قضايا وآراء

بين «جثة حماس» و«جثة الإرهابي زخاريا»: مهلاً على الحلفاء أم مهلاً يا حلفاء؟

| فرنسا- فراس عزيز ديب

«إذا استفتينا الشعب السوري، فسنجد أن معظمه لا يريد الجامعة العربية»، عبارة قالها نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية والمغتربين وليد المعلم خلال مؤتمره الصحفي الذي جمعه بوزير الخارجية الفنزويلي خورخي أرياسا، عبارةٌ ذكرتنا بكلامٍ سابقٍ للمعلم قال فيه: «سيكون المواطن السوري هو البوصلة»، وبالتأكيد فإن الحديث هنا عن البوصلة في الخيارات الوطنية والقومية وليس المعيشية لأنها ليست من مهامه.
تبدو هذه المقدمة ضرورية إن أردنا الدخول في حقل ألغامٍ يتمثّل بالإضاءة على حدثين مهمين طبعا المشهد السوري خلال الأيام الماضية، وإن اختلفا بدرجة الأهمية لكن الرابط بينهما ليس فقط كلمة «حلفاء» بل في كليهما لا بد من النظر إلى المواطن السوري كبوصلةٍ في تقييم هذين الحدثين، لكن عن أي مواطنٍ نتحدث؟
عندما يكون الحدثان على شاكلة وساطةٍ يقوم بها كل من إيران وحزب اللـه لإعادة مد جسور التواصل بين سورية وحركة حماس، ثم إعلان الروس عن تسليم دولة الاحتلال لبقايا عظامٍ وجدت في مقبرةٍ في دمشق قالوا إنها تعود لإرهابي صهيوني قتل في معركة السلطان يعقوب، فإننا حكماً لا نتحدث عن ذاك الصنف الذي يتعاطى مع كلّ شاردةٍ وواردةٍ بما يتعلق بالطرفين الإيراني أو الروسي وكأنهما من نزلت فيهما الآية الكريمة: «وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى»، بل إننا نتحدث عن البسطاء الذين يكنون كل الحب لمن وقف إلى جانب سورية في هذه الحرب، لكنه بالنهاية يعي أن مشاعره ودماءه ليستا سلعة للمتاجرة الدولية، ليعبر عما يراه رفضاً أو قبولاً فكيف ذلك؟
نبدأ من الحدث الأول، فربما لو استفتينا المواطن السوري عن رأيه بعودة العلاقة مع حماس لكان الجواب بالأغلبية رفضاً قاطعاً لهذه العودة.
بطبيعة الحال لن نقول رأينا في هذه المقاربة الشعبية إن كانت منطقية أم لا، لكن علينا أن نتذكر أن المواطن السوري وبعد سنواتٍ ثمان من الحرب بكل أصنافها، بات يمتلك الحد الأدنى من الوعي السياسي على قاعدة أن ليس هناك عداوةٌ دائمة ولا صداقة دائمة، لكن هذا الأمر قد يكون في سياق دولةٍ مع دولة، أو عدو وصديق تفترض الواقعية السياسية مرونة في تبديلهما، لكن المشكلة عند حماس تبدو مزدوجة:
أولاً: المؤمن لا يلدغ من جحرٍ مرتين، فعندما يوجه لك عدوك الصفعة فهذا الأمر منطقي في سياق معركةٍ سجال، لكن عندما يغدر بك حليفك هنا عليك أن تعيد حساباتك، القضية هنا ليست غدراً من النوع العادي بل هو غدر تمّ بتكتيكٍ وعلى مراحل، لنعد لمشهد عودة خالد مشعل إلى غزة ورفعه علم « ثوار الناتو» وندقق بالنشوة في تقاسيم وجهه ونسأل:
إذا كان فعلياً مناضلاً ثورياً لماذا لم يبق في غزة؟ ألم يكن دخوله أساساً برضى «إسرائيلي» لأن تبني حماس لـ«الثورة السورية» كانت جوهرياً في إضفاء شرعيةٍ مذهبية على هذه الثورة عندما يتبناها «مقاومون».
ثانياً: وهي المرجعية الإخوانية لحركة حماس، عقدةٌ لا يجب الاستهانة بها، لنتذكر مشهد إسماعيل هنية وهو يقلّم «أظلاف» شيخ الفتنة يوسف القرضاوي بعد زيارته الميمونة إلى قطاع غزة ليحشد ضد من دعم المقاومة ومدها بالسلاح والعتاد، ولنتذكر فتواه الشهيرة بقتل ثلث الشعب السوري ليحيا الثلثان، والأهم أن هذه العقدة يجب عدم النظر إليها من جانب حلفائنا كقيمة مضافة وبمعنى آخر: ليس صحيحاً أن وجود حماس يعطي حالة تنوع مذهبي لمحور المقاومة، أو يخفف من الضغط المذهبي في المنطقة لأن هذا الشحن لن يتوقف إلا بزوال المستفيدين منه، ثم من قال مثلاً إن من رفعوا صور حسن نصر اللـه بعد انتصار تموز رفعوها لاعتباراتٍ مذهبية؟ المقاومة فعلٌ يتدحرج في ثنايا الإنسان المؤمن بعدالة قضيته دون النظر لاعتباراتٍ ضيقة، بل إن الإصرار على جعل المعطى المذهبي أساسياً لبناء المقاومة في المنطقة خطأ كارثي، ولعلّ كلام الرئيس بشار الأسد في خطابه الأخير وتخصيصه حيزاً منه لربط رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان بإجرام الإخوان المسلمين رسالة لم يتلقفها بعد أولئك الساعون لهذه الوساطة، باختصار:
لا لمحاولات تعويم الإخوان المسلمين بأي شكلٍ من الأشكال في سورية، لا لفكرة الأحزاب الدينية حتى ولو كانت تتبنى النهج المقاوم، والأهم لا لعودة حماس على الأقل بوجود هكذا مكتب سياسي وقيادة تتبع الحركة الإخوانية قولاً وعملاً.
أما الحدث الثاني والمتمثل بقيام الروس بتسليم الإسرائيليين بقايا عظامٍ قالوا إنها للإرهابي الإسرائيلي زخاريا باومل، فإن التعاطي معه يجب أن يتم بمرحلتين، الأولى وهي مرحلة ما قبل التسليم: في العمل المخابراتي فإن جميع الدول تحاول أن تمتلك أوراقاً لتفاوض عليها، قد تكون معلوماتٍ أو أسرى، هناك من يذهب بعيداً في استخدام هذه الأوراق للمراهنة حتى على المعلومة التي تؤكد امتلاكه هذه الأوراق من عدمها، هذا الأمر يتقنه الجانب السوري بحرفيةٍ عالية وهذا الكلام لا يبدو نوعاً من المحاباة بقدر ما هو مستندٌ لأدلة، فعلى سبيل المثال ما زالت الأجهزة الأمنية الأوروبية تحاول جاهدةً معرفة داتا المعلومات التي قد تكون الأجهزة الأمنية السورية قد امتلكتها خلال هذه الحرب، تحديداً تلك المجموعات التي تعمل كذئاب منفردة، لكن الرد السوري لم يكن بالسلب ولا الإيجاب بل تعداه ليساوم عودة العلاقات «التي لا يستجديها» مقابل الجلوس لمناقشة صحة وجود هذه المعلومات من عدمها.
من جهةٍ ثانية فإن التركيز الإعلامي الصهيوني في العقود الماضية كان موجه نحو مصير الطيار «رون أراد»، أو جيفة الجاسوس «إيلي كوهين»، فهل هذا يعني أن هؤلاء الاثنين بأهمية أكبر من باقي المفقودين؟ ثم إن كان هناك ثلاثة جنودٍ قتلوا في تلك المعركة فالمنطق يقول إنه تم جلبهم من ذات الجهة ودفنوا بذات المنطقة فأين البقية؟
هذه المقاربة تثبت بما لا يدع مجالاً للشك بأن الكلام الرسمي السوري عن عدم علمه أو معرفته بوجود جيفة كهذه، ولا حتى مشاركته أو تدخله بعمليةٍ كهذه هو كلامٌ حقيقي، وليذهب أولئك المتلونون من كتاب وصحفيين يدعون أن لديهم معلومات تثبت عكس ذلك إلى الجحيم، هم وادعاءاتهم بأنهم ينتمون للتيار «المقاوم»، أما كيف وصلت الجثة فهو ليس لغزاً في إطار مرحلة الاجتياح الإسرائيلي للبنان وما تخلله من أريحيةٍ لدخول سيارات الإسعاف التي تحمل الجرحى والمصابين من الجيش العربي السوري، أو التنظيمات الفلسطينية التي قاومت الاجتياح، أما كيف عرف الإسرائيلي بمكانها تحديداً فهذا السؤال ساذج قياساً بما قدمه «أوسلو» من معلوماتٍ للإسرائيلي، وهنا كان الدور الروسي بالمرحلة الثانية أي ما بعد التسليم.
مبدئياً يحق للروس أن يسوّغوا بشكلٍ مباشر أو غير مباشر هذا التصرف بالطريقة التي يرونها مناسبة، فالروسي بالنهاية لم يقدم نفسه كأحد أقطاب حلف المقاومة، لكن يحق لنا في الوقت ذاته بمن نمثل من الشعب السوري أن نقبل بهذه المسوغات أو لا، فالحديث عن قيام الروس بهذه العملية إنقاذاً لبنيامين نتنياهو في الانتخابات لا يبدو كلاماً منطقياً ولاعتباراتٍ عديدة أهمها أن الخوف من وصول اليمين الإسرائيلي المتطرف يعني وكأنه يقدم لنا نتنياهو كحمامة سلام!
أما القول إن هذا الأمر لم يتم بالمجان وهناك ثمن لهذه الجائزة الروسية، فهو كلام يبدو منطقياً بجزئياتٍ بسيطة، فبنيامين نتنياهو ليس لديه ما يقدمه من تنازلاتٍ للروس، لأن الأثمان التي يتحدثون عنها هي عملياً جزء من الوجود الإسرائيلي غير مسموح بها، والأهم من كل ذلك لو أن هناك أثماناً سيدفعها نتنياهو فالمنطق يقول إن العملية كان يجب أن تتم في السر وبعيداً عن ظهور الروس بمظهر «أم الفقيد» بهذه الطريقة، لأن أي شيء سيقدمه نتنياهو في قادمات الأيام سيبدو كثمنٍ لهذه الجائزة.
إن المواطن السوري يدرك عملياً أن الدولة الروسية تتعاطى من منطلق مصالحها وعلاقاتها وهذا حقها، لكن عليها أن تتعاطى بهذه الطريقة بما دفعت من دماءٍ لأجله وليس من حساب تضحيات الآخرين، لأن الاستفاضة الروسية بطريقة الاحتفاء بالجيفة ترك غصة في قلوب الكثير من السوريين أو المدافعين عن القضية الفلسطينية، ومن لا ير هذه الغصة أو يحاول أن يحرم المواطن منها عبر مسوغاتٍ لا يبدو هو مقتنعٌ بها حتى يقنع الآخرين، فالمشكلة تبدو فيه وليس بالمواطن.
في الخلاصة: مهلاً على الحلفاء؟ نعم، لأن علينا أن ندرك تماماً أنه لا يمكننا أن نتفق مع الحليف أو نتكامل معه بالعلامة الكاملة، دون أن ننسى أن من نختلف معهم على تفاصيل صغيرة كانت أم كبيرة هم شركاء في الدم، ولسنا نحن من ينكّس رايات الوفاء، لكن في الوقت ذاته عندما يتعلق الأمر بقضيةٍ كـ«جثة حماس» أو«جثة الإرهابي زخاريا» لا مانع من أن نقول لهم:
مهلاً يا حلفاء، ومن لا يصدق فليستفت الشعب – البوصلة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن