ثقافة وفن

«جوليا دومنا» و«ألف نون» تحتفلان بالفن بمناسبة عيد السنة السورية … «أكيتو» أول تظاهرة فكرية ثقافية فنية تحاول استلهام التراث السوري

| سارة سلامة –ت: طارق السعدوني

٦٧٦٩ هذا التاريخ يرمز إلى السنة السورية الجديدة لا نعثر عليه اليوم في سجلاتنا كتقويم كان الأساس في حضارتنا اتبعناه لقرون دون تردد إلا أن تعاقب الاحتلال والغزوات المتكررة على بلادنا ما هدأ محاولاً طمس ذاكرة ثقافة وذاكرة شعوب وذاكرة تحمل هويتنا، بعدوان ممنهج سرق الروزنامة السورية ورأس السنة أو ما يعرف بـ(الآكيتو)، الذي يصادف في الأول من نيسان ويرتكز على فكرة جوهرية وهي: «من الموت تولد الحياة، والحياة تنتهي بالموت ضمن دائرة كونية ﻻ منتهية تعرف بالمانداﻻ السورية». وكان معتمداً كتقويم رسمي في كل دول العالم القديم إلى أن قام لويس الرابع عشر (1638 – 1715) باعتماد الأول من كانون الثاني كبداية للعام الميلادي عوضاً عن الأول من نيسان. وصدروا لنا ما يعرف بكذبة الأول من نيسان هي كذبة هادفة لطمس معالم حضارية تعود إلى آلاف السنين، حضارة كانت هي الأساس في بناء العادات والتقاليد واللغة.
وبالتعاون بين مجموعة (جوليا دومنا) وغاليري (ألف نُون) تم إطلاق احتفالية ترتقي بالفن والموسيقا والإنسان، عبر معرض فني حمل اسم (آكيتو) بمشاركة مجموعة من الفنانين الذين حاكوا التراث والحضارة القديمة والبداية الحقيقية للحياة، وذلك في وسط دمشق القديمة (قصر الشهبندر- القيمرية).
والفنانون المشاركون هم: (سعيد مخلوف، وليد عكاوي، إسماعيل نصرة، أكسم طلاع، أكسم سلوم، أنور الرحبي، بديع جحجاح، بشير بدوي، جان حنا، جبران هداية، موفق مخول، نبيل سمان، غسان عكل، جمعة نزهان، رامي وقاف، سوسن جلال، عدنان حميدة، عمار حسن، فؤاد أبو عساف، غازي عانا، ميساء عويضة، نبيل رزوق، نعمت بدوي، وليد الآغا).

مبادرة ثقافية
هذا التقويم يعود إلينا من أسلافنا وهو مرتبط بنهاية موسم المطر والبرد وبدء الخصوبة ونمو الزرع والزهر. حيث يبدأ من21 آذار وينتهي في الأول من نيسان، وكانت تقدم القرابين والأضاحي وتسيّر مواكب احتفالية، وتقام الألعاب الرياضية والرقصات، من 11 إلى 12 يوماً وتقام الأفراح والأعراس ضمن طقوس الزواج المقدس. فكان لا بد من الاحتفال والتذكير به مجدداً في وقت لم يبق سوى قلة قليلة تدركه.
وتحمل هذه المبادرة الثقافية والفنية بعداً حضارياً وهدفاً إنسانياً يتمثل في المشاركة بالحفاظ على التراث السوري اللامادي، إضافة إلى دعم الفن السوري وإعادة إحياء تراثنا وتاريخنا وهويتنا السورية الحقيقية الأصيلة التي تعرضت إلى التحريف والتزوير الممنهج الذي فرض علينا خلال فترات الاحتلال من عصر الاحتلال الروماني مروراً بالعثماني والفرنسي وليس انتهاءً بالحرب التي تشن على سورية ومن بين أهدافها تدمير الحضارة والفن والثقافة السورية.

سورية مصغرة
ويبين لنا الفنان بديع جحجاح في تصريح خاص لـ«الوطن» أهمية هذه المناسبة وارتباطها مع معرض حمل اسم مجموعة من الفنانين بمكان يحاكي التراث والماضي السوري العريق قائلاً إن: «التآمر على ثقافتنا السورية تآمر قديم من أيام لويس الرابع عشر الذي عمل على نقل التقويم من 1 نيسان إلى 1 كانون الثاني، ومع ذلك فإن دخول هذه الأنماط إلى بلادنا هيهات أن تغير(يم الزلف) أو يغيروا حضور عشتار الربة الجميلة. وفي مناطق بعديدة بالساحل السوري مازالوا يغنون (هيهات يم الزلف زلفا يا مولاية)، في إشارة إلى عشتار القديسة الجميلة التي تشع خصوبة وسحراً. ونحن نقوم بعلاقة ليست مركبة وعلاقة تكاملية بين جهة استثمارية لها علاقة (بجوليا دومنا) ممثلة بإدارتها المنفتحة على تكريس حضارتنا السورية في العالم من خلال مشاريعها السياحية والإنمائية، مع (ألف نون) بيئة الفن ورحم الفنون الذي ولد في الحرب والذي يدعم الفنانين السوريين. وما زال مستمراً في عملية إنتاج منظومات معرفية ورموز من خلال مفاهيم (الدوران) الذي يعمل عليها للارتقاء بالإنسان السوري».
ويوضح جحجاح: «اليوم تقع على عاتقنا مسؤولية كبيرة بالحفاظ على التراث السوري اللامادي الغني والمتنوع الذي تجهله النسبة العظمى من سكان بلاد الشام إضافة إلى دعم الفن السوري وإتاحة المجال ليأخذ الفن دوره ومكانته الحقيقية، ورأس السنة السورية (آكيتو) عند السومريين تعني الحياة، وعند الأكاديين تعني الفرح، وبالسريانية اﻵرامية كانت تلفظ (حج) وتعني الاحتفال والفرح، وبالبابلية (ريش شاتيم) أي رأس السنة حيث رمز الآكيتو للبداية الحقيقية للحياة، في إشارة إلى نهاية موسم المطر والبرد وبدء الخصب ونمو الزرع والزهر».
ويضيف جحجاح: «إننا اليوم نحتفل (بالآكيتو بريخيو) ولادة الربيع على أمل أن يكون ربيعاً جميلاً ولا يشبه ما صدروه لنا من العالم الغربي هذا العالم القبيح الذي حول أرضنا من أرض خصوبة وجمال إلى أرض صحراوية قاحلة، ولكنهم لم يستطيعوا أن يخلخلوا تلاحم الإنسان السوري الذي يشبه دائماً طائر الفينيق ولديه القدرة على الولادة من جديد وإعادة البناء. ونحن اليوم أمام مجموعة من مقتنيات الشركتين (جوليا دومنا، وألف نون) نحتفي بالفن كشعار كبير لكونه أهم الخيارات المشاركة في ترميم عطب الإنسان السوري روحياً بعد ما قدر جزء من منظومة الحرب أن يضعف قوته وانطلاقته. بمكان من قلب دمشق يحتضن الفن والإنسان والموسيقا (قصر الشهبندر) لعبد الرحمن الشهبندر الطبيب التحرري. هو ببساطة سورية مصغرة وحلم كبير بالانتصار القادم على هذه الهمجية وانتقال سورية إلى ضفة أكثر سلاماً وأماناً وبهجة».

دعم الفن السوري
بينما توضح نورا مرزوق من مجموعة جوليا دومنا إن: «مجموعة جوليا دومنا تمثل العديد من الشركات السياحية والخدمية وخطوط الطيران العربية والعالمية إضافة إلى عملها بمجال الضيافة من خلال العديد من المطاعم والفنادق من ضمنها فندق (قصر الشهبندر(. واليوم نعمل بالتعاون مع غاليري (ألف نون( الذي انبثق من روح الدوران متحدياً الحرب التي أكلت الكثير من معالم الفن. ونرى أن من واجبنا إعادة إحياء تاريخنا، وتراثنا اللامادي مازال محمولاً بذاكرتنا الشعبية وعاداتنا وتقاليدنا ولغتنا، وهذا ما شكل حافزاً لخلق الشراكة النوعية بين (صالة ألف نون للفنون والروحانيات) و(مجموعة جوليا دومنا) لتنظيم احتفالية تنطوي على دعم الفن السوري بالدرجة الأولى وتهدف إلى محاولة صون الكنوز السورية ضمن الدور المنوط بها في الحفاظ على الهوية الثقافية السورية، ومن هنا نعيّد على كل السوريين عسى أن تستعيد سوريتنا الحبيبة حضورها وتراثها الحضاري بأقرب وقت».

المحبة والسلام
ومن جهته يقول الفنان جان حنا: «قدمت الأنثى السورية أنثى من بلدي ترمز إلى عشتار الربة الأولى والأم مستعيناً ببيت من أشعار نزار قباني يقول فيه (استيقظي.. استيقظي.. إني لأبحث منذ آلاف السنين عن السلام.. وما وجدت سواك عاصمة السلام). مع وجود عنصر دمشقي موجود أمام الجامع الأموي. والحمامة التي تعبر عن السلام. وحقيقة تشرفت بمشاركتي ضمن هذه الاحتفالية مع زملائي الفنانين في يوم تحتفل به سورية بعيد رأس السنة لنقدم الفن السوري، وسنبقى كذلك لنوصل الهوية الجمالية التي كانت موجودة بحضارتنا منذ آلاف السنين وما تزال مستمرة إلى الآن عبر رسالة تحمل المحبة والسلام».

دورة الطبيعة
أما الفنان نبيل سمان فأتت مشاركته تحاكي الأساطير القديمة بعمل يحمل أزماناً متعددة ويقول: «هذا العيد تاريخياً كان عيداً للسوريين قبل أن يذهب العالم للتقويم الغريغوري، كما أن اللغة الآرامية بفترة من الفترات كانت لغة الكون والعالم مثل اللغة الإنكليزية في وقتنا الحالي. ولا شك أن هذه المنطقة غنية بالتراث. وبالنسبة لي تأثرت كثيراً بهذا التاريخ، فمنذ أكثر من 10 سنوات أعمل على عنوان (في البدء كان الوطن) لأصحي الأساطير القديمة مثل (اسطورة عشتار وتموز). والآكيتو هو عودة الحياة وعودة تموز من العالم السفلي توقظه عشتار في الربيع لذلك هو مرتبط بالطقس والطبيعة ودورة الطبيعة ونرى في اللوحة عدة أزمنة (زمن قديم وآشوري وبابلي) في محاولة لإظهار التاريخ ليس بشكل وثيقة تاريخية إنما نأخذ من التراث ونعمل لوحة حديثة ومعاصرة تذهب للمستقبل ضمن هويتنا ورؤيتنا».
إحياء التراث

وبدورها تبين الفنانة ميساء عويضة التي تستمد من التراث السوري الروح الجمالية في أعمالها فتقول: «نساهم بسوريتنا لإحياء التراث الجميل وأعمل بالتراث وعلى البسط السورية لاستمد الروح الجمالية السورية من خلاله. والموضوع اليوم هو الإنسان المعاصر وأعمل على اللون المحلي الذي يؤثر في الإنسان السوري ويعبر عن مشاعره وانفعاله وحساسيته وتفاعله بالحياة ومن المعروف إننا كشرقيين لدينا حساسية كبيرة وأيضاً كم هائل من الروحانيات. وأرى أن من واجب كل فنان لديه شعور بالإنسانية المساهمة ببناء الفكر الثقافي لبلده انطلاقاً من واجب إنساني وفني وفكري».

حضارة سورية
وتأتي مشاركة الفنان غسان العكل تعبيراً عن الفرح والحب بالاحتفاء بهذا اليوم سعياً في ترسيخه ويقول: «العمل تعبير عن فرحي وحبي لهذه الظاهرة التي تدل على حضارة سورية وقدم الإنسان السوري فيها. وكيف كانت مدلولاته وشعوره بهذا الشهر، ومشاركتي من لوحة مزهرية للزهور تجمع بين الحروفية العربية وبعض من أبجدية رأس شمرا وماري إضافة إلى الزهور التي تعبر عن شهر الفرح في نيسان».

نحتفل بالحياة
بينما يبين الفنان أكسم طلّاع: إن الإنسان جعل من الزمن علامة تعود إلى 6000 عاماً قبل الميلاد هي بداية التقويم السوري. وهذه الاحتفالية الثقافية اليوم مع مجموعة فنانين من خلال عمل تشكيلي يحمل طابع الرقيم أي الكتابات القديمة مع بعض المعالم والآثار التي تنتمي إلى فترة قديمة من العصور السومرية والبابلية هي جزء من الهوية البصرية لهذه المنطقة. والتقويم يعتبر بداية فعل ما نحو المستقبل والفن حينما يحتفل بهذا المفصل يحتفل بالحياة وسورية هي بلد الحياة».

صرح أثري
ويرى الفنان جمعة نزهان أن الكثير من الناس يجهلون هذه المناسبة وهذا يجعله يعتز بأسلافه الآشوريين والكنعانيين والكلدانيين على هذا الإبداع وتسمية التاريخ والاهتمام بالحياة ويقول: «هذا المعرض من شأنه التذكير بتلك السنة السورية التي في المناسبة تشبه صرحاً أثرياً نزوره مثل تدمر وشهبا وأوغاريت وماري. ويشبه أي قلعة من قلاع سورية الموجودة ونعتز بها ونحافظ عليها. ومشاركتي أتت من خلال لوحة متر بمتر أكرليك على القماش وفيها مفردات والموضوع الذي أعمل عليه وهو الحارة السورية ومفردة الكنيسة والصليب والهلال والأبواب والشبابيك التي تحمل الكثير من القصص في مجتمعنا».

المصدر الأساس للحياة
ومن جهته يعتبر الفنان عمار حسن أن الأهم من مشاركته هو إطلاق فكرة الاحتفال بعيد رأس السنة السورية التي تعتمد الشمس بالتقويم ويقول: «الشمس هي أساس الحياة فكل التقاويم التي أتت لاحقاً بخصوص رأس السنة أتت لأسباب أو لأخرى من بينها القمر. لأن الشمس هي المصدر الأساس للحياة والمسألة لها علاقة بتركيبة ونظام الكون. وعندما يتحول عيد رأس السنة إلى تظاهرة فنية أو بداية إطلاق الاحتفال بمفهوم رأس السنة السورية مبدئياً قد يكون عبر لوحة وهذه المشاركات لمجموعة فنانين هي بداية تؤسس لاحتفالات أكثر شمولاً وأكثر اتصالاً مع عاداتنا السورية. وبالنسبة لي الفكرة هي الأرض السورية والشمس السورية والثقافة المتولدة من خلال الزمن الذي كان بين الشمس والأرض ونحن ننتمي لأرض جغرافية ولدت العديد من الحضارات، وحاولت أن أقدم شيئاً يشبهني كنوع من التواصل بين الأرض والشيفرات التي تمتلكها».

يحارب بالفن
ومن الزوار في المعرض التقينا الإعلامية اللبنانية عبير شرارة التي قالت: «جميل أن نرى الشعب السوري بعد سنوات الحرب ينهض مجدداً ويحارب بالفن. وسعيدة بوجودي ضمن هذه الفعالية التي تحمل إطلالة الفنانين التشكيليين ولوحاتهم الجميلة لنرى كل هذا التنوع والجمال إن كان بالشخوص أو بالألوان أو من خلال رؤية كل فنان. ونؤكد دائماً أن الثقافة هي الوجه الأجمل للأوطان. ولا ننسى أن جزءاً من هذه الحرب كان الهدف منه طمس التراث والحضارة السوريين. ولكن كل شخص هنا يقول إنه لا شيء يستطيع أن يطمس الحضارة السورية العريقة والدليل وجود كل هؤلاء الناس مجتمعين بإصرار على أن يكونوا هنا».

يوم من التاريخ
الآكيتو هو عيد رأس السنة الآشورية الذي يقابل الأول من نيسان من كل عام، هذا العيد يمثل تجديد دورة الحياة في الطبيعة خلال الاعتدال الربيعي ما جعل هذا اليوم فلكياً أول أيام السنة الجديدة في حضارة عرفت قيمة الاتصال بالطبيعة.
وفي الاصطلاح اللغوي يشير معنى «آكيتو» إلى موعد بذر وحصاد الشعير وتكشف لنا الشواهد أن عيد الآكيتو في التاريخ بدأ على شكل عيد الحصاد الزراعي الذي كان ينجز مرتين في العام الواحد.
ويقع بين شهري آذار ونيسان وقد تطور هذا العيد من احتفال زراعي نصف سنوي إلى عيد سنوي وطني للسنة الجديدة حيث يحدث هذا العيد في تلك الفترة من السنة التي يكون فيها الليل والنهار في حالة توازن تام معاً، ويتم إعلان قدوم الاعتدال الربيعي لأول ظهور للقمر الجديد في الربيع وذلك في نهاية آذار أو بداية شهر نيسان وذلك وفقاً لدورة القمر السنوية ما يلقي الضوء على الاعتقادات السائدة في ذلك الوقت والتي تعتبر مشتركة بين الآكاديين والبابليين والآشوريين والسرياليين، حيث ساد الاعتقاد أن حركة القمر السنوية ما هي إلا حركة دائرية مغلقة تضمن الطبيعة من خلالها الخلود ومقومات استمرار الحياة.
إن عيد الآكيتو هو أقدم عيد مسجل في تاريخ الشرق الأدنى وأقرب إشارة له هو في منتصف الألف الثالثة قبل الميلاد في مدينة أورو، كان الآكيتو يقام لإله القمر السومري «نانا»، ويُعتقد أن هذه المناسبة تحمل قداسة ممزوجة بجمال وهدوء الطبيعة ما يجعلها أفضل فرصة لإقامة شعائر الزواج المقدس.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن