قضايا وآراء

الانتخابات المحلية التركية نكسة لأردوغان وبداية النهاية لمشروعه

| د. قحطان السيوفي

الرئيس التركي رجب أردوغان وحزبه العدالة والتنمية خاضا الانتخابات المحلية في ظل عاصفة اقتصادية أجبرت أردوغان على قيادة حملة داخلية شرسة راوح خلالها بين الدعاية المضللة، وتهديد الخصوم السياسيين.
أردوغان الذي يهيمن على المشهد السياسي التركي منذ تسلّمه الحكم عام 2002، نظم حملات انتخابية متواصلة على مدى شهرين قبل الانتخابات التي اعتبرها «مسألة حياة أو موت» بالنسبة إليه. ويرى مراقبون أن الاقتراع كان بمنزلة استفتاء على حكم حزب العدالة والتنمية بعدما تباطأ الاقتصاد التركي لأول مرة منذ عقد فتعرض أردوغان وحزبه إلى ضربة موجعة بل انتكاسة كبرى بعد عقد ونصف من الحكم، حيث أظهرت نتائج الانتخابات المحلية أنه وحزبه، خسرا العاصمة أنقرة، وإسطنبول عصب الاقتصاد في البلاد. وتشكل خسارة أهم مدينتين في البلاد هزيمة مدوية لأردوغان، الذي كان نفسه رئيس بلدية إسطنبول حيث نشأ وترعرع وبدأت مسيرته السياسية، والذي حظي بقدرة لا مثيل لها في تاريخ تركيا على الفوز بشكل متكرر في الانتخابات.
طعن مرشح أردوغان بنتائج الانتخابات في إسطنبول، ويُعاد فرز الأصوات، ومهما تكن نتيجة هذا الفرز فإن حزب أردوغان (العدالة والتنمية) هُزم في ثلاث مدن كبيرة أمام مرشحي المعارضة، هي أنقرة وإسطنبول وأنطاليا، وإذا تأكدت هذه النتائج، فإن حزب العدالة والتنمية سيسيطر على 15 مدينة كبيرة بدلاً من 18 كانت في حوزته حتى الآن، على حين أن حزب الشعب الجمهوري سيفوز بـ11 مدينة مقابل 6 حالياً.
انتزعت المعارضة أضنة من حزب (الحركة القومية)، حليف أردوغان، وأنطاليا من حزب (العدالة والتنمية)، كما احتفظت بسيطرتها على مدينة أزمير. وقد اعتبر زعيم المعارضة كمال كيليجدار أوغلو أن «الشعب صوّت لمصلحة الديمقراطية واختار الديمقراطية. وقال مرشح المعارضة لرئاسة مجلس بلدية العاصمة منصور يافاش أمام أنصاره «خسرت السياسات القذرة وانتصرت الديمقراطية» وقال الصحفي التركي البارز روسان كوكر إن التصويت «تاريخي مثل تصويت عام 1994»، وقال إنها «إعلان أن الصفحة التي فُتحت منذ 25 عاماً بدأت تُطوى». بالمقابل بلغ العدد الإجمالي للناخبين الذين شاركوا في الانتخابات 48 مليوناً من إجمالي عدد سكان تركيا البالغ 72 مليوناً. حصل حزب العدالة والتنمية على 39 بالمئة من أصوات الناخبين. حصل حزب الشعب على 23 بالمئة. حزب العدالة والتنمية حصل في انتخابات عام 2007 على 47 بالمئة من إجمالي أصوات الناخبين وبالتالي فإن حصوله على 39 بالمئة مؤشر على انخفاض شعبيته، كما أن عدم نجاح الحزب في الحصول على 50 بالمئة من مقاعد المحليات التركية يعني أن الرأي العام التركي قد غير رأيه، بحيث أصبح يرى تعزيز صيغة التوازن بين قواعد السلطة (المحليات)، وقمة السلطة التي يسيطر عليها حزب العدالة والتنمية.
النتائج تكشف هزيمة، وتطرح علامات استفهام حول الأسباب الحقيقة وراء خسارة أردوغان وما دور الاقتصاد في ذلك؟
في تصريح إلى وكالة «فرانس برس»، رأى الأستاذ في جامعة بيلغي في إسطنبول إيمري أردوغان أن «الاقتصاد لعب بالتأكيد دوراً في تراجع حزب العدالة والتنمية»، إذ يبدو أن شعبية أردوغان في المدن الكبيرة تراجعت بسبب الوضع الاقتصادي المتردي، بعدما اعتمد طويلاً منذ العام 2002 على ارتفاع مطرد في نسبة النمو في البلاد، وهذا ما أتاح له تحقيق انتصارات انتخابية متتالية. ودخل أردوغان وحزبه إلى الانتخابات البلدية وهو يواجه انكماشاً للمرة الأولى منذ عشر سنين، على حين سُجلت نسبة تضخم قياسية، علماً أن نسب البطالة تشهد ارتفاعاً مستمراً، وتراجع سعر العملة المحلية، الليرة التركية، بشكل كبير.
وقال أستاذ القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي التركية، سمير صالحة، إن «الأوضاع الاقتصادية الأخيرة قد لعبت دوراً في فقدان ثقة فئة من الناخبين في حزب العدالة والتنمية، إضافة إلى الأزمات السياسية الخارجية والداخلية التي تعانيها الدولة التركية».
وقال الأستاذ المساعد في جامعة بيلكنت في أنقرة برك ايسين: «حتى الآن كان أردوغان يحصل على دعم قواعده الشعبية استنادا إلى المقولة التي تعتبر أن الاستقرار السياسي يجلب الازدهار الاقتصادي (…) لكنه في النهاية لم يجلب الاستقرار السياسي ولا الازدهار الاقتصادي، بالمقابل هبط مؤشر الأسهم الرئيسي في تركيا خمسة بالمئة إلى أدنى مستوياته منذ منتصف كانون الثاني» في الوقت الذي يقول فيه محللون إن المستثمرين الأجانب تدافعوا لبيع الأسهم والسندات.
النجاح الاقتصادي الذي بنى عليه أردوغان جوهر انتصاراته الانتخابية منذ 7 سنوات تحول إلى نقطة ضعف في هذا الاقتراع مع موجة انهيار ضربت الليرة، وفي الواقع، دخل الاقتصاد التركي في مرحلة تباطؤ للمرة الأولى منذ عشر أعوام، بينما أثر التضخم الذي غذاه تراجع الليرة، بشدة على القدرة الشرائية للمستهلكين وخاصة على صعيد الغذاء، ولا شكّ في أن أردوغان لمس في نتائج هذه الانتخابات تراجعاً في شعبيته، وهذا ما يشكل بداية نهاية حقبة حزبه. لذلك سارع إلى استدراك الأمور من خلال محاولة التركيز على الاقتصاد المتعثر قبل الانتخابات العامة التي ستُنظم في العام 2023.
في سياق حملة التضليل الانتخابي التي يقودها، وخلال التجمعات الانتخابية بوجود أنصاره، قدم أردوغان معارضيه على أنهم أعداء الدولة. والحقيقة أن حزب أردوغان واجه تصويتا عقابيا في الانتخابات واعتبرت أستاذة العلوم السياسية في جامعة الشرق الأوسط التقنية في أنقرة «آيسي أياتا»، أن هذه النتائج مؤشر إلى «بداية النهاية» للأغلبية الحالية.
مع ذلك لا يزال حزبه رقماً مُهمّاً على الساحة السياسية، فإنّه لم يتلقَ هزيمة شاملة، إذ حصد في حدود 37 بالمئة من أصوات الناخبين، كما لا تمثّل الانتخابات البلدية التي تُجرى كل خمسة أعوام على مستوى المحافظات التركية جميعها، عاملاً رئيسياً حاسماً في اللعبة السياسية، أي الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، والمناصب العليا في البلاد، لكنها بالتأكيد تُعطي مؤشرات ودلالات على المزاج العام للمواطنين الأتراك، هي أن كلمة السرّ الأساسية في هذه النتائج «الحريات العامة والإعلامية» بسبب إجراءات حكومة أردوغان ضد الإعلاميين والمعارضين، وكذا الأزمة الاقتصادية.
أخيراً الانتخابات المحلية التركية ذات دلالات كبيرة فيها هزيمة أولى لمشروع أردوغان وهي معركة كبيرة لإنهاء أوهام السلطنة العثمانية ودعمه للإرهاب في سورية، ولاسترجاع الحريات العامة للمواطنين الأتراك، التي سلبها أردوغان ونظامه السياسي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن