قضايا وآراء

لا تمدد أردوغانياً بعد اليوم

| سامر ضاحي

خرج «حزب العدالة والتنمية» في تركيا بانتصار معنوي في الانتخابات البلدية التي جرت مؤخراً بفوزه في 56 بالمئة من البلديات، منها 16 بلدية كبرى، مقابل نكسة حقيقية تمثلت بخسارته أهم بلديتين في تركيا وهما أنقرة واسطنبول.
وبخسارة الحزب الذي يقوده رجب طيب أردوغان مدينتي اسطنبول وأنقرة إضافة إلى ولايات بولو وبيله جك وأسكي شهر وكيرشهر فإن الحزب خسر عملياً قلب تركيا النابض وفق معايير نظرية «قلب العالم» لمنظّر علم «الجيبولوتيك» الفريد ماكندر باعتبار أن ولايتي أنقرة واسطنبول لوحدهما تحتضنان 20 مليوناً ونصف المليون من أبناء الشعب التركي.
لم تتوقف الخسارة الفعلية لأردوغان عند هذا الحد فقد أظهرت خرائط نشرتها وكالة «الأناضول» التركية أن الحزب الأردوغاني خسر أيضاً كامل الولايات الممتدة على طول الشريط الساحلي من لواء الإسكندرونة السليب، ولاية أنطاكية، وأضنة ومرسين وأنطاليا وموغلا وآيدين وإزمير وحتى ولاية كانكالي لمصلحة حزب الشعب الجمهوري المعارض له، ولم يستطع «العدالة والتنمية» خرق الامتداد الجغرافي لهذا الخط في جنوب غرب وغرب تركيا إلا في ولاية باليكيسير التي حافظ من خلالها على بوابة لامتداد نفوذه على البحر المتوسط.
يمكن القول إن النظام التركي وبهذه الخسارة كاد يخسر إطلالته على البحار الدافئة التي لطالما تحكم بالإمبراطورية الروسية من خلال تحكمه في مضيقي البوسفور والدردنيل للوصول إلى هذه المياه.
كما أن الحزب خسر ولايتي أدرنه وتكيرداغ لما لهما من أهمية في اتصاله بالشرق الأوروبي، بموازاة خسارته في الشرق ولايات أرتافين وأرداهان وكارش وأغادير وفان وهاكاري التي تصله بجورجيا وأرمينيا وإيران والعراق في الجنوب الشرقي.
ناهيك عما تمثله هذه الولايات من حجم سكاني ونوعية سكانية في الإنتاج والسياحة التركية، يمكن الاستنتاج بأن أردوغان خسر الكثير من الأطراف التي كانت تصله بالجوار.
كما أن نظرية «قلب العالم» استخدمها منظّر النظام التركي ووزير خارجيته الأسبق أحمد داوود أوغلو في كتابه «العمق الإستراتيجي: موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية» لتبرير ما حققته تركيا لاحقاً من تمدد في النفوذ على حساب الدول الإسلامية وتدخل في ساحات «الربيع العربي» وما نشهده حالياً من احتلال لأراضي سورية، وباستخدام النظرية نفسها يمكن القول إن الأطراف التركية تبدو عاجزة عن تلبية رغبات أردوغان بالتمدد إن لم تكن قابلة لاستقبال سياسات ارتدادية ضده لاسيما أن «حزب الشعب» مثلاً اتخذ مواقف مؤيدة لسورية وللتوازن الدولي خلال سنوات الأزمة.
في الوقت نفسه، لا يمكن تجاهل التراجع الذي حصل لـ«العدالة والتنمية» عما حصل عليه في أكثر من 10 انتخابات بلدية سابقة على التوالي ما يعني عجز برامج الحزب الانتخابية التي ركزت على السياسات الداخلية عن جذب الأتراك، وهو ما كان يعول عليه أردوغان دائماً عند أي معترك انتخابي.
من هنا قد تكون الفترة المقبلة بعكس ما يشتهي أردوغان وبدل أن يلملم جراحه البلدية قد يستنزف عنصر الوقت «العدالة والتنمية» أكثر من قبل في ظل عجز الحزب عن تقديم الصورة التي قدم نفسه للعالم بها كتيار إسلامي معتدل بعدما وضع نفسه إلى جانب التنظيمات الإسلامية الراديكالية وعلى رأسها «الإخوان المسلمون» الذين عاثوا خراباً في سورية ومصر وغيرها من الدول، كما أن ما شهدته الانتخابات من فوز لـ«العدالة والتنمية» كان في الولايات التي ينشط فيها تيار اليمين التركي عموماً.
وبالتالي لن يكون بمقدور أردوغان التمدد بعد اليوم، وقد نشهد اندحاراً كبيراً لحزبه في الانتخابات البرلمانية المقبلة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن