قضايا وآراء

التصعيد الأميركي ما بين تحسين التموضع السياسي أو الإنذار بحرب شاملة

| محمد نادر العمري

حفلت الساحة السورية في الآونة الأخيرة وبأقل من أسبوع بسلسلة تطورات ومؤشرات لافتة تصب جميعها في خانة التصعيد السياسي والعسكري الأميركي ضد سورية، فهذه الأحداث التي أخذت منحى تصاعدياً وبشكل ديناميكي ومتلاحق لم تكن من قبيل المصادفة، وجميعها تصب في مصلحة الكيان الإسرائيلي وأجنداته، وتجلى ذلك في ثلاث تطورات:
1. التغريدة الترامبية بمنح الكيان الإسرائيلي أحقية بسط سيادته على أراضي الجولان المحتل، ومن ثم تحويل هذه التغريدة إلى إعلان أو مرسوم رئاسي أميركي تم توقيعه بحضور رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي وصفه بأنه خطوة «تاريخية».
2. زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو للمنطقة والمشروع «الفتنوي» الذي تضمنه جدول أعماله في زيارته لبيروت واللهجة «غير دبلوماسية» بالتهديد والوعيد في تصريحه الإعلامي، مخيراً الشعب اللبناني بين فرض العزلة والحصار على حزب اللـه وتهميشه في الساحة اللبنانية أو أن لبنان بكل مكوناته ومؤسساته واتجاهاته سيكون عرضة للعقوبات الأميركية التي تحضر.
3. إعلان دونالد ترامب وبشكل مفاجئ النصر التام على داعش عسكرياً، بعد ثلاثة وعود سابقة لإعلان ذلك، وبعد ستة أشهر من العمليات العسكرية في الباغوز، وما تلا ذلك من كرنفال احتفالي أقامته ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية – قسد» بحضور نائب المبعوث الأميركي الخاص للتحالف الدولي وليام روباك، ومطالبة قسد دمشق ضرورة الاعتراف بإدارتها الذاتية قبل البدء بالحوار السياسي، كرد واضح تضمن رفضها على ما عرضته عليها دمشق مؤخراً أثناء الاجتماع العسكري الثلاثي.
المتابع لهذه التطورات الثلاثة بعيداً عن السردية التوصيفية لها وما شهدته من تجاذبات، يلاحظ النقاط التالية:
أولاً: التطورات الثلاثة تصب في إطار تحسين الأوضاع الداخلية لكل من دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو، فالأول استبق انعقاد المؤتمر الصهيوني السنوي «إيباك» للقيام بهذه الخطوات التصعيدية بما فيها الاعتراف بضم الجولان لكسب تأييد اللوبي الصهيوني نظراً لما يتمتع به هذا اللوبي من تأثير وثقل ضاغط ومؤثر على مؤسسات الدولة العميقة، ولعل أولى تأثيرات هذا اللوبي برز في التبرئة المفاجئة لدونالد ترامب وفق ما أعلنه وزير العدل ويليام بار استناداً لتقرير المحقق الخاص المحامي روبرت مولر بشأن التدخل الروسي المحتمل في الانتخابات الرئاسية للعام 2016، ورغبة ترامب في الاستعانة بهذا اللوبي لتجديد ولايته للمرة الثانية في انتخابات العام القادم وضمان الحصول على كسب دعمهم وتأييدهم، ومن جانب آخر ورغم أن التصعيد الأميركي تجاه سورية ومحور المقاومة وإعلانه تجاه الجولان تعتبر ضمن أولويات وأهداف القوى والأحزاب السياسية الإسرائيلية بمختلف توجهاتها، فإنها من حيث التوقيت تصب بمصلحة بنيامين نتنياهو قبيل بدء الانتخابات الداخلية في نيسان القادم، في ظل ظهور قوى وتيارات وائتلافات سياسية منافسة له تهدد مستقبله السياسي، واشتداد الضغوط عليه بعد ثبات تورطه بقضايا الفساد الأربع وثبات الاتهامات التي وجهت إليه.
ثانياً: هذه التطورات من شأنها تقويض دور الأمم المتحدة في تثبيت الشرعية الدولية وتستهدف ميثاقها التأسيسي وبخاصة حفظ الأمن والسلم الدوليين وحل الأزمات بالطرق والوسائل الدبلوماسية، فقرار ترامب حول الجولان يعارض الإرادة الدولية ويضع الأمم المتحدة أمام تحديات أبرزها تراجع دورها في النظام الدولي وتكريس ظاهرة تخطي القرارات الدولية لتحقيق الأجندات الخارجية للدول، الأمر الذي سيؤدي إلى تفاقم الأزمات الدولية وانتشارها أكثر على الخريطة الدولية، وكذلك دعوة بومبيو للتحريض على حزب اللـه تأتي في سياق التدخل بالشأن الداخلي للدول واستخدام وسائل الضغط لتحقيق ذلك، كما أن استمرار واشنطن بدعم ميليشيات قسد هو مؤشر على استناد الاستراتيجيات الأميركية على سياسة «الحروب بالوكالة» وتشجيع تشكيل كيانات عسكرية خارجة عن إطار مؤسسات الدول لفرضها كأمر واقع كما حصل سابقاً في السودان والصومال وسورية ويحصل اليوم في فنزويلا.
واحتمالية تعميم هذه النماذج الثلاثة على باقي دول العالم التي تقف أمام السياسة الأميركية أو تعرقلها، وسع من دائرة الرفض الدولي الواسع لقرار ترامب حول الجولان وسط صمت واضح لمعظم الأنظمة السياسية العربية أو تصريحات خجولة، لذلك يمكن تفسير هذا الرفض بدوافع متعددة:
– الفاعل السوري وتمثله الدولة السورية ومن الطبيعي أن ترفض هذا القرار ويلجأ إلى الخيارات الدبلوماسية وغير الدبلوماسية للمطالبة بحقوقه والتمسك بسيادته على أراضيه وتحريرها وبخاصة بعد 8 سنوات من الحرب وما شهدته من تداخلات إقليمية ودولية للتحكم في جغرافيته أو تغير مواقفه وطبيعة توجهاته.
– الفاعلون الدوليون والرافضون بشكل قطعي لمثل هذا القرار وتمثله من ناحية روسيا والصين لأن مثل هذا القرار يقوض القانون الدولي ويزيد من شرعنة اللاشرعية في إدارة الأزمات الدولية وتعرض أمنهم القومي للانتهاك من خلال لجوء واشنطن لسلوكيات مشابهة ضدهما، فضلاً عن احتمال تهديد دورهم في هذا النظام وعرقلة مشاريعهم الحيوية من خلال احتمال انتشار الفوضى والحرب، أما الجانب الثاني فتمثله الأمم المتحدة، ففي حال التزمت الصمت على هذا القرار فهذا يعني موافقتها ضمنياً على هذا التوجه، الأمر الذي يزيد من تراجع دورها في حل الأزمات الدولية ما يهدد ديمومتها وفاعليتها.
– فاعلون دوليون وإقليمون ينقسمون لتيارين: الأول تمثله تركيا التي تخشى من اختلال التوازن في المنطقة لمصلحة الكيان الإسرائيلي، ولذلك وجدنا هناك تناقضاً بين تصريحاتها التي صدرت خلال الأيام السابقة وبين سلوكها العدواني، فأنقرة التي لا تخفي عداوتها وخصومتها لدمشق تدعو لاحترام سيادة سورية ووحدة أراضيها، بل الأكثر من ذلك هي لا تخفي أطماعها عبر ما تسميه إرثها التاريخي في الجغرافية الشمالية من الخريطة السورية وتحاول فرض أمر واقع عليه من خلال التنظيمات الإرهابية. أما التيار الثاني فتمثله دول الاتحاد الأوروبي التي تخشى من تعرض أمنها ومصالحها القومية للخطر في حال اندلاع حرب نتيجة مثل هذا القرار، الأمر الذي قد يؤدي لحركة نزوح كبيرة ويقلل من تأثيرها السياسي في ظل الهيمنة الأميركية.
– فاعلون من دول وأحزاب تنتمي لمحور المقاومة، فهذه القوى ترى أن الخيار السلمي لحل الأزمات واسترداد الحقوق وصل إلى أفق مسدود وأن خيار المقاومة بكافة أشكالها هو الوسيلة المثلى لمواجهة أطماع الصهاينة، وضمن هذه الفئة يمكن تصنيف الأحزاب السياسية ذات الإيديولوجية القومية.
ثالثاً: هذا التوجه في التصعيد تم تحديد معالمه والتخطيط له من الصقور اليمينون من الإدارة الأميركية وفي مقدمتهم وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون، وهذا الأخير من المعروف عنه رفضه لدور الأمم المتحدة وموقفه من الشرعية الدولية، فهو الذي احتوى قرار ترامب بالانسحاب من سورية وصاغ تكتيك إعادة التموضع عوضاً عنه، وبلور إعلان الاعتراف الأميركي بسيادة الكيان على الجولان المحتل وفق ما ذكره موقع «ماكلاتشي الأميركي» نقلاً عن مصدر في مكتب نتنياهو الذي سارع لمصافحته مباشرة بعد توقيع الإعلان.
محاولة فرض الأمر الواقع من واشنطن على سورية يأتي في سياق التصعيد الشامل وبذريعة الوجود الإيراني واحتوائه، فمن الاعتراف بسيادة الكيان على الجولان المحتل وإعلان الانتصار على داعش وتبرير بقاء القوات الأميركية تارة للتعاون مع قسد للقضاء على فلوله وتارة أخرى حتى بدء العملية السياسية، ووضع لبنان بين حدي سكين، إما الفتنة الداخلية أو العقوبات القاسية، جميعها تطورات لا يمكن عزلها عن التصعيد الشامل في هذا التوقيت الذي يفرض تساؤل: هل هذه التطورات جاءت كردة فعل أميركية على الاجتماع العسكري الثلاثي الذي انعقد في دمشق؟ أم أن هذه الدول استشعرت تصعيد السلوك الأميركي مسبقاً وسارعت للتحضير لمواجهته؟
أعتقد أن الشق الثاني من السؤال هو الأكثر واقعية، فالتصعيد الأميركي وصل لأوجه وننتظر ردة فعل سورية، ومحور المقاومة يمتلك عنصر المفاجأة وقد ظهر في ربع الساعة الأخيرة، فالأمر الواقع الذي احتفت به تل أبيب وواشنطن، عكره صاروخ واحد من فصائل المقاومة أصاب تل أبيب، واللبيب من الإشارة يفهمُ.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن