاد لهذه الأحزاب فرصة العودة للمشاركة على الأقل في عملية التفاوض.
عمليا فإن تلمس الحياة الحزبية في سورية يبدو صعبا، فالقوى التي تشكلت حديثا لم تكتسب شخصية واضحة ومعظمها غير قادر على المنافسة لاعتبارات مختلفة، ولكن قانون الأحزاب أتاح لها التحرك ضمن مساحة «مجهولة» بالنسبة لها وذلك بحكم تجربتها القصيرة، وفضلت معظم القوى الدخول في عملية الشد والجذب ضمن منصات التفاوض في جنيف، فالمؤشرات الأولية التي ظهرت مع البيئة السياسية الجديدة كانت تحمل أمرين:
– الأول يتعلق بالقوى السياسية التي كانت أساساً ضمن التشكيل العام في الجبهة الوطنية التقدمية، مثل القومي الاجتماعي وبعض أجنحة الشيوعي والاشتراكي، وأداؤها استمر على الوتيرة نفسها بعد القانون رغم انتشار مكاتبها وتطور أعدادها، ومشاركة بعضها في المعارك ضد المجموعات المسلحة الإرهابية.
لم تظهر هذه الأحزاب في الخريطة المستحدثة ضمن أي دور مختلف؛ باستثناء عملية الانتشار التي اتضحت مع إجراءات الترخيص، ويبدو أن الفعل السياسي بقي ضمن المفهوم التقليدي في ممارسة مهام محددة على المستوى الأعلى سواء في مجلس الشعب أم في السلطة التنفيذية من خلال مجلس الوزراء، وفي المقابل فإن النشاط الثقافي لها كان يظهر كما في السابق مكثفا أحياناً أو منكفئا وذلك تبعاً للظروف.
– الثاني يرتبط بالقوى الناشئة التي بدت وفق مشهد غريب وإعلامي بالدرجة الأولى، فهي تنشط خلال جولات التفاوض وتختفي مع برود العملية السياسية، وربما لم تحاول اكتشاف الجغرافيا السياسية المتاحة أمامها، لأنها قدمت بالفعل خدمات في المجال الإنساني ولو محدودة، لكن دورها ما يزال غير واضح.
المسألة الأساسية في الدور السياسي للقوى يبدو في تموضعها الذي يحكم علاقتها مع المجتمع بالدرجة الأولى، فهي دخلت الحياة السياسية ضمن تصورات لشكل الدولة والدستور ولغيرها من الأمور المهمة بكل تأكيد، لكنها في المقابل إلى الدولة بذاتها كمؤسسات وبرامج ومظهر ثقافي وحقوق للمجتمع، فالأحزاب الجديدة تعاملت مباشرة مع قمة الهرم السياسي رغم معرفتها بأن الحياة السياسية في ظل الأزمة هشة لأبعد الحدود، وربما لا تكفي أدوار الإغاثة أو المشاركة في جولات التفاوض برعاية أممية لتأسيس مرحلة جديدة.
ما حصل خلال السنوات الماضية هو إرهاصات لإنتاج «نخب سياسية» وليس لتطوير بيئة ضمن نظام تكامل يكتشف المساحات الاجتماعية، فأضيق أدوار القوى السياسية والاجتماعية في عملية التنافس، على حين أوسعها يبدو في تأسيس نظام التكامل بدءاً من المجتمع المحلي ووصولاً للمستوى الوطني، فالموقف السياسي العام من الدستور وشكل الدولة أو غيرها من المواضيع المطروحة لا يمكن تأسيسه عبر تنافس في العملية التفاوضية، إنما من النفاذ إلى عمق العملية التنموية لأنها ليست مجرد إجراءات حكومية بل هي فعل سياسي بامتياز يؤسس لنظام التكامل الذي يمكن أن يخلق الاستقرار.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن