رياضة

الاحتلال النازي كان شرارة العداوة التاريخية بينهما.. المانشافت والطواحين أكثر من مجرد قمة كروية

| خالد عرنوس

كثيرة هي المواجهات الكروية الكبيرة التي ينشغل بها الإعلام العالمي فهناك عدد من المباريات التي يطلق عليها لقب (قمة) لأنها تجمع بطلين أو متنافسين على لقب ما أو أنها تحمل طابع المنافسة على زعامة بطولة ما أو تلك التي تتعلق بالأدوار المتقدمة من المونديال على سبيل المثال، وعلى هذا الصعيد هناك عدد لا بأس به من القمم، وهناك نوع آخر من هذه اللقاءات وهي التي تجمع منتخبات الدول المتجاورة جغرافياً على غرار الكلاسيكو الثلاثي بين البرازيل والأورغواي والأرجنتين وعادة ما يطلق عليها اسم الديربي وفي القارة الأوروبية هناك أكثر من موقعة في هذا المجال مثل المواجهة بين الطليان والفرنسيين أو الإسبان والطليان أو حتى الإنكليز والفرنسيين، ولا شك أن إحدى أهم المواجهات التي تحمل كل صفات المنافسة تلك التي تجمع الألمان بالهولنديين.

منافسة مثالية

عندما يلتقي المانشافت مع الطواحين فإن الإثارة تشغل الجميع من أوساط الفريقين ووسائل إعلام البلدين وكل المهتمين بكرة القدم في العالم أجمع ويبدأ الحديث حول مباراتهما قبل أيام ولا ينتهي إلا بعد أيام، وخاصة عندما يتعلق الأمر بمباراة تنافسية على غرار اللقاء الأخير الذي جمعهما بدوري الأمم الأوروبية أواخر العام الماضي والذي انتهى بتعادل مثير على أرض الماكينات وكذلك لقاء اليوم الذي يقام على ملعب يوهان كرويف في أمستردام العاصمة الهولندية في افتتاح مباريات الألمان بالتصفيات الأوروبية.
ويستحق لقاء المنتخبين الألماني والهولندي لقب ديربي الكراهية على الصعيد الدولي نظراً للحساسية الشديدة التي سادت بعض المواجهات السابقة والأحداث التي تصل حد الخروج عن النص بين لاعبي الفريقين كما حدث في نهائيات يورو 1980 أو مونديال 1990 على سبيل المثال على الرغم من أن الكثير من اللاعبين الهولنديين احترفوا ومازال العديد منهم يمارس اللعبة في الأندية الألمانية حيث المستوى والأجور الأعلى، أما الأسباب التي أدت إلى ذلك فهي كثيرة وتعود في معظمها إلى ما حدث بين البلدين في الحرب العالمية الثانية وهما المنتميان إلى القسم الأنجلوسكسوني من أوروبا.

لقاء قديم

يمتد عمر المواجهة بين البلدين كروياً إلى أوائل القرن الماضي ففي الرابع والعشرين من نيسان (أبريل) عام 1910 التقيا ودياً (بالطبع) للمرة الأولى في مدينة أرنهايم الهولندية وانتهى اللقاء بفوز أصحاب الأرض 4/2 وفي تشرين الثاني (نوفمبر) من العام ذاته رد الهولنديون الزيارة فلعبوا بمدينة كليفي وجددوا فوزهم 2/1، وتكررت المواجهات الحبية في ظل غياب المنافسات الرسمية وحتى عام 1937 (ما قبل الحرب) بلغ عدد المواجهات 15 مباراة تقاسم فيها الفريقان الفوز بواقع خمسة انتصارات وتعادلا أربع مرات.
ومع اندلاع الحرب غزا جيش الرايخ الثالث (هتلر) بلاد الأورانج في خطوة توسعية مثلما اجتاح قبلها النمسا وبلداناً أخرى في محاولته للسيطرة على أوروبا ولأن الهولنديين ذاقوا الويلات باتوا يحقدون على جيرانهم الألمان على الرغم من محاولات الجميع نسيان مآسيها، ولم ينس الهولنديون سريعاً ما حل بهم فكان أن تأثر الشعبان بهذه الكراهية وانطبق الأمر على الرياضة وفي مقدمتها اللعبة الشعبية الأولى التي عادت إلى الواجهة مع نهائي مونديال 1974 رغم أن المنتخبين تواجها عقب الحرب في أربع مناسبات ودية كانت الغلبة فيها للألمان (3 انتصارات وخسارة).

خسارة الأفضل

فعلى الأراضي الألمانية التقى المنتخبان من أجل التتويج بكأس العالم وكان سبق ذلك تتويج المانشافت باللقب الأغلى عام 1954 وحل وصيفاً في 1966 وثالثاً عام 1970 وكذلك توج بطلاً لأوروبا 1972 على حين المنتخب الهولندي لم يكن قد شارك في مناسبة كبرى لكنه بلغ نهائي تلك البطولة تزامناً مع تتويج ناديي فينيورد وأياكس بأربعة كؤوس أوروبية متتالية على مستوى أبطال الدوري، والتقى الفريقان في أعظم مناسبة كروية على وجه المعمورة بقيادة عبقريين من أساطين اللعبة تاريخياً ونعني بالطبع يوهان كرويف وفرانز بيكنباور، وثلة من اللاعبين الرائعين أمثال نيسكينز وموللر وماير وريب وهاينيغيم وبونهوف وبرايتنر، وبعد مباراة مثيرة لعب التحكيم دورراً مهماً في تفاصيلها فاز الألمان 2/1 بعدما تقدم نيسكينز من علامة الجزاء للضيوف ورد عليه بالطريقة ذاتها برايتنر قبل أن يسجل جيرد موللر هدفاً ثانياً رغم أفضلية الهولنديين وهو الفوز الذي زاد من تهكم المتوجين وزاد حنق الخاسرين الذين أطلقوا على تلك الخسارة ( أم الهزائم) فكانت أغنية شعبية هولندية تقول «لقد كنا الأفضل .. لقد خسرنا».

الرد بالمثل

وتوالت المواجهات الرسمية ففي مونديال 1978 تعادلا بهدفين لمثلهما ضمن الدور الثاني وبه انتهت رحلة الألمان نسبياً يومها وتقدم الهولنديون، وفي يورو 1980 تقابلا بالدور الأول وفاز المانشافت 3/2 بفضل (هاتريك) كلاوس ألوفس في الطريق نحو النهائي ثم اللقب، وبعد ثماني سنوات تجدد اللقاء في البطولة ذاتها على الأراضي الهولندية ضمن نصف النهائي، وأقيمت المباراة في هامبورغ ورد البرتقالي على خسارة ميونيخ قبل 14 عاماً بالطريقة ذاتها 2/1 بعدما تقدم ماتيوس للمانشافت ورد كويمان بالتعادل وكلاهما من علامة الجزاء وسجل فان باستن هدف الفوز الذي وضع فريقه بالنهائي حيث توج باللقب بعد أيام، واعتبر أبناء الطواحين ذلك الفوز تاريخياً، حتى إن بعضهم وضع لوحة في أول بلدة من هولندا كتب عليها باللغة الألمانية «أنت الآن في بلد أبطال أوروبا»، ولعل اللقطة الأشهر التي أضافت سطراً إلى تاريخ الكراهية تلك التي ظهر فيها الهولندي كويمان «مدرب المنتخب الحالي» يمسح مؤخرته بقميص الألماني أولاف تون.

تبادل أدوار

خلال ثلاثة أعوام تكررت المواجهة ثلاث مرات أخرى بعدما وضعتهما القرعة بمجموعة واحدة بالتصفيات المونديالية وقد سيطر التعادل على اللقاءين فيها قبل أن تجمعهما نهائيات إيطاليا، ففي الدور الثاني فاز المانشافت 2/1 بفضل هدفي كلينسمان ويومها تميزت بالإشكال بين رودي فولر وفرانك رايكارد الذي انتهى بطردهما، ورد الطواحين مجدداً في الدور الأول ليورو 1992 بالفوز 3/1 خلال الدور الأول.
غابت اللقاءات لمدة 12 عاماً حتى جمعهما الدور الأول ليورو 2004 وهناك في البرتغال تعادلا بهدف لمثله وبهذا التعادل اكتمل خروج المانشافت بينما تابع الطواحين مسيرتهم، وبعد ثمانية أعوام تكررت المواجهة ضمن يورو 2012 حيث فاز الألمان 2/1 ويومها تصدر الألمان بثلاثة انتصارات كاملة بينما خرج الهولنديون بثلاث هزائم كأسوأ سجل للطواحين في البطولة القارية.

آخر المواجهات

في دوري أمم أوروبا البطولة المستحدثة جمعت القرعة المنتخبين الجارين مجدداً وزاد في إثارة المواجهة نظام البطولة الذي نص على هبوط صاحب المركز الأخير إلى الدرجة الثانية وكذلك وجود بطل العالم (الفرنسي) معهما في المجموعة ذاتها وذلك بعد سقوط الماكينات من الدور الأول لمونديال روسيا الذي لم يبلغه الهولندي أصلاً، وشاءت القرعة أن يتقابل الفريقان في الجولة الثالثة عقب تعادل المانشافت مع الديوك وفوز الأخير على الطواحين، أي إن الفريقين كانا بحاجة للفوز فكان اللقاء الأول في أمستردام عاصفاً وانتهى هولندياً بثلاثية نظيفة جاء اثنان منها في الدقائق الخمس الأخيرة.
لقاء الإياب كان في ختام منافسات المجموعة وكان المانشافت بحاجـــة إلى الفوز وبنتيجة عريضة بغية الحفاظ على موقعه في التصنيــف الأول بينما لزم على الطواحين الخروج بالتعادل لإنهاء المجموعة بالصدارة، وبدا أن المانشافت الذي لم يحصد أكثر من نقطة واحدة في ثلاث مباريات في طريقــه لتحقيق فوزه الوحيد عقب تقدمه بهدفين بعد 20 دقيقــة فقط، وانتظر الجميع حتى الدقيقة 84 عنــدما أحيا بروميس آمال الهولنديين بتقليص الفارق وفي الدقيقة الأولى من الوقت البديل أدرك فان ديك التعادل الذي أصاب أبناء المدرب يواكيم لوف بالإحباط ومنح بطاقة نصف النهائي للاعبي رونالد كويمان.

حصيلة المواجهات

خلال 108 سنوات سابقة جمعت المنتخبين 42 مباراة بين ودية ورسمية فكان الفوز حليف الألمان 15 مرة والأعلى بنتيجة 7/صفر عام 1959 في كولن وآخرها في يورو 2012 مقابل 11 مرة للهولنديين أعلاها وآخرها 3/صفر العام الفائت، وتعادلا في 16 مناسبة أعلاها بنتيجة 5/5 عام 2012 ومرتين من دون أهداف والأهداف 79/67 لمصلحة الألمان، وتواجها 12 مرة رسمياً فانتهى 4 بفوز المانشافت و3 بفوز الطواحين وتعادلا في 5 مناسبات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن