قضايا وآراء

الشريكان الكاملان في القرصنة الدولية

| د. يوسف جاد الحق

حقيقة ناصعة تكشفها الأحداث الجارية، والتصرفات الهوجاء الصادرة تباعاً عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهي أنه جيء به إلى هذا المنصب من الصهاينة في أميركا وفي إسرائيل لخدمة أهدافهم المرسومة، كائنة ما تكون، ومن ثم فليس على الرجل سوى أن يبصم، وهو مغمض العينين على أي قرار أو توجه إسرائيلي عدواني، في فلسطين وغيرها من الأرض العربية.
غير أن المسألة لا تقف عند هذا الحد، أي تماهي الدولتين في سياستهما وكأنهما دولة واحدة، عندما تتكشف الأمور عن أن بين الرجلين من المشتركات و«الكيمياء» الشخصية ما لا حدود له، فما ينطق به ترامب يؤمِّن عليه رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، مباركاً وشاكراً وسعيداً، والعكس صحيح في الجانب الآخر، حيث لم يعد في الإمكان معرفة أيهما يملي على الآخر، وأيهما يتلقى عنه. غير أننا نلحظ، كأي مراقب ومتابع، أن نتنياهو، بمكره وخبثه، فضلاً عن أطماعه وطموحاته غير المحدودة من الرغبة في التحكم والتسلط من جهة، وطموحه للبقاء في السلطة من جهة في دولته حتى يوم نهايته أو نهايتها، هو من يفرض. والسيد ترامب، برغم غطرسته وغروره، هو من يتلقى راضخاً للرغبة النتنياهوية، حيث تبدو المسألة الآن، ويا لها من مفارقة، وكأن أميركا، بكل ما هي عليه، أمست تابعة للكيان الصهيوني المسمى «إسرائيل».
لم يدع ترامب مطلباً إسرائيلياً قديماً أو جديداً من دون أن يبادر إلى تلبيته وتنفيذه، ضارباً عرض الحائط بالقوانين والأعراف الدولية، وبما قد يترتب عليه من كوارث تقع على آخرين، ولاسيما إذا كانوا عرباً وفلسطينيين عرباً، مثال على ذلك إعلانه «القدس عاصمة لإسرائيل إلى الأبد»، كذلك الأمر في نقله السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس الأمر الذي لم يجرؤ على الإقدام عليه أي رئيس أميركي سابق، ليس لأن من سبقه كان أقل منه انحيازاً وموالاة لليهودية العالمية، إلا أنهم كانوا أكثر حذراً وأدق حساباً للاحتمالات التي قد تترتب على هذا المنحى أو القرار ذاك.
مثال آخر على انصياع الرجل لانسحابه من «الاتفاقية النووية» مع إيران، خلافاً لكل حلفائه من الأوروبيين الذين وقعوا عليها لا لشيء إلا رغبة في إرضاء نتنياهو، وعجزاً عن مخالفة رغبات حيتان «إيباك» في بلاده.
ولأن خدمات ترامب لآمره نتنياهو لا تقف عند حد، يطلع علينا بمهزلة قراره، الساقط إقليمياً ودولياً، بإعلانه ضم أرض الجولان لسيادة الكيان الصهيوني، مقدماً لذلك تسويغاً مضحكاً بقوله: «حان الوقت»، أي وقت هذا الذي حان يا ترامب؟
نسي الرجل أو تناسى، إذ هو يعرف أن هذه الأرض لها أصحاب يفدونها بأرواحهم من دون أن يتخلوا عنها، طال الزمن أم قصر، فهي عائدة إلى أهلها لا محالة، والطارئون عليها راحلون كما رحل غزاة قبلهم عن ديارنا على مر التاريخ، وإذا كانت نزعات القرصنة التي تملكانها أتاحت لأحدكما استلاب حق هنا وقرصنة هناك في فلسطيننا، وإلى حين، فهذه المرة خاب ظنكما بسبب من سوء التقدير وأخطاء في الحساب التي يتمتع بها سائر القراصنة منذ قديم الزمان حتى يومنا الراهن هذا.
تغريدة ترامب بشأن الجولان كانت قبل أسبوع أو نحوه، لكنه يذهب الآن إلى مدى أبعد من الصفاقة والغطرسة فيُصدر قراراً همايونياً «رسمياً» يقدم فيه الجولان السورية هدية لشريكه رئيس عصابة الصهاينة، فيما هو يعرض توقيعه أمام النظارة، على الفضائيات العالمية، يفتح دفتره على دفتيه كعادته العجيبة الفجة، وكأن توقيعه هذا يبزُّ لوحة الجيوكاندا، وكأنه هو ليوناردو دافينشي، ويظهر من خلفهما ومن حولهما بقية الجوقة، عصابة التزوير والسرقة على المستوى الدولي، يحدث هذا، على الرغم مما تبين، إثر إصداره تغريدته تلك بأنه ما من أحد أو مؤسسة أو دولة أيدته، بل كان هناك ما يشبه الإجماع الدولي على رفض صنيعه المشين، المستهتر بالحقوق والقوانين والأعراف الدولية، متجاهلاً القرارات ذات الشأن كقرار مجلس الأمن رقم 497 الصادر في عام 1981 الرافض لأي تصرف إسرائيلي في أرض الجولان باعتبارها أرضاً محتلة ينبغي الجلاء عنها وفق قراري المجلس رقم 242 و338 بعد حرب عام 1967.
أليس هذا الذي أقدم عليه ترامب قرصنة دولية غير مسبوقة بالتواطؤ مع صديقه الحميم رئيس وزراء «دولة العصابات»، وبامتياز يستحقان عليه جائزة «شارون» للحرب والقرصنة والعدوان الأثيم؟
أما فيما يخص وزير خارجيتك مايك بومبيو الذي ينافسك في السعي لاكتساب رضا الصهاينة، طمعاً في الوصول إلى البيت «الأسود» مستقبلاً، فقد بلغ به التملق حدَّ وصف المقاومة في لبنان وفلسطين وسورية وإيران بالإرهاب، مع أنه كان يرى بأم عينه، إبان وجوده في المنطقة، بل في أثناء إلقائه كلماته الهجينة تلك، مستوطني أحبابه الإسرائيليين، وجنود نتنياهو يقتلون الفلسطينيين في الضفة، وفي باحات المسجد الأقصى، وفي غزة من دون أن ينبس بكلمة واحدة، وكأنه لا يرى ولا يسمع وأنَّى له أن يفعل؟ فالجناة أصدقاؤه والضحايا أعداؤه. يبدو أن بومبيو، شأنه شأن رئيسه ترامب، يجهل حقيقة معروفة هي أن مدرسة إرهاب الشعوب والدول تأسست في أميركا، إذ كانت باكورة أعمالها عقب اكتشاف تلك البلاد من السيد كريستوفر كولومبوس إبادة سكانها الأصليين عن بكرة أبيهم لسرقة أرضهم، ثم إقامة دولة من قطاع الطرق واللصوص ونزلاء السجون القادمين إليها من أوروبا تحديداً قبل غيرها، وهو النهج ذاته الذي اعتمدته عصابات الصهاينة بعد ذلك في أرضنا الفلسطينية ولم تزل حتى بعد أن أصبحت «دولة» في عرف القانون الدولي ومؤسساته الرسمية للأسف، ناهيك عن إرهاب أميركا غير المسبوق منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وعلى رأسها قنبلتا هيروشيما وناغازاكي الذريتان.
من أحلى آيات النفاق بين الكيان الصهيوني والدولة «العظمى» أميركا، قول بومبيو لنتنياهو إبان إلقاء الكلمات والتصوير على الفضائيات: ليس هناك صديق أهم للولايات المتحدة من إسرائيل، يرد عليه نتنياهو بقوله مبتهجاً: ليس هناك صديق أهم لإسرائيل من أميركا. ولأنها حلبة مزاودة، ولأن صلف نتنياهو يأبى عليه إلا أن يضع «إسرائيليته» فوق أميركا نفسها، إذ يضيف: ليس لأميركا صديق في العالم أهم من إسرائيل. هذا الاستعلاء «النتنياهوي» يسكت عنه بومبيو وكأنه لم يسمعه.
أخيراً، وليس آخراً ليسمع الأعراب، إن لم يكن في آذانهم وقر، وفي أعينهم عمايات البصر والبصيرة. ليفكروا في مصائرهم عندما تحين ساعة الاستغناء المشترك، إسرائيلياً وأميركياً، عن خدماتهم وثرواتهم وأراضي أوطانهم.
الزمن الآتي كفيل بإحقاق الحق ذلك أن القرصنة زائلة، بحكم السنن الطبيعية، وتجارب الشعوب، التي أثبتت دائماً أن الزبد يذهب جفاء وأبناء الأرض هم الراسخون فيها دائماً وأبداً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن