قضايا وآراء

مأساة إنسانية

| عمار عبد الغني

يتحول الوضع في مخيم الركبان على الحدود الأردنية الذي يعج بعشرات الآلاف من المهجرين وخاصة الأطفال الذين يموتون جوعاً أمام أعين المجتمع الدولي، تدريجياً إلى نوع من قنبلة إنسانية موقوتة مرشّحة للانفجار في أي لحظة في وجه إدارة أميركية عاجزة عن المضي بأي قرار إلى خواتيمه المفترضة.
ورغم أن احتمال تفكيك المخيم، ضمن المعطيات الميدانية القائمة حتى الآن، انتهى إلى أن يكون مرتبطاً عملياً بمآلات القرار الأميركي بالانسحاب من سورية، إلا أن التدهور المأساوي في أوضاع المهجرين المحتجزين المعيشية والصحية داخل المخيم، يجعل من الضرورة بمكان التحرك سريعاً لإنهاء معاناة هؤلاء الذين لاقوا من مرارة الحياة ما لاقوه من نير الاحتلال من جهة، وإجرام عصابات داعش من جهة ثانية.
الحكومة السورية وانطلاقاً من مسؤوليتها تجاه عودة كل المهجرين بفعل الإرهاب إلى مناطقهم أكدت استعدادها ومنذ زمن، لحل المخيم واستقبال سكانه في المناطق التي يختارونها للإقامة وقد أعدت العدد الكافي من المساكن لإقامتهم ووفرت الاحتياطات اللازمة من المواد الغذائية ومياه الشرب والمفروشات والأدوية وعملت على تنظيم قوافل من الحافلات المريحة تتواجد بصورة دائمة على أهبة الاستعداد لإجلاء المهجرين من المخيم. إلا أن ذلك اصطدم بتعنت أميركي رافض لعودتهم، ذلك أن ملف المهجرين بات ورقة أخيرة في يد الإدارة الأميركية للضغط على الدولة السورية، وهي مصممة على المتاجرة بمعاناة المهجرين والبؤس الشديد في مخيمات اللجوء وأشباح الموت البطيء التي تخيّم فوقها، لتحقيق أهداف سياسية وأمنية مكشوفة، واستغلالها مستقبلاً أبشع استغلال كدروع بشرية عند الحاجة، خاصة وأن التطوّرات الأمنية والميدانية تتخذ مساراً متسارعاً، ولا يمكن ضبطه أو التحكم فيه مع تقدّم الزمن.
ما يحصل في مخيم الركبان مأساة إنسانية بكل ما في الكلمة من معنى وهو يعطي صورة حقيقية عن نظرة الإدارة الأميركية لباقي شعوب العالم، تلك الإدارة التي تتلطى بشعارات الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية كوسيلة لتبرير تدخلاتها في شؤون دول أخرى، في حين القتل والتجويع والتشريد هي النتاج الحقيقي لتدخلها وما فعلته في كل حروبها بدءاً بفيتنام مروراً بأفغانستان والعراق وأخيراً في سورية خير دليل على ذلك.
وهنا نسأل أين المنظمات والهيئات الدولية والإنسانية التي تدعي صون الأمن والاستقرار في العالم وحق الشعوب في تقرير مصيرها مما يحصل في مخيم الركبان ولماذا حتى كتابة هذه السطور لم تخرج أي منظمة أو هيئة دولية ولو ببيان إدانة لممارسات واشنطن اللاإنسانية لتحفظ ماء وجهها أمام الرأي العام العالمي؟ الجواب ببساطة أن تلك المنظمات ليست أكثر من أداة طيعة بيد الغرب يستخدمها عند الضرورة كقناع لتبرير استهدافه للدول التي تناهض سياساته.
ما يعني أنه لا يمكن التعويل على المنظمات الدولية للضغط على أميركا لإنهاء معاناة المهجرين في مخيم الركبان، وبالتالي فإن الدولة السورية بالتعاون مع الحلفاء ستواصل العمل بكل الوسائل المتاحة لإعادة المهجرين إلى مناطقهم الأصلية انطلاقاً من مصلحة وطنية، وحقها القانوني بالحرص على مواطنيها، وفي الوقت ذاته فهي ترفض إخضاع هذا الملف الإنساني للمساومة السياسية وخاصة مع الدول التي كانت سبباً في تهجيرهم وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي تنتظر من سورية التفاوض معها لحل هذا الملف وهو الأمر الذي لم ولن يحدث وكما استطاع جيشنا تطهير معظم التراب السوري من الإرهاب فهو لن يألو جهداً في إنهاء مأساة الأهالي في مخيم الركبان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن