ثقافة وفن

الجواهري ومحاربة الجحود والجاحدين

| د. رحيم هادي الشمخي

لقد عالج الشاعر في قصائد عديدة ومنذ مطلع شبابه الجحود كحالة بغضاء مدانة، كما هم أصحابها من الجاحدين الباطنيين منهم والظاهريين، لهذا فإن ما ينعكس عند الجواهري من حالة خاصة تذهب متشابكة مع الحالة العامة بوضوح ومن دون أي غموض وما عانى منه، وكما حاول الجواهري- على ما نعرف- أن يتجاهل الجاحدين وغيرهم من أرباب الذمم المشابهة، لكنه تفجر في فترات معينة، حين كانوا يتمادون من دون رادع أو يكررون مواقفهم، قد يكون الجواهري يبالغ أحياناً في احتساب أي انتقاد ونقد لبعض شعره أو مواقفه أو رؤاه، فيعودنا إلى «شيمة» الجحود، يدفعه إلى ذلك الكبرياء والثقة بالنفس والعطاء الفكري والوطني، فقد تشابك العام والخاص عند شاعرنا الجواهري في الموقف من الجحود والجاحدين، فراح في فقده لتلك الحالة يشيح بوجهه وقصيدته عن تسمية أولئك وهؤلاء ويوجه سياط هضيمته بشكل غير مباشر، وبصورة عامة لأصحاب تلك المواقف ولكنه أيضاً واجه بعضهم بالدلالة، وليس بالاسم الصريح ومنهم لامعون، لم يبخسهم ذلك اللمعان ومنهم الأديب والكاتب «سهيل إدريس» حين كتب عنه:
وصاحب لي لم أبخسهُ موهبة
وإن مشت بعتابٍ بيننا يردِ
نفى عن الشعر أشياخاً وأكهلة
يزجي بذاك يراعاً حيرهُ الحردِ
كأنما هو في تصنيفهم حكمٌ
وقوله الفصل ميثاقِ ومستندِ
وما أراد سوى شيخ بمفرده
لكنه خاف منه حين ينفردِ
ومن المواجهات المباشرة الأخرى على صعيد ما نحن بصدده نذكر هنا ما كتبه عن الأديب والكاتب (غالي شكري) الذي يبدي مشاعره للشاعر الجواهري وداً ظاهراً في العديد من المنتديات والندوات وغيرها، في بغداد وعواصم ومدن عربية عديدة، فواجه الجواهري في «رأيه» عام 1975 رداً على تمادٍ بدوافع سياسية أو غيرها نشره «غالي» في الصحافة حينها فقال:
آليتُ أبردُ حرّ جمري، وأديل من أمر بخمرِ
آليتُ أمتحن الرجولة؛ يوم ملحمةٍ وعسرِ
ومساومين على الحروف، كأنها تنزيل ذكرِ
مدوا لعريان الضمير، يداً بزعمهم تعري
لم يعل تدري قدحه، ويذمه لمْ يدّن قدري
وإذا كان جحود الأدباء والكتاب العرب أقل مرارة في التأثير على الجواهري بحسب، فقد كان ذلك مضاعفاً عنده من أقرانهم العراقيين الجاحدين والصامتين عن ردع التجاوز والجحود، وهنا نقرأ هذه الأبيات من قصيدة للجواهري بعدما لاقى المرارة من أحدهم.
وصلفٍ مبرقٍ ختلا، فإن يرَ نهزه رعدا
يزورك جنحَ داجيةٍ، يزير الشوق والكمدا
وأم الضاد قد هتكت، ورب الضاد قد جلدا
ومن الوقائع التي نشير إليها في السياق نفسه يجيب بألا يجافي الحقيقة والمواقع، ففي مقابل الجحود راح التفاخر بالجواهري وعبقريته يمتد مديات كبيرة، فهو رمز ثقافي ووطني شامخ طوال عقود، وكان ذلك ما تباهى به الشاعر الكبير، ودفعه إلى المزيد من الإبداع والعطاء قصائد ومواقف وفلسفة، وما جاء في «داليته» عام 1969 أكبر دليل على الوقوف ضد الجاحدين.
ما ضرّ من آمنت دنيا بفكرته
أن ضيف صفر إلى أصفار من جحدوا
بقي علينا الآن أن نتوقف بالتأكيد عند بعض وقائع مما كان يستشعره شاعرنا الكبير محمد مهدي الجواهري ما جاء في قصيدته «يا نديمي» ففيها يذكر مواجعه من الجحود والجاحدين ليقول:
يا نديمي: لم يبق لي ما أرجّي
غير «ليتِ» و«ليتُ» زرع بصخر
ليت أني لبرير أو لزنجٍ
أتغنى شجونهم طول عمري
نصف قرنٍ ما بين دق وصنج
أتراني كنت انتبذت بفقر
وتجوهلتُ مثل واوٍ لعمرو؟
لست أدري ولا المنجمُ يدري.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن