قضايا وآراء

«اسطنبول» الجديدة .. ملامح تركية منتظرة

| سيلفا رزوق

أن تأتي أنباء حصول أول انتكاسة مدوية لحزب العدالة والتنمية في هذه المرحلة الإقليمية المعقدة، فهذا سيعني بالتأكيد دخول الملف السوري، وخصوصاً ملف الشمال مرحلة جديدة بخيارات متعددة.
الخوض في الأسباب التي أوصلت حزب العدالة والتنمية لخسارة أهم المدن التركية وعلى رأسها اسطنبول، ربما لم يعد بجديد، وإجماع المحللين على الدور الرئيسي الذي لعبه التراجع الاقتصادي في إقصاء مرشحي الحزب الحاكم، لا يعني أن أسباباً أخرى لا تقل شأناً كان لها دور أساسي أيضاً فيما جرى، وينبغي النظر إليها بإمعان.
من تابع الحملات الانتخابية التي قادها رجب طيب أردوغان بنفسه، وفي سابقة هي الأولى في تاريخ الانتخابات التركية، يجد أن موضوعي «اللاجئين السوريين» و«الأكراد»، لم يغب عن السجال السياسي العنيف الذي رافق هذه الحملات، والتي وصلت حد تذكير المرشح بن علي يلدريم بأن بلاده منحت السوريين اللجوء المؤقت، ويعني ذلك أنهم سيعودون إلى بلادهم، في تصريح بدا انتخابياً بامتياز، لكنه عكس في جانب منه حجم الغضب الشعبي من السياسة التي يتبعها أردوغان في التعامل مع ملف «اللاجئين»، حيث بات جزء من الشعب التركي يحمّل مسؤولية تدهور واقعهم الاقتصادي، إلى تواجد أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ على أراضيهم.
الناخب الكردي أو كما يسمى «الصوت الكردي»، لعب أيضاً دوراً أساسياً في هذه الانتخابات، وشكلت طريقة التصويت التي لجأ إليها مناصرو حزب «الشعوب الديمقراطي»، لصالح أحزاب المعارضة في المدن الكبرى، ضربة قاصمة لمرشحي العدالة والتنمية، أسهمت إلى حد كبير في سقوطهم، ودفعت إلى التساؤل عن الخيارات المقبلة لسياسات أردوغان في التعاطي مع «الصوت الكردي».
الحديث عن الدور الذي لعبته ورقتا «اللاجئين» و«الأكراد»، يقودنا بالضرورة للتساؤل عن انعكاس ما يجري اليوم في تركيا على ملف الشمال السوري، الذي شكل بدوره أحد أبرز العناوين الانتخابية لأردوغان وصلت حد الإعلان تشكيل «غرفة عمليات عسكرية مشتركة» على الحدود مع سورية لتنفيذ ما روج له انتخابياً «حملة» لتلقين «قوات سورية الديمقراطية – قسد» الدرس اللازم، في أسلوب استخدمه أردوغان في كل حملاته السابقة، لكن هذه المرة وعلى ما ظهر لم يتمكن من دغدغة مشاعر الكثيرين من الأتراك، الذين باتوا يخافون وكما أظهرت نتائج الانتخابات المحلية، على مستقبلهم، في ظل سياسيات أردوغان وحزبه.
احتمالات التراجع التركي تبدو واردة إلى حد كبير، والانكفاء نحو الداخل لإصلاح ما يمكن إصلاحه قبيل الانتخابات التشريعية في عام 2023، يبدو حتى هذه اللحظة الخيار الأقرب أو على الأقل الأكثر واقعية، وعليه من البديهي طرح تساؤلات حول مستقبل تنفيذ اتفاق «سوتشي» ومصير التدخل التركي شرق الفرات.
سياسة أردوغان ومهارته في اللعب على جميع الحبال، والتي أثارت وعلى نحو واضح مخاوف الجميع، دخلت مرحلة «الاصطدام» بالواقع وحسم الخيارات، والدخول في معركة خارجية جديدة لن يسعد الناخب التركي الذي يضيق ذرعاً بواقعه الاقتصادي، وعليه تقف السياسة التركية اليوم أمام خيارين واضحين، إما الارتماء وبصورة معلنة ونهائية بحضن واشنطن التي تلقفت جيداً نتائج الانتخابات التركية، وبادرت إلى إعلان إيقاف توريد المعدات الخاصة بطائرات «إف 35»، في رسالة أميركية واضحة الدلالة، وإما الذهاب نحو خيار شركاء «أستانا» روسيا وإيران، الحليفين الأقوى لدمشق، وما يعنيه ذلك من التزام واضح وعلني بتنفيذ الاتفاقات، وعلى رأسها اتفاق «أضنة».
على الطاولة التركية اليوم تفتح كل الملفات، ووقوف أردوغان أمام تحديد خياراته، وفي هذه المرحلة بالتحديد، لم يكن بحسبانه بالتأكيد، لكن السياسيات «الرعناء» في الداخل والخارج، كانت تشير إلى أن هذه اللحظة قادمة لا محال، ومخاوف الذهاب إلى استعراض عسكري شكلي ومحدود على الحدود مع سورية، لا يرتقي للطموحات «الأردوغانية»، قد يشكل مهرباً مؤقتاً للرجل الذي بدأ يتحول شيئاً فشيئاً إلى عثرة ومصدر قلق في وجه سياسيات كل الأطراف، وعلى تناقضاتها.
الملامح التركية وبعد عقود من الزمن يبدو أنها بدأت بالتغير، وصعود قوى تجاهر برفضها للسياسات أنقرة القائمة في سورية، ليس بالأمر العابر.
الأتراك يقولون: «إن من يحكم بلدية فاتح يحكم اسطنبول، ومن يحكم اسطنبول يحكم تركيا»، اسطنبول اليوم في عهدة جديدة، ورهان أردوغان خسر هذه المرة، وعهد تركي آخر يبدو انه يتهيأ للدخول في مرحلة الانتظار.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن