قضايا وآراء

إسرائيل وطواحين هوائها ضد المناهضين للصهيونية

| تحسين الحلبي

في العاشر من تشرين الثاني 1975 اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 3379 الذي ينص على أن الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العرقي، وفي ذلك الوقت كانت معظم دول العالم تدعم قضية الشعب الفلسطيني وتناهض الصهيونية والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والأراضي العربية المحتلة، وكان الاتحاد السوفياتي يشكل معسكراً كبيراً من الدول وكانت منظمة دول عدم الانحياز تضم أكبر عدد من دول العالم الثالث المناهض للاستعمار والاستيطان، وما كاد الاتحاد السوفياتي ينتهي من الوجود في عام 1991 حتى بدأ العد التنازلي لدعم قضية فلسطين بالانخفاض وأخذت دول كثيرة تغير سياساتها تجاه الصهيونية وإسرائيل تحت ضغوط أميركية صهيونية عالمية، وتبدي موافقتها على إلغاء قرار أن الصهيونية عنصرية، وصوتت معظم دول العالم لهذا القرار وأصبحت الصهيونية ليست جريمة عنصرية في 16 كانون الأول 1991.
كان مؤتمر مدريد لما يسمى بـ«السلام» قد انعقد بموافقة منظمة التحرير الفلسطينية في الأول من تشرين الثاني أي قبل شهر ونصف من إلغاء هذا القرار وأصبح محفزاً لدول كثيرة بالموافقة على إلغاء قرار أن الصهيونية عنصرية، وفي نفس ذكرى إلغاء هذا القرار طالبت إسرائيل العالم والأمم المتحدة في 17 كانون الأول عام 2018 بأن يتعامل العالم والقانون الدولي والأمم المتحدة مع كل من يناهض الصهيونية بنفس المعاملة التي يتعامل فيها ضد كل من يعادي اليهود «أي كل من يعادي السامية كما تصفها الحركة الصهيونية» وأصبحت إسرائيل قادرة على اتهام كل من ينتقد سياستها تجاه الفلسطينيين والتنكر لحقوقهم المشروعة بمعاداة «السامية»، وفرض الكنيست، أي البرلمان الإسرائيلي، عقوبات على كل من يناهض الصهيونية، وضرورة معاقبته في الدول التي يقيم فيها على غرار قرار معاقبة كل من ينكر وجود «محرقة» تعرض لها «ملايين» اليهود في أوروبا أثناء الحرب العالمية الثانية وتمكنت الحركة الصهيونية من تعزيز انتشار موجة رأي قبل أشهر داخل الأوساط الفرنسية لمعاقبة كل مناهض للصهيونية في فرنسا والدول التابعة لها.
من الواضح أن الحركة الصهيونية ستقوم مع حلفائها بمحاصرة جميع القوى والدول والمنظمات المعادية لإسرائيل والصهيونية لكي تفرض على دول العالم التعامل مع الصهيونية «كحركة تحرر وطني لليهود»!
وعند ذلك ربما تنتقل إسرائيل إلى محاكمة الشعب الفلسطيني الذي كافح ضد المنظمات الصهيونية واحتلالها لفلسطين، بل ربما لا تكتفي إسرائيل وحلفاؤها بهذا القدر من الوحشية ضد أصحاب الحق الفلسطينيين وتطالبهم بتعويض عن الأضرار التي سينسبونها لهم، فالكل يعرف في العالم عن وجود منظمات يهودية عالمية في واشنطن وبريطانيا وأوروبا تطالب بدفع تعويضات لليهود الذي غادروا الدول العربية منذ بداية الصراع العربي الصهيوني وتتهم إسرائيل هذه الدول بمصادرة أملاك اليهود الذين انتقلوا إلى إسرائيل وحربها على الفلسطينيين، ويبدو أن هذا المطلب الصهيوني ستحوله إسرائيل إلى مطلب ضد الفلسطينيين بعد أن تفرض على العالم ودول المنطقة شطب عبارة «النكبة» و«العودة» من وثائقها، بل شطب عبارة «فلسطين» من قواميس التاريخ واللغة والواقع، لكي تنتقل بعد ذلك إلى ترحيل ملايين الفلسطينيين الموجودين فوق ما بقي لهم من ترابهم الوطني بحجة عدم وجود شيء يسمى فلسطين، فقد تمكنت الحكومات الإسرائيلية حتى الآن من تجاهل الحل المقترح بإنشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، بل حتى من عدم التداول به والتفاوض بشأنه مع السلطة الفلسطينية.
مقابل كل نشاط تقوم به إسرائيل لمحاصرة كل طرف يناهض الصهيونية ويعادي احتلالها، ومقابل تحويل الصهيونية إلى «حركة تحرر»، وإسرائيل إلى «وطن لليهود وحدهم» بموجب السياسة الحديثة الإسرائيلية، تريد إسرائيل أن تفرض شطب كل حقيقة نتجت عن عدوانها واحتلالها لوطن الشعب الفلسطيني، وتحويله إلى شعب غير موجود على ساحات العمل السياسي والوطني والتاريخي.
برغم كل هذه السياسات الإسرائيلية الأميركية، لم تنجح الحركة الصهيونية وأدواتها الغربية في التخلص من المناهضين لها، بل إنهم يزدادون يوماً تلو آخر ويتجسدون بأجيال جديدة أشد ثورية وصلابة ضد الصهيونية من الأجيال السابقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن