قضايا وآراء

قرار ترامب حول الجولان جعله وحيداً بمواجهة المجتمع الدولي

| د. قحطان السيوفي

قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بمنح إسرائيل اعترافاً أميركياً بأن الجولان أرض إسرائيلية؛ قرار عنصري يستبيح القانون الدولي ويضع ترامب وحيداً في مواجهة المجتمع الدولي.
يشكل الجولان محافظة من محافظات الجمهورية العربية السورية التي مركزها مدينة القنيطرة وهذه المحافظة تمتاز بخصب أراضيها وبغزارة مواردها المائية. احتلت إسرائيل، في حرب حزيران عام 1967، جزءا كبيراً من الجولان السوري، وضمته في 1981 في خطوة أعلن مجلس الأمن أنها «باطلة وملغاة وبلا أثر قانوني دولي» واتخذ مجلس الأمن الدولي القرار رقم 497 بالإجماع في 17 كانون الأول 1981 رفضا للخطوة الإسرائيلية بضم هضبة الجولان.
فرض الكيان الإسرائيلي المُحتل الجنسية الإسرائيلية على المواطنين السوريين الذين تمسكوا بأرضهم ورفضوا الخروج منها في تصرّف يحمل سمة العنصرية. في إطار الجريمة الإسرائيلية التي طاولت الجولان أرضاً وشعباً، فهجّرت أغلب أهله واستولت على ممتلكاتهم، ما يُعد جريمة بحق الإنسانية بحق المدنيين.
وقّع ترامب قي 25 آذار الماضي، بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مرسوماً يمنح إسرائيل اعترافاً أميركياً بأن الجولان أرض إسرائيلية، ما شكّل تحولاً كبيراً وخطيراً في سياسة أميركية استمرت عشرات السنين حيال الوضع القانوني للجولان. مثيراً موجة من الاحتجاجات في العالم ضد هذا القرار الذي يأتي في أعقاب قراره نهاية عام 2017 الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ولقي القرار الأميركي رفضاً كبيراً واسع النطاق من كل الدول الإقليمية والدولية، لأنه يعد تجاوزاً كبيراً للقانون الدولي الذي ينظم العلاقات بين الدول، ويحرّم ضم أراضٍ محتلة، ويفتح الباب واسعاً أمام العبث بمنظومة العلاقات الدولية، ويقضي على أي آمال في التوصل لحلول للصراع العربي الإسرائيلي وفق قرارات الأمم المتحدة التي تعتبر الجولان أرضاً محتلة تجب إعادتها إلى سورية.
اعتبرت الجمهورية العربية السورية إعلان ترامب «اعتداء صارخاً على سيادة سورية ووحدة أراضيها، ويأتي القرار الأميركي تجسيداً للتحالف العضوي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، في العداء المستحكم للأمة العربية، الذي يجعل من الولايات المتحدة العدو الرئيسي للعرب من خلال الدعم اللامحدود والحماية التي تقدّمها الإدارات الأميركية المتعاقبة للكيان الإسرائيلي الغاصب». وقال وزير خارجية الجمهورية العربية السورية إن «ترامب وإدارته برهنوا أنهم عامل هيمنة على المجتمع الدولي، واستمرار هذه السياسة يعطي رسالة للعرب أن اليوم الجولان، وغداً لا نعلم ماذا يريد»، ومهما مرت السنوات فلن يغيّر ذلك شيئاً من حقيقة أن الجولان أرض سورية محتلة، وأن الجولان المحتل محصن بدعم شعبنا وصمود قواتنا المسلحة.
ووصفت حكومة الجمهورية العربية السورية في خطاب طلبت فيه عقد اجتماع لمجلس الأمن، القرار الأميركي بأنه «انتهاك سافر» لقرارات المجلس. اجتمع مجلس الأمن الدولي يوم 27 آذار 2019 خلال جلسة طارئة لبحث قرار ترامب. وجدت الولايات المتحدة نفسها وحيدة معزولة عن بقية أعضاء مجلس الأمن الدولي بسبب قرارها الاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان، إذ لقي القرار اعتراضا من بقية دول المجلس حيث قال فلاديمير سافرونكوف نائب المندوب الروسي «إن الولايات المتحدة انتهكت قرارات المنظمة الدولية وحذر من أنها قد تؤجج انعدام الاستقرار في الشرق الأوسط». كما أدانت إيران بشدة قرار ترامب الجائر، وقالت مندوبة بريطانيا بالأمم المتحدة أمام مجلس الأمن إن القرار الأميركي انتهاك لقرار عام 1981.
بالمقابل إن الدول الأوروبية الأعضاء في المجلس، ومن ضمنها فرنسا وألمانيا، عبرت عن مخاوفها من حدوث «عواقب أوسع نطاقا من جراء الاعتراف بالضم غير القانوني» ومن التداعيات الإقليمية الأوسع قالت في بيان رسمي «لا نعترف بسيادة إسرائيل في المناطق التي تحتلها منذ 1967، بما في ذلك هضبة الجولان»، وأجمع ممثلو الدول الأعضاء في مجلس الأمن على أن «ضم الأراضي بالقوة يحظره القانون الدولي». وإن «أي إعلان بشأن تغيير الحدود من جانب واحد يتعارض مع قواعد النظام الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وأعلن الرئيس اللبناني ميشال عون، أن اعتراف واشنطن بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان يتناقض مع القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن، مضيفاً «الأمة العربية تعيش يوماً أسود بسبب قرار ترامب حول اعتراف واشنطن بسيادة إسرائيل على الجولان» ودعا الأمين العام لحزب اللـه حسن نصر اللـه الثلاثاء إلى اعتماد خيار «المقاومة». كما قال المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، إن الأمين العام أنطونيو غوتيريس «واضح (في القول) إن وضع الجولان لم يتغير». وأضاف: «سياسة الأمم المتحدة بشأن الجولان انعكست في قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وتلك السياسة لم تتغير».
وقال مندوب الجمهورية العربية السورية إلى الأمم المتحدة بشار الجعفري، خلال جلسة مجلس الأمن «إذا أرادت الإدارة الأميركية أن تُظهر الكرَم لإسرائيل، فعليها ألا تتطاول على ما لا تملك»، وأضاف: «مساحتها واسعة ومترامية الأطراف وبالتالي فلتتنازل عن ولاية أو ولايتين من الولايات الأميركية لإسرائيل، ما دامت حريصة على رضاها عنها» المشهد الدولي، في ظل قرار ترامب العنصري يشير إلى أن: قرار ترامب الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان باطل لأنه مخالف للقانون الدولي، وإلى عدم اعتراف الدول بوضع غير قانوني، وبالتالي ليس له أي أثر قانوني.
قرار ترامب خروج عن الإجماع الدولي بشأن الجولان الذي تعتبره الأمم المتحدة بموجب قرارات أصدرتها أرضا محتلة.
قرار ترامب نوع من الاستعراض الإعلامي بالدرجة الأولى، قبل أن يكون سياسيا لمصلحة نتنياهو، نظرا للمأزق الانتخابي الذي يعيشه، كما يستخدمه ترامب ليستميل به «اللوبي الصهيوني» في الداخل الأميركي، للبقاء في الحكم لفترة ثانية. إدارة ترامب وجدت نفسها معزولة في مجلس الأمن بعد قرارها الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان وقرار ترامب كشف حقيقة المخطط الأميركي ضد سورية بشكل خاص والمنطقة بأكملها والرامي إلى نشر الفوضى والدمار في المنطقة وترسيخ واقع جديد.
قرار ترامب كشف الهدف الأساس من الحرب الإرهابية الكونية على سورية، وهو ترسيخ الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية وضمان استمراره وفق أجندة تقودها الولايات المتحدة لنشر ما سمي «الفوضى الخلاقة» و«الشرق الأوسط الجديد» قرار ترمب دعم للحرب الإرهابية الكونية على سورية أي دعم للإرهابيين وتنظيماتهم المتعددة التسميات والولاءات أبرزها تنظيما «داعش» وجبهة النصرة الإرهابيان، وشن اعتداءات على الأراضي السورية وكذلك من خلال «التحالف الدولي» غير الشرعي الذي ارتكب جرائم حرب وجرائم بحق الإنسانية بحق المدنيين، قرار ترامب دعم للإرهاب الاقتصادي الذي تجسده العقوبات الاقتصادية القسرية الجائرة بهدف إضعاف الدولة السورية ومؤسساتها.
أخيراً أقول للرئيس الأميركي ترامب الذي كشف عن نزعته العنصرية المتصهينة ما قالته الشاعرة السورية نهلة طربيه:
جولان، يا راعي البقر الأميركي؟
الجولان أَكُفُّ أجدادنا المصبوغة بترابه الأحمر
وثلوجُ جبل الشيخ لغتنا التي تجهلها..
تقتلكَ لو دنوْتَ منها
قوّةُ « آية الكرسيّ» فيها..
ولونُ سلام « طفل المذود» فيها
وطني السوريّ حين يصمتُ وإذا ما تكلَّم..
وطنٌ كابوسُكَ كلّما حَلُمْتَ فاحذر النّومَ وهلّا بقيْتَ تسهرْ.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن