الأولى

الجولان السوري المقاوم

| بيروت – محمد عبيد

قد يعتقد رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو أنه استطاع أن يضيف إلى الكيان الإسرائيلي المفترض مساحة إستراتيجية جديدة بعد توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب على قرار الاعتراف بسيادة هذا الكيان على الجولان السوري المحتل.
وقد يؤسس على ذلك أوهاماً كثيرة تصل إلى حدود رسم الخريطة النهائية المستقبلية لهذا الكيان من الجهة الحدودية السورية مع فلسطين المحتلة كما هو الحال مع مصر والأردن، وبالتالي لم يعد يحتاج سوى إلى تطويق لبنان وجره إلى مفاوضات تُخمِد نار المقاومة فيه، ما يمهد الطريق لإخضاع الفلسطينيين ودفعهم إلى الإقرار بأن فلسطين كانت وطناً وهمياً في التاريخ لم تكتب له الولادة، بينما الواقع أن «إسرائيل» هي الحقيقة.
وربما سيعتقد نتنياهو ومن سيخلفه أن توقيع ترامب هو قَدَرٌ لا يمكن لسورية ولحلفائها المقاومين الإفلات منه أو تحديه أو حتى محوه.
بالطبع يبني الإسرائيلي، أي إسرائيلي في أي موقع كان، فرضياته هذه على تراكم اعتقادي تاريخي رافق نشوء هذا الكيان منذ البداية، بأن كل ما تحتاجه إسرائيل للبقاء والتمدد هو وعدٌ غربي مرة بريطاني وأخرى أميركي مصحوباً بالدعم السياسي والإعلامي و«الديني» والتسليحي. لذلك اعتبر نتنياهو أن توقيع ترامب على وثيقتي «القدس» و«الجولان» يساوي وعد «بلفور» ومن ثم فإن تحقيقه حاصل لا محالة كما كان الحال مع الوعد الأول.
ومن حق العدو أن يفترض أن اقتناص فرصة وجود أركان أميركيين متصهينين وعلى رأسهم ترامب في الإدارة الأميركية أمر لا يمكن تكراره ربما، لذا فإن الاستعجال ضروري لفرض وقائع «ورقية» تشكل مستنداً يُحفَظُ في خزنة التفاوض اللاحق على سلامٍ لابد منه كي يتحقق تكريس تلك الوقائع فعلياً. مع العلم أن فرصة مماثلة كانت سانحة من خلال عدوان تموز عام 2006 لو انتهى هذا العدوان إلى تحقيق الأهداف السياسية التي كانت مرجوة منه بولادة «شرق أوسط جديد» كما عبرت حينها وزيرة الخارجية الأميركية كونداليسا رايس، وكلمة السر التي منعت إنجاز هذه الأهداف هي: المقاومة.
أثناء ما سُمي المفاوضات العربية- الإسرائيلية للوصول إلى تسوية سلمية بين الطرفين، كان تحقيق تقدم على المسار السوري يعتبر الممر الإلزامي لفتح الطريق أمام تعميم تلك التسوية على المسارات العربية الأخرى.
حينها طُرِحَ على الرئيس الراحل حافظ الأسد التفاوض لرسم خط الرابع من حزيران، فكان رده أن حدود هذا الخط تقع ضمن مياه بحيرة طبريا التي كانت قدماه تغطس فيها.
كان الراحل المؤسس لخيار المقاومة العسكرية- السياسية في سورية يعلم علم اليقين أن العدو الإسرائيلي سيعيد حساباته بعمق وسيوقف اندفاعته السريعة لإنجاز التسوية الموعودة، فالبحيرة نضبت مياهها، حيث إن الخط الذي تحدث عنه الرئيس الأسد المؤسس تجاوز الحدود التي كان قادة العدو يأملون التفاوض حولها باتجاه فلسطين المحتلة. وهذا ما حصل بالفعل، فقد اعتبر المسؤولون الإسرائيليون أن حساباتهم باءت بالفشل وأنهم توهموا إمكانية جر سورية إلى تسوية بشروط جغرافية-سياسية وفقاً للمصالح الإسرائيلية.
من المؤكد أن الرئيس حافظ الأسد الذي كان يُعرف بدقة قراءته للوقائع وامتلاكه لحدس استشراف المستقبل، أراد أن يُثَبتَ معادلة التمسك بالحقوق حتى أبعد شبرٍ من الأرض وأيضاً إلى آخر نقطة من مياه الأرض العربية، ولو استسهل القبول بما توافر من العروض التي كان ظاهرها سخياً وباطنها ملغوماً بالتلاعب في الجغرافيا والتاريخ والمستقبل المشوه الذي رفض الرئيس الأسد المؤسس توريثه للأجيال العربية كافة وبالأخص السورية، لكان العدو الإسرائيلي ينعم اليوم بالقوة والسيادة على معظم شعوب الأمة العربية تحت مسمى السلام.
إذاً المعادلة السورية تأسست ومستمرة مع الرئيس بشار الأسد على أساس المفاضلة بين التحرير بالمقاومة أو التسوية بالإذعان، بين استعادة الحقوق كاملة أو القبول بما يُعرَض منها، بين امتلاك كامل السيادة أو العيش بسيادة منقوصة، بين الحفاظ على القرار الحر أو تفويض قرار الوطن والأمة لأعدائها. ومع حالة الجولان المستجدة على الورق الأميركي ستبقى هذه المعادلة هي ميزان سورية في مقاربتها لهذه الحالة.
ربما سيمنح هذا التوقيع الأميركي في ظل وجود إدارة ترامب كيان العدو الإسرائيلي إحساساً مؤقتاً بالنصر السياسي، لكن من المستحيل أن يوفر لشعب هذا الكيان الأمن الذي ينشده، أو أن يضمن له مستقبلاً، أو أن يطمئنه على وجوده، ذلك أنه لم يعد هناك من حاجة للبحث في موضوع «التسوية السلمية» بعدما سقطت المعادلة التي كانت تقوم عليها هذه التسوية في التسعينيات وهي «الأرض مقابل السلام».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن