هزت العالم مجدداً جريمة كراهية عنصرية، ارتكبها استرالي يميني متعصب يوم الجمعة الماضي، بحق عشرات المصلين العزل في جامع أثناء تأدية صلاة الجمعة في إحدى مدن نيوزلندا.
الإرهابي الذي تسلح برشاش أوتوماتيكي، مزود بمنظار قنص، صور المشهد كاملا، كما لو أنه يسير ببندقية افتراضية في فضاء ملون للعبة الكترونية، مستخدما تقنية ثلاثية الأبعاد، وهو يستمع لأغنية عنصرية شهيرة ترددت في حرب البوسنة، على لسان العنصريين الصرب تدعو «لقتل الكباب»، وهو مصطلح يقصد به المسلمون الذين صنفهم «كصراصير» وهو ينطلق من سيارته باتجاه مدخل المسجد، قاتلا من وجد في وجهه، ومصوبا على رؤوس الجرحى وصولا لملاحقته البعض لخارج المسجد.
وصفت الشرطة النيوزلندية الجريمة بالمعدة مسبقا، وبتخطيط دقيق، سمح للمنفذ بقتل هذا العدد الكبير من الأبرياء، في عملية تتخطى التوصيف الإرهابي الرسمي للحكومة النيوزلندية، لتوصيف التطهير العنصري والعرقي، والذي تثبت الوقائع مجدداً أن العقل البشري ما زال رغم التطور والانفتاح الثقافي والفكري، ولاسيما في المجتمعات المختلطة، عرضة لأسوأ حالات الانغلاق والتشدد.
جرائم الكراهية، موجودة في كل المجتمعات، والكراهية موجودة بدرجات لدى كل أصناف البشر، وسواء خرج أحدهم ليقول العبارة التقليدية التي بدورنا كررناها مرارا سابقا، والملخصة بأن «هذه الجرائم غريبة عن مجتمعاتنا وأننا مجتمعات تسامح، وقبول بالآخر»، فسواء قالها أحدهم في أستراليا أم نيوزلندا أو لا، إلا أنه من المهم التوقف عند هذين البلدين، واللذين يعتبران من بلدان المهاجرين بتكوينهما الأكبر، الأمر الذي يفترض أن احتمالات هذا النوع من الجرائم يجب أن تكون أقل منها في المجتمعات المحافظة على تكوينها النقي كما في النمط الاسكندنافي أو شرقي أوروبا، أو تلك التي تعاني انقسامات دموية حادة في طبقاتها الدينية والاجتماعية كالهند علي سبيل المثال.
السفاح المجرم، برر دوافع كراهيته بتهديد المسلمين الدموغرافي في أوروبا مستشهدا بمعدل ولاداتهم العالي، وارتكز بالطبع لمقولات عنصرية أخرى، تعتبر التطهير البشري وسيلة من وسائل تحقيق النقاء العنصري، وهي أفكار موجودة في أوروبا، وفي مناطق أخرى من العالم، وموجهة من كل طرف متعصب ضد الطرف الآخر، يعتبر وجوده تهديدا لاستمراريته، ليس وجوديا، وإنما بشكله المنتقى الذي يؤمن أن نقاءه معرض للتشويه.
لذلك فإن وسيلة الممانعة الرئيسية لهذا النوع من التطرف هي في الاختلاط، والانفتاح على الآخر، والانخراط بالمجتمعات الجديدة والانسجام مع تقاليدها الرئيسية، وهي مسائل لسنا بارعين فيها كمسلمين دوماً، خصوصاً في فئاتنا المحافظة التي تعتقد أن عليها العمل لتغيير المجتمعات التي استوطنت بها لا العكس، أو العزوف للانعزالية، والانطوائية، والتحرك في مجموعات صغيرة، والعيش والنمو ضمن دوائر الأسر والمعارف الضيقة.
هذا لا يبرر بالطبع الحقد الأعمى العنصري، الذي لا يمكن التسامح معه، تماما كما هو الحال في الجرائم الكثيرة التي حصلت بأيدي متطرفين إسلاميين، تصرفوا وفق منطق المخلص، لكن استنادا إلى ذهنية الانتقاء الرباني والشعور بالاستثنائية ذاتهما.
كل الأعراق، والأديان مرت وما زالت تمر بهذا الصراع الذي يجادل بين البقاء النقي والاستمرار المهجن، وصولا لنشوء مجتمعات جديدة أو عقائد أكثر تنوعا كما يقول التطور البشري، وربما علينا توقع المزيد، من المآسي، من هذا الاستيقاظ المستعر، لذئاب الانتقام النائمة، بينما مجتمعاتها تحاول ترسيخ تلك العقائد الجديدة.