ثقافة وفن

محمد عامر مارديني في حموضة معدة .. لوحات تختصر الكثير من أوجاع السوريين

| ميس الكريدي

عنوان رمزي لإحدى المقطوعات الغنية في الكتاب الصادر عن دار الشرق لعام 2019، بتوقيع الدكتور محمد عامر مارديني وبمقدمة تتحدث عن فكره النير قدمها له الدكتور نبيل طعمة صاحب الوجه التنويري الرائد في سورية..
وهذا الكتاب الذي عكس رؤية مجتمعية مسؤولة تجاه الوطن يعكس وجهة نظر الدكتور مارديني مؤلف الكتاب من خلال التقاطات حميمية ومن واقع البيئة السورية البسيطة.. حيث يبدي الكاتب حنينه من خلال جعل المكان حاضرا في المقولة، كما في حموضة معدة حيث يحضر المطعم في عين الفيجة بتفاصيل توضح تعلق الكاتب بالبيئة ومنتجاتها وصولا إلى صديقه القديم الذي لم يكمل تعليمه ولكنه طلب منه وهو المثقف والأستاذ الجامعي أن يساعده في الحصول على شهادة عليا لأنه يمتلك المال الذي يمنحه قدرة شرائية وبالتالي لاستكمال البرستيج بسطوة المال وليس العقل.

وفي مادة أخرى عنونها بأنفلونزا الحمير يلحظ الكاتب عمليات التشويه التي مارسها الإنسان على طبائع الكائنات وتدخله بالتوازن الحيوي وتدخل العامل الاقتصادي الذي عكس وحشية آليات الجشع البشري. وحيث إن ما أحاول استعراضه هو لمحات سريعة من المواد الثرية ضمن الكتاب فسيعذرني الكاتب الدكتور مارديني إذا اجتزأت مما قاله حيث لن أتمكن من عملية العرض الشامل رغم تحيزي لسرد كل القصص الطريفة التي أوردها الكاتب في سياق مجتمعي نقدي طريف وخفيف الظل، لكنه يحمل وزنا معنويا جادا.
وقد يكون من الأهمية بمكان تناول قصة حسين أو العكيد أبو باراك كما سماه المؤلف.. حيث يتوقف عند استخدام إحدى القنوات العربية لهذا المصطلح ولا يغفل التطرق إلى التطبيل والتزمير لدى القنوات العاربة والمستعربة يوم تنصيب باراك حسين أوباما، وفي تعبير واضح يلفت النظر إلى أننا لسنا كعرب نرتدي قبعتنا بل نعمد إلى أن نلبسها لغيرنا ونصدقها. ونهلل للمسلم باراك حسين أوباما لأنه ابن حسين وننسى أنه الأميركي الذي سيحكم الولايات المتحدة.
ويعود الدكتور مارديني لنقد المجتمعات أو على وجه الدقة مجتمعنا السوري والأداء من خلال الملاحظات المباشرة اليومية بلغة قابلة للوصول إلى أوسع شريحة ممكنة، فيتحدث عن الطفل في حضن والده خلف مقود السيارة والطفل الثاني وقد أخرج رأسه من فتحة السقف والنزهة المرافقة للشاورما التي تلتهمها الوالدة الضخمة والوالد الرافض للنقد ولو كان لأجل حماية أطفاله.
ويعمد الكاتب وهو الأستاذ في كلية الصيدلة إلى نقد واقع مهنة الصيدلة ويعلنها في مهب الريح ويقرأ إعلانا على واجهة إحدى الصيدليات «مطلوب شهادة صيدلة من دون دوام للراغبين الاتصال بالرقم».
ثم ينتقل إلى قصته هو مع قريبته التي استشارته في مرضها ونصحها بطبيب ومن دون أن تدفع لكشفية لكنها وثقت بالصيدلية في الجوار.
في هذه المجموعة التي يقدمها الدكتور مارديني لمحات من الحياة تماما مثل الكوميديا السوداء ولكن بحرفية لغوية عالية رغم سلاستها، محاولا الاحاطة بمعظم جوانب الحياة فيتطرق للوحدة بعد فقد الأم ونقص الحنان الذي أوصل أحد أبطال قصص المؤلف القصيرة إلى باب امرأة تعمل في مهنة بيع الحنان بالدولار.
ولعل من المهم أن نمر على لوحته «شفاف ولكن» التي اختصر فيها كثيراً من أوجاع السوريين عبر الحديث عن الشفاف المطل علينا من الشاشات وكوميديا الموقف لحظة التسوق في المطار وإعلان الكاتب رفضه للمساومة بلمحة كوميدية ذكية تتلخص في حوار صغير قبل أن يحاسب الشفاف على مشترياته.
وأثناء العبور بين دفتي هذا الكتاب الشائق.. تستوقفني حكاية العصاميين الجدد والقدامى ومفهوم العصامية، وتطوره وفق سلوك يعكس الانحدار في القيم والمبادئ، وقد عنون الكاتب هذه اللمحة «تعلم العصامية في أسبوع».
ومازلت خلال البحث بين دفتي هذه الحكايات أنتقي وأقدم لكم باختصار ما أراد قوله المؤلف:
و«طرفة حماتي» التي هي أيضاً تعبير عن البيئة المحلية التي ينتمي لها الكاتب والمعاناة المشتركة للسوريين فيتحدث الكاتب في هذه الطرفة عن محبته وولعه بكرة القدم ثم يتطرق إلى العاطفة التشجيعية بين المحلي والعالمي ويستعرض على لسان محلل رياضي مشكلات فرق كرة القدم المحلية والمنتخب الوطني، وينتهي بالخلاصة حول العقل الفردي من خلال طرفة حماته أم أنور التي تقترح إعطاء كل لاعب كرة وحده وإنهاء الصراع الكروي.
وحيث إن استعراض جميع اللقطات أو القصاصات أو القصص القصيرة عبر هذه المادة يحتاج أكثر من مقال، ومن ثم تكون غاية العرض تسليطا لضوء على الفكرة العامة وآلية استخدام اللغة النقدية وإظهار الحس المسؤول والغيري الذي يحمله صاحب هذا العمل الأستاذ محمد عامر مارديني.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن